ملفات وتقارير

هكذا سيؤثر اتفاق إيران الاستراتيجي مع الصين على واقعها

تستمر الاتفاقية الاستراتيجية بين الصين وإيران لربع قرن- جيتي

"الاتفاق النووي الشرقي"، وصف أطلقته وسائل إعلام إيرانية على الشراكة الاستراتيجية المرتقبة مع الصين، والتي تمتد لربع قرن وتبلغ الاستثمارات الصينية فيها 400 مليار دولار، وتشمل قطاعات عسكرية واقتصادية وبنى تحتية حيوية بإيران.

والأسبوع الماضي، أقر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، خلال اجتماع للبرلمان، بأن حكومته تقوم بالتفاوض مع الصين حول الشراكة الاستراتيجية.

ومقترح الشراكة طرحه الزعيم الصيني شي جين بينغ لأول مرة خلال زيارة لإيران عام 2016، وأفاد ظريف أن حكومته قبلت المقترح في حزيران/يونيو الماضي.

واعتبرت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" أن الاتفاق الاستراتيجي هو محاولة من إيران للخروج من وطأة العقوبات الأمريكية التي أضرت بالأوضاع الاقتصادية داخل إيران، ويمهد لبكين، خصم واشنطن التقليدي، موطأ قدم بمنطقة الخليج الحيوية، وفي إطار إكمال مشروعها الاستراتيجي مبادرة "الحزام والطريق".

الدوافع والتحفظات

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عدنان زماني أن عدة عوامل دفعت بإيران نحو الصين، وأحدها "ومحاولة الخروج من ضغوط العقوبات القاسية".

 

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال زماني: "إيران تشعر أنها تعرضت لانتكاسة بعد انهيار الاتفاق النووي عمليا عقب خروج واشنطن منه، وعدم وفاء الشركاء الأوروبيين بتعهداتهم، حسب الرؤية الإيرانية، تجاه الاتفاق النووي".

وباشرت الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات إيران عقب انسحابها من الاتفاق النووي في آيار/مايو 2018، بعد قرابة 3 سنوات من إبرام اتفاق لوزان عام 2015م والذي أنهى أزمة استمرت 12 عاما حول برنامج إيران النووي.

 

اقرأ أيضا: قراءة إسرائيلية متشائمة للاتفاق الجديد بين إيران والصين


وأدخلت العقوبات إيران في أزمة اقتصادية خانقة، فاقمها تفشي وباء كورونا وانخفاض أسعار النفط منذ مطلع العام الجاري، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصاد إيران لهذا العام بواقع سالب 6 بالمئة.

ولفت زماني إلى أن "الضغوط الداخلية والصراع بين تيار الأصوليين والإصلاحيين في إيران هو أحد هذه العوامل الدافعة للاتفاق".

وأوضح أنه بعد فشل الاتفاق النووي "قويت كفة أنصار التيار الأصولي الذي كان يعارض التوجه نحو الغرب ويرجح الاتجاه نحو الشرق".


وهذه السياسة الجديدة لإيران يمكن اعتبارها تحقيقا "للرؤية الأصولية تجاه علاقات إيران الدولية بعد أن ضعفت جبهة الإصلاحيين وأنصار الانفتاح نحو الغرب"، وفق ما قاله المحلل السياسي.

 

وحول أسباب التحفظ على الاتفاقية داخل الأوساط الإيرانية، يعتقد زماني أنها ترجع لثلاثة أسباب رئيسية.

 

وأول هذه الأسباب هو "حالة الغموض والسرية" التي اتسمت بها طريقة الإعلان عن الاتفاقية وعدم كشف بنودها وما تضمنته من تفاصيل.

 

وقبيل الإعلان عن الاتفاقية، وجه الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد انتقادا لها في 27 حزيران/يونيو، وقال: "سمعتُ أنهم يتفاوضون الآن، ويريدون إبرام اتفاقية جديدة لمدة 25 عاما مع حكومة دولة أجنبية، ولا أحد يعلم شيئا عن الموضوع".

والسبب الثاني، وفقا لزماني، هو "التوقيت السيئ للاتفاقية"، حيث تتعرض إيران إلى ضغوط شديدة وعزلة كبيرة، ومن الوارد أن "تقدم طهران تنازلات كثيرة للصين من أجل التوصل لهذه الاتفاقية، بما فيها تنازلات تتعلق بالأمن القومي للبلاد وهو ما يخشاه كثيرون".

 

وتؤكد الحكومة وأنصار الاتفاقية على عدم التفريط بالمصالح العليا للبلاد في هذه الاتفاقية.

 

أما السبب الثالث فمتعلق بـ"الصين وتاريخها السيئ في مجال علاقاتها مع الدول لاسيما الدول التي تمر بظروف عصيبة كإيران حاليا"، وفق ما قاله زماني.

اختراق العقوبات

 

في المقابل، يؤيد الكاتب والمحلل السياسي عماد آبشناس توجه إيران لعقد "خطة عمل مشتركة طويلة الأمد مع الصين"، مؤكدا أنها لو لم تكن في صالح إيران فلن توقع من طرف الحكومة، مشيرا إلى أن خطط التعاون ليست بحاجة لموافقة البرلمان.

ويرى في حديثه لـ"عربي21" أن خروج الدول الغربية والولايات المتحدة من السوق الإيرانية فتح المجال لمنافسين آخرين مثل روسيا والصين، مستدلا أن بلاده وقعت وثيقة تعاون مشترك مؤخرا مع عدة دول كسوريا والعراق.

 

اقرأ أيضا: هذه نتيجة إيران الوحيدة من الاتفاق النووي.. تبدأ بعد شهرين

ويؤكد أن "حساسية الخطة المشتركة" تكمن في أن الولايات المتحدة تستشعر أنها "إفلات لإيران من طوق العقوبات، واقتراب من طهران أكثر نحو بكين، ولذا هي تقيم الضجة الإعلامية ضد الخطة".

 

وأشار إلى أن وصول الصين عبر إيران لمنطقة الخليج، المهمة لإمدادات الطاقة لمنطقة شرق آسيا ودول أوروبا هو "سبب انزعاج الولايات المتحدة التي تحافظ على تواجدها العسكري بالمنطقة من أجل السيطرة على إمدادات الطاقة".

ويقول إن الخطة المشتركة تضمن شراء الصين ما يزيد عن مليون برميل يوميا من النفط الإيراني، وذلك يلبي المصالح المشتركة للجانبين.

ووجهت انتقادات لهذا البند من الخطة باعتبار أن الصين ستحصل على النفط الإيراني بأسعار منخفضة جدا ما يحرم البلاد من إيرادات مهمة، لكن آبشناس يعتقد أنه "تخفيض عادل" لمشتر دائم للنفط الإيراني، وفي ظل المنافسة الكبيرة بأسواق الطاقة.

وحول وجود مخاوف من اشتداد العقوبات الأمريكية على إيران جراء الاتفاق، قال المحلل السياسي: "لم تعد هناك عقوبات تستطيع الولايات المتحدة فرضها على إيران أكثر من الموجود حاليا وهي أشد أنواع العقوبات".

وبالعكس، فإن الإعلان عن الخطة دفع بعض الدول التي تعد حليفة للولايات المتحدة لإجراء مفاوضات مع إيران كي تعود إلى الأسواق الإيرانية وتخفف من وطأة العقوبات، بحسب ما يراه آبشناس.

وذكر أن الهند بدأت اتصالاتها مع إيران لإرسال وفد يفاوض على إعادة بدء هذا مشروع ميناء تشابهار وإرسال الأموال بشكل نقدي إلى إيران، بعد أن كانت أوقفته قبل خمس سنوات بحجة العقوبات.

 

وأضاف: "كوريا الجنوبية بدأت مفاوضات مع إيران لتخليص مليارات الدولارات المجمدة منذ سنين في حساباتها، ودول أوروبية بدأت اتصالات لحلحلة العقوبات كذلك".

وقال: "الولايات المتحدة وحلفاؤها سيوضعون في خانة الاختيار بين أن يعطوا كل الحصص الاقتصادية التي كانت في السابق عقودا لهم  إلى الصين، أو يعودوا إلى إيران وينفذوا هذه العقود".