صحافة دولية

MEE: كيف بددت صفقة إسرائيل والإمارات وهم الوحدة العربية

شدد الموقع على أهمية حركة "بي دي أس" العالمية المناهضة للتطبيع- تويتر

نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا تناول فيه الأثر الذي يتركه تطبيع الإمارات مع الاحتلال الإسرائيلي على الوحدة العربية.

 

وشدد في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، على أن التضامن العربي يعد في غاية الأهمية لمستقبل القضية الفلسطينية.

 

وأشار معد التقرير حميد دباشي، المؤرّخ والفيلسوف الإيراني الذي يدرس في جامعة كولومبيا الأمريكية، إلى أهمية حركة "بي دي أس" العالمية المناهضة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

 

وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":


إن التضامن العالمي مع الفلسطينيين، والذي أفضل ما تعبر عنه حركة بي دي إس، في غاية الأهمية لمستقبل القضية الفلسطينية


 

 

في خضم الفوضى العارمة لفترة رئاسية كارثية، وجد دونالد ترامب لحظة استرخاء في منتصف آب/ أغسطس ليبدو في مظهر الرئيس، ويعلن أن قاعدتين عسكريتين من القواعد الأمريكية الرئيسة، إسرائيل والإمارات، سوف تقيمان "تطبيعا كاملا للعلاقات". لم تكن لدينا فكرة أن العلاقات بينهما لم تكن طبيعية. 

حاول ترامب، ومعه كبير مساعديه الصهيوني المقيم في البيت الأبيض جاريد كوشنر، بيع الرابط الاستراتيجي بين هذين المرفقين العسكريين التابعين للولايات المتحدة كما لو كان حدثا "تاريخيا"، لا أقل. سارع صحفي نيويورك تايمز المؤيد لإسرائيل توماس فريدمان إلى الإشادة بذلك، واصفا إياه بالزلزال الجيوسياسي. 

عندما تعيش في الولايات المتحدة وتتابع الأخبار، فإنك تصبح معتادا على مثل هذا الهراء المضلل. تقرأ الأخبار وتنتظر لترى فردة الحذاء الأخرى تسقط، ولكن ذلك لا يحدث أبدا. 

الصهاينة الأمريكيون والثمل بالسلطة

محاطا بمحاميه السابق دافيد فريدمان، الذي كان مكلفا بمتابعة قضايا إفلاسه والذي كافأه بتعيينه في منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، وبجاريد كوشنر، لم يستطع ترامب التفوه بجملة واحدة دون أن يربطها بكذبة، فمقابل هذه الصفقة –وكل شيء بالنسبة لترامب صفقة– فقد قررت إسرائيل عدم "إعلان السيادة" فوق أراضي الضفة الغربية المحتلة. 

وهذا بالطبع كذب صريح. فلن تستريح إسرائيل حتى تبتلع فلسطين بأكملها، ثم تتغول من بعد ذلك على المزيد من الأراضي في لبنان وسوريا والأردن ومصر. فهذا المشروع مثل مشاريع الاستعمار الأوروبي، ليس بإمكان الصهيونية سوى أن توسع دولتها العسكرية في المنطقة. 

بعد سنوات من العلاقة القائمة بحكم الأمر الواقع بينهما، قررت إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة التوصل إلى اتفاق بحكم القانون، عليه ختم ترامب، على أمل تحقيق إعادة تموضع أوسع لاصطياد عصفورين أو أكثر بحجر واحد: تحييد العالم العربي عن النضال الفلسطيني، وتهديد إيران وتركيا، وحتى تمضي إسرائيل قدماً في سرقة ما بقي من فلسطين دونما حساب أو عقاب. كان شيوخ الإمارات في غاية السعادة أن تناط بهم مهمة قيادة الوهم. 

بالطبع لم يكن الإماراتيون أول دولة عربية تخون بشكل رسمي القضية الفلسطينية، فالإمارات الدولة العربية الثالثة التي تتحدى إرادة شعبها وتسعى لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كما فعلت مصر في 1979 وكما فعلت الأردن في 1994.

 

ينهمك الصهاينة الآن، من تل أبيب إلى واشنطن، في التخطيط لكيفية حمل المزيد من البلدان العربية على السير في الطريق ذاته. 

قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن القوة التي كانت خلف الاتفاق بين إسرائيل وشريكها العربي الجديد في سرقة فلسطين لم يكن سوى كوشنر نفسه. وصل الأمر بالصهاينة الأمريكان هذه الأيام حد الثمالة بالسلطة، إذ أقنعوا أنفسهم بأن فتحهم لفلسطين بات حكما واقعا، ومن يتجرأ على التشكيك في ذلك فإنهم يسلطون عليه خلاياهم النائمة وجنودهم المجندة لتقصفه بقنابل "معاداة السامية" لإسكاته وكتم أنفاسه. 

الرأي العام العربي

بالنسبة لترامب، هذه انفراجة مرحب بها بعد سجل حافل بالبؤس في فترة رئاسته الفاشلة، وخاصة أنه يواجه كابوس الحملة الانتخابية لإعادة انتخابه. وبالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يعد ذلك انتصارا سياسا لنظامه الفاسد، وبالنسبة للإماراتيين، الذين ما لبثوا دوما يقضمون أكثر مما يمكنهم مضغه، فإنه يسرهم أن يرحب بهم في احتفال سخيف آخر من تلك الاحتفالات التي ينظمها البيت الأبيض. 

في ضوء كل ذلك، ما هو مصير الفلسطينيين ونضالهم التاريخي من أجل تحرير وطنهم؟ أين يقف الفلسطينيون بعد طعنة أخرى في ظهرهم يوجهها إليهم من يسمون أشقاءهم العرب؟ 

هناك أكثر من سبب واحد لإلقاء تلك العبارة المبتذلة "الأشقاء العرب" في مزبلة التاريخ. إلا أن القضية أكبر من هذا الأثر المتبقي من الماضي السحيق. ينبغي الآن التخلي تماما عن وهم ما يسمى العالم العربي وتضامنه مع القضية الفلسطينية. 

عادة ما نميز بين الزعماء العرب والشعوب العربية، وهذا تمييز مشروع. يكشف مؤشر الرأي العربي، وهو المؤشر الأكثر صدقية فيما يتعلق بقياس الرأي العام العربي، بشكل منتظم أن التحرير الوطني الفلسطيني يأتي في مقدمة اهتمامات العرب، من المغرب إلى العراق.

 

ويلاحظ المؤشر في تقريره الأخير أن "ما يزيد على ثلاثة أرباع سكان العالم العربي يتفقون على أن القضية الفلسطينية تهم جميع العرب، وليس الفلسطينيين وحدهم". 

ولكن إلى جانب الانتفاضات الثورية التي تنطلق من حين لآخر وتسعى القبائل الحاكمة، مثل تلك التي تحكم الإمارات العربية المتحدة، إلى إجهاضها، يفتقد الرأي العام العربي الآلية اللازمة لترجمته. يخضع العرب لحكم عصابة من الحكام غير الشرعيين. أما ما هو مهم لمستقبل القضية الفلسطينية، فهو التضامن العالمي معها كما تعبر عنه حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس). 

إذا كان الناس في مصر والمغرب أو العراق يهتمون بالقضية الفلسطينية –كما يفعل الناس في إيران وتركيا وجنوب أفريقيا وباكستان والمكسيك– فإن عنصر "العروبة" لم يعد مهماً. بل يغدو التضامن العالمي أهم بكثير. 

ضياع الوهم

ما خسره الفلسطينيون في الإمارات العربية المتحدة، إذن، هو وهم التضامن العربي مع قضيتهم، وشيء عظيم أن يفقد المرء وهما كهذا. والحقيقة أنهم لم ينخدعوا يوما بهذا الوهم، ولكن من الجيد أن ينكشف الأمر على الملأ. وما كسبوه بدلا من ذلك، الاعتراف التاريخي بالتضامن العالمي مع قضيتهم العادلة، وهو أثمن بكثير من الوهم الضائع. 

إن الاتفاق بين مستعمرة استيطانية أوروبية وصنيعة استعمارية أخرى في الجوار، لا يعني شيئا مقارنة بذلك التضامن العالمي. تمتد حركة "بي دي أس" من آسيا إلى أفريقيا، ومن الولايات المتحدة إلى أمريكا اللاتينية. وذلك ما يخيف الصهاينة ويقض مضاجعهم.  

كما أن صفقة إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تفضح تفاهة تفكير الحكام الصهاينة الذين يظنون أن ترتيبا مع قصر مبهرج من الشيوخ هو كل ما يحتاجونه لتوفير غطاء يستر سرقتهم. هؤلاء لا سلطان لهم على ملايين العرب والمسلمين حول العالم الذين يمقتون ما ارتكبته إسرائيل من سرقة تاريخية لفلسطين، وما سببته من آلام ومعاناة للفلسطينيين. ولكنهم يتجاهلون تلك الحقائق لأنها تشلهم. ولذا تجدهم لا يجدون مفرا من التبجح بوهم اتفاق يبرمونه مع عصابة متمردة من رجال القبائل. 

كلا الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، وأي عشيرة حاكمة قد يخطر ببالها أن تنضم إليهما، هم في معزل ليس فقط عن ملايين العرب، بل وعن الإنسانية ككل. لا تملك إسرائيل سبيلا لبيع سطوها المسلح على فلسطين لأي كائن بشري محترم، ناهيك عن أن تبيعه لشعوب تهتم بعمق بنضالاتها التحررية الخاصة بها. 

فقد وهم "الأمة العربية" مشروعيته وجاذبيته منذ وقت طويل. ولى إلى غير رجعة عهد القومية العربية البرجوازية الرجعية، بما تنضوي عليه من كراهية للإناث وسمات أبوية، تماما كما حدث مع الأيديولوجيات المتخلفة والأبوية في الجوار، سواء كانت فارسية أو تركية أو غير ذلك، بدءا من الإسلاموية وانتهاء بالعلمانية. 

فهذه محاذية للصهيونية ذاتها كما أنها من مخلفات الاستعمار الأوروبي. لم تزل القومية البرجوازية في العالم العربي والإسلامي وما بعده تستغل بشكل منتظم خطابها المعادي للاستعمار من أجل ترسيخ طغيان الدولة المستبدة. ففي الهند، غاندي وجواهر لال نهرو هما اللذان مهدا الطريق أمام نارندرا مودي، وفي مصر، جمال عبدالناصر هو الذي أنتج في النهاية عبدالفتاح السيسي، وفي إيران أطيح بمحمد مصدق من أجل أن تحمل الثيوقراطية المستبدة راية معاداة أمريكا. 

أن تكون أكثر عزما

يتمتع النضال الوطني الفلسطيني بتضامن واسع النطاق من الأرجنتين إلى المكسيك -حيث كنت أنا والمؤرخ إيلان بابيه شاهدين على ذلك ومشاركين فيه– ثم عبر شمال أمريكا إلى العمق من أوروبا وآسيا وأفريقيا. ذلك التضامن اليوم، كما تعبر عنه بشكل حاسم حركة "بي دي أس، يشتمل على ملايين العرب ممن يعارضون الغدر الذي يمارسه حكامهم.

 

والصهاينة مرعوبون من هذه الظاهرة، إذ إنهم لا سلطان لهم عليها على الإطلاق. واليوم، نرى أعضاء في الكونغرس الأمريكي يدافعون عن حركة "بي دي أس"، وهذا يمثل كابوسا بالنسبة للصهاينة. 

لطالما قلت إننا بحاجة إلى الاشتراكية الديمقراطية التي تقع في القلب من حركة التحرير الوطني الفلسطيني لكي تقود العالم العربي، بدلاً من القومية العربية المضللة والمثيرة للشفقة، والتي تعمل على إفساد القضية الفلسطينية. 

وكلما خرج المزيد من الأنظمة العربية الرجعية إلى العراء وانضموا إلى الاستعمار الصهيوني الإسرائيلي أصبح الفلسطينيون أكثر حرية من وهم "التضامن العربي"، وأكثر فخرا وأكثر عزما، وأكثر انسجاما مع العالم، حيث سيكونون برفقة أخواتهم وإخوانهم حول العالم، بما في ذلك هنا داخل الولايات المتحدة حيث ينشط مؤيدو فلسطين من الساحل إلى الساحل، يرسمون معالم أكثر حركات التحرير تقدمية في البلاد.