كتاب عربي 21

ليبيا في طريق لملمة جراحها: الديمقراطية هي الحل

1300x600
عادت ليبيا من جديد للبحث عن معالجة سياسية سلمية عن أزمتها التي طالت وأوقعتها في خطرين من الحجم الكبير: الاقتتال الأهلي من جهة، والتدخل الخارجي من جهة أخرى. فالبيان الذي صدر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومجلس النواب في ليبيا؛ عن وقف العمليات العسكرية لقي ترحيبا واسعا من قبل المجتمع الدولي، وزكته دول عديدة من بينها تونس ومصر.

يعتبر الإعلان خطوة جديدة ونوعية نحو تحقيق سلام دائم في هذه البلاد التي لم تعرف الهدوء منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، إذ سرعان ما دب الخلاف بين الليبيين رغم الانتخابات التي تمت، وأدت إلى إنشاء برلمان ومجلس رئاسة وحكومة.

لم ينجح الليبيون في السيطرة على فوضى السلاح، حيث تشكلت عشرات المجموعات المسلحة في غياب جيش وطني موحد ومهيكل لحماية البلاد والمساعدة على بناء دولة جديدة، وهو الأمر الذي استغله اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي سارع بتكوين قوة عسكرية، وقرر بمقتضاها أن يخوض حربا بهدف توحيد البلاد والتخلص من خصومه السياسيين، وفي مقدمتهم الاسلاميون بمختلف عناوينهم ولافتاتهم، مستعينا في ذلك بأطراف إقليمية ودولية كارهة للإخوان المسلمين إلى جانب تحقيق مآرب أخرى. لكن الهجوم الذي قام به حفتر على العاصمة طرابلس، والذي كاد أن يحقق أهدافه، فتح الباب أمام سيناريو مفاجئ لم يكن أحد يتوقعه.

غيّر التدخل التركي العسكري السريع الخارطة الميدانية، وأعاد الوضع تقريبا إلى ما كان عليه قبل الهجوم على طرابلس. وبقطع النظر عن الاتفاق الاستراتيجي الذي وقعه السراج مع أردوغان والذي وفر للأتراك مجالا حيويا في قلب البحر الأبيض المتوسط، فإنه لا أحد ينكر أن التدخل التركي غيّر مجرى الأحداث داخل ليبيا، ودفع بالجميع نحو مراجعة حساباتهم والقبول بالواقع الجديد.

استفادت أنقرة كثيرا من التدخل العسكري الروسي في ليبيا، فمن جهة استعملته كورقة للضغط على حفتر وحلفائه مما جعله يدرك بأن مغامرته العسكرية فشلت وفقدت جاذبيتها، بعد ان أدت إلى فشل ذريع ميدانيا، كما أن توغل روسيا داخل التراب الليبي أرعب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الحلف الأطلسي؛ التي رأت في هذا التوغل تهديدا مباشرا لقلب أوروبا. هذا ما يفسر الدعم الأمريكي الذي تلقاه أردوغان من الرئيس ترامب ومن عواصم أوروبية عديدة، عندما دخل بقوة إلى الساحة الليبية، وهو ما جعل فرنسا تقف عاجزة أمام أنقرة رغم مساندتها القوية لحفتر وحلفائه، وهي تحاول الآن ملاحقة الأحداث وتسعى لكي يكون لها دور في التسوية القادمة. فلولا المساندة الأمريكية القوية لأردوغان لما جازف هذا الأخير بإرسال جزء من قواته إلى ليبيا.

كان من المتوقع أن يتوقف الهجوم المعاكس عند مدينة سرت، ولو حصل العكس وتقدمت قوات حكومة الوفاق المدعومة تركيا لغرقت البلاد في حمام دم، ولاستعاد حفتر رمزيته، ولقي دعما واسعا من أطراف وجهات عديدة. لهذا استبدلت الحرب بأسلوب آخر، بعيدا عن منطق السلاح.

ما يجب العمل من أجله الآن هو الإسراع في الانتقال إلى تسوية سياسية دائمة، ولا يكون ذلك إلا من خلال الرجوع إلى الشعب الليبي عبر تنظيم انتخابات حقيقية ومستقلة وشفافة.

يجب أن يقول الليبيون كلمتهم، وعلى نخبهم تجاوز الحسابات الضيقة وتجنب الاحتماء بالخارج، والتخلص من وهم السلاح والاعتقاد في قدرته على إنهاك الخصم وإلغائه.

منطق العنف مدان، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف وتعميم الفوضى، ومضاعفة الخسائر في الأرواح والعتاد.

في هذا المنعرج الحاسم على التونسيين بمختلف مواقعهم أن يتجندوا لالتقاط هذه الفرصة، وأن يتوقفوا عن التناحر فيما بينهم لدعم هذا الطرف على حساب الطرف المقابل انطلاقا من رهانات أيديولوجية تجاوزها الزمن. الجدل الآن حول مدى صحة الموقف التركي من عدمه مضيعة للوقت، وإهدار للفرصة المتاحة الآن لتغيير مجرى الأحداث داخل ليبيا.

المطلوب اليوم هو إدامة وقف اطلاق النار، وتحويله إلى سلام دائم يحمي ليبيا والليبيين من الاقتتال وضياع البلد وتبديد الثروة الوطنية.

تونس رابحة من السلام في ليبيا وخاسرة من مواصلة الحرب والاحتراب. فما آلت إليه الأوضاع هناك ساهم بشكل واضح وملموس في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تطحن تونس حاليا.

كانت ليبيا في حالة السلم وخلال المراحل السابقة بمثابة الرئة الثالثة للدورة الاقتصادية التونسية، وعندما توقفت هذه الرئة أصيبت تونس بالاختناق وفقدان المناعة.

فالطبقة السياسية بمختلف مكوناتها، وفي المقدمة المؤسسات العليا للدولة في تونس مطالبة بأن تتحرك بأقصى درجات السرعة من أجل توحيد الصف الليبي حول التسوية السياسية، والعودة إلى الآليات الديمقراطية والتوافقات الاجتماعية. عندها يتم إنقاذ ليبيا من جهة، وإسعاف الانتقال الديمقراطي في تونس من مخاطر يصعب أن تواجهها لوحدها، من جهة أخرى.