كتاب عربي 21

ملف المذبحة المُغلَق (1-2)

1300x600

مرت منذ أيام الذكرى السابعة لمذابح الانقلاب العسكري في القاهرة الكبرى تحديدا وغيرها من المحافظات، أما ميدان رابعة العدوية الذي كان يمثل عصب رفض الانقلاب، فناله القسط الأكبر من وحشية قيادات النظام الجديد الرافض للتغيير السياسي والاجتماعي الذي بشّرت به ثورة كانون الثاني/ يناير 2011.

رغم مرور هذه السنوات فلا يزال هناك تساؤل هام حول كيفية استقبال الضباط والجنود لعملية الشحن التي أدت للوحشية في سلوك فض الاعتصامات، فالتساؤل ليس حول سبب فض الاعتصام، لكنه حول كيفية قبول القائمين على تنفيذ الفض استخدام "قوة غاشمة" وسلوكا وحشيا مع المعتصمين.. هذا على مستوى النظام.

إذا كانت إمكانية الوصول إلى المعلومات متعذِّرة في ظل نظام دموي وقمعي مفهومة، فغير المفهوم تصرفات قيادات التيار السياسي الإسلامي وتحديدا جماعة الإخوان، وعدم قيامها بمراجعات لما حدث وآثاره، أيضا إبداء نتيجة تلك المناقشات. وهنا نطرح ثلاثة أمور بشكل محدد:

أولا، الحصر:

لم تقم جماعة الإخوان المسلمين حتى اليوم بتقديم حصر عددي لمن تُوفي نتيجة فض الاعتصامات، وكذلك لم يقم أي تنظيم سياسي ممن شارك في الاعتصام بصورة رسمية بتقديم حصر بعدد الوفيّات بين أعضائه في ذلك اليوم. ومن يعرف الإخوان ولو بشكل عابر يدرك مدى إمكانية قيامهم بهذا الحصر على مستوى التنظيم، وأغلب الظن أن الحصر موجود؛ إذ شهدنا وجود حصر على مستويات إدارية صغيرة، والطبيعي أن يكون رُفع للمستويات الأعلى، وتعمية الحصر عن المجتمع وقواعد التنظيم كذلك مثير للريبة أكثر من كونه مثيرا للاستغراب، هذا على فرض أن الحصر موجود بالفعل.

أما إذا افترضنا عدم وجود حصر، فالتساؤلات ستتسع، والريبة ستزداد، فما الذي يمنع الإخوان تحديدا وباقي تنظيمات الاعتصام من عمل هذا الحصر، رغم ولع التنظيمات عموما بتوثيق المظالم؟ ثم ما الدافع وراء عدم السعي وراءه؟ ومن المستفيد من غيابه غير النظام الذي سفك الدماء؟ وأخيرا، أليس من حق ذوي الضحايا استخدام ما قد يخلِّفه التوثيق من أثر قانوني في تعقب الجُناة والنظام السياسي؟

إن التساؤلات المتعلقة بالحصر لا تنتهي ولا ينبغي لها أن تنتهي حتى يصدر توثيق من الجهات التنظيمية أولا، ثم مطابقتها مع ما جرى توثيقه من نشطاء موقع "ويكي ثورة"؛ لبيان أعداد ضحايا المتضامنين والمعتصمين من خارج التنظيمات السياسية كذلك، فالقتل طال الجميع في ذلك اليوم.

ثانيا، تأريخ أحداث وتقييم مسار الممارسة العامة منذ الثورة حتى الانقلاب:

تُطالعنا قيادات تنظيمية بين الفَيْنَة والأخرى عن "وقائع تُروى لأول مرة"، ولكننا لم نجد رواية متكاملة تؤرخ لوقائع ما بعد الثورة، والشهور الأولى لما بعد الانقلاب، خاصة أن هناك قيادات تنظيمية نجت من محرقة النظام في الاعتصام أو الاعتقال. ومن الناجين وزراء، أيضا قيادات في أعلى مناصب الجماعة مثل الأمين العام، وهؤلاء لا بد أن لديهم معلومات تحتاج إلى التوثيق والتأريخ. وليس مفهوما كذلك سبب إخفائها إلا إن كان فيها ما يسيء إلى صورة التنظيم. والإساءة لا تقتضي عقد صفقات على حساب مصلحة الوطن فقط، فربما تنشأ من إظهار مدى سوء تقدير القيادات التنظيمية للواقع.

أما التقييم الداخلي لممارسات التنظيم وقراراته فيبدو أنه أمر بعيد المنال. والتقييم ليس جلدا للذات، بل هو لازم للانتقال من حال الإخفاق إلى معالجة أسبابه، أو يكون لتقييم مدى صواب المسار أثناء السير فيه، لكن للأسف تواجَه دعوات التقييم بحجج واهية، كعدم مروءة الانتقاد في وقت الأزمة (الممتدة منذ أكثر من سبع سنوات)، أو غياب بعض شهود الوقائع، كأن الحاضرين لا يعلمون أغلب التفاصيل!

للأسف، في ظل غياب عملية التقييم، لن يستفيد أحد من معرفة خبايا مسار التخطيط للانقلاب العسكري، الأمر الذي سيسهم في محاولة فهم تداخلات مراكز القوة داخل النظام السياسي، وتفكيك هذه الشبكات فيما بعد، وكذلك سيسهم الدرس في تحصين الديمقراطيات الناشئة في المنطقة عقب ثورات الربيع العربي، لكن حجة الانقلاب حاضرة لدى قيادات التنظيم، بأنه كان سيحصل على أية حال، وكأن الإشكال في تصاريف القدر، لا في سوء تدبير التدافع البشري الذي هو أصل عمارة الأرض "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ".

ثالثا، آثار الانقلاب على الشباب وانقسام الجماعة:

مرحلة ما بعد الانقلاب أثارت ردود فعل تنظيمية شديدة السوء على مستوى التماسك التنظيمي بوجه عام، وعلى مستوى الاتزان النفسي للعديد من شبابه وأفراده. ويبدو أن الكوارث التي نتجت عن الانقلاب لم تكن كافية لتجعل إدارة الجماعة تشعر ببعض الخجل وتترك مقاعدها لأشخاص آخرين، بل تشبثت القيادات بسلطاتها لينتج انقسام حاد في جسم الجماعة، وتخرج بذاءات لفظية وسلوكية غير معهودة داخل الإخوان، كاشفة حجم الأزمة التربوية داخل جماعة، دون استثناء قيادات كبيرة داخل التنظيم.

تضافرت ظروف صدمة الانقلاب، مع ارتقاء قتلى، مع سوء التنظيم، مع انقسام داخلي، مع انحرافات سلوكية مع المخالفين، ليُنتج عن كل ذلك أكبر أزمة واجهت جماعة الإخوان المسلمين داخليا. وقد استمعت لرواية أحد شباب التنظيم سابقا، يروي فيها طبيعة معاناته عقب الانقلاب، وربما جمعت روايته العناصر السابقة، الأمر الذي يجعلها تستحق إفرادها بحديث مستقل.

يتبع..


twitter.com/Sharifayman86