قضايا وآراء

مستقبل الحرب الليبية

1300x600
شنت القوات الحكومية التابعة لحكومة الوفاق الوطني هجوما بريا ممهدا من سلاح الجو الليبي على مواقع عسكرية تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر في مدن صبراتة وصرمان والعجيلات ورقدالين والجميل وزلطن، غربي العاصمة الليبية طرابلس على الشريط الساحلي المؤدي إلى دولة تونس، وتمكنت بذلك من بسط السيطرة الكاملة على مدن ومناطق غرب العاصمة.

تفوق عسكري لحكومة الوفاق

أدى هذا التفوق العسكري لقوات الوفاق إلى احتساب نقاط سياسية واقتصادية لصالحها، تمثل في اكتساب رقعة أوسع من الأراضي الليبية تمثلت في ضمها لخمس مدن ليبية تحت سلطانها، إلى جانب بسط السيطرة على مجمع مليتا النفطي للنفط والغاز الواقع بين مدينتي صبراتة وزوارة، والذي يغذي بعض العواصم الأوروبية، أبرزها روما، إلى جانب تغطيته لجزء كبير من احتياجات الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي المغذي لبعض محطات توليد الكهرباء.

التفوق الذي أحرزته حكومة الوفاق الوطني جاء بعد تحالفها مع الحكومة التركية، وتوقيع الطرفين اتفاقية أمنية وعسكرية مشتركة أفضت إلى إقرار البرلمان التركي إرسال قوات تركية إلى طرابلس، لمساعدة الحكومة المعترف بها دوليا في بسط سيطرتها على الأراضي الليبية إلى جانب صدها العدوان على العاصمة من قبل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المتحالفة مع شركة فاغنر الروسية، حيث تحاول معا منذ نيسان/ أبريل من العام الماضي الدخول إلى العاصمة الليبية طرابلس.

لم تتوقف قوات حكومة الوفاق الوطني عند هذا الحد، إذ هاجمت قاعدة الوطية الجوية جنوب غرب ليبيا، وسط أنباء غامضة تدور حول شخصيات أجنبية كبيرة تساعد قوات حفتر لوجستيا وعسكريا توجد داخل القاعدة، مما قاد إلى تأخير اقتحامها وبسط السيطرة عليها.

من الدفاع إلى الهجوم

طوال الفترة الماضية ومنذ بدء العدوان على العاصمة طرابلس في نيسان/ أبريل من العام الماضي؛ وقوات حكومة الوفاق الوطني تكتفي بالدفاع دون الهجوم، خلا محاولات معدودة لا تكاد تذكر، لكن هجوم الوفاق الأخير على مواقع حفتر غربي طرابلس يبدو أنه أعلن عن مرحلة أخرى عنوانها الانتقال من الدفاع من الهجوم.

فبمجرد أن انتهت القوات الحكومية من بسط السيطرة على غرب طرابلس وجرى تأمين المنطقة من قبل قوات وزارة الداخلية الليبية، بدأت جولة أخرى من الهجوم لكن هذه المرة في الجنوب الشرقي من العاصمة طرابلس، تمهيدا لاقتحام مدينة ترهونة، معقل قوات حفتر في المنطقة الغربية ومنطلقها في قيادة العمليات على العاصمة طرابلس من جنوبها.

شنت قوات حكومة الوفاق الوطني هجوما واسعا من عدة محاور على مدينة ترهونة، وسيطرت على مواقع جديدة لم تتمكن من الوصول إليها من قبل، مما جعل المسافة الفاصلة بينها وبين مدينة ترهونة من الجنوب الشرقي عدة كيلومترات فقط.

بهذا تكاد تكون نتيجة المعركة بين قوات حكومة الوفاق وقوات حفتر متعادلة حتى الآن، فبعد قدوم الدعم التركي لحكومة الوفاق مقابل الدعم المصري والإماراتي والروسي لقوات حفتر، دخلت قوات الوفاق إلى الحدود الإدارية لمدينة ترهونة من الجنوب الشرقي للعاصمة طرابلس، فيما تحتفظ قوات حفتر بمواقع داخل العاصمة طرابلس توغلت فيها قبل مقدم الدعم التركي للوفاق.

لا أحد يستطيع أن يخمن على وجه الدقة بعد سنة على الحرب ماذا سيكون مستقبل المعارك على تخوم العاصمة طرابلس، لا سيما بعد انشغال العالم اليوم بأزمة فيروس كورونا الذي بات يلتهم آلاف البشر في اليوم الواحد، إلا أننا نستطيع أن نتوقع عدة سيناريوهات لمستقبل الحرب الليبية..

جمود المعارك والتفاوض السياسي

يمثل التعادل في نتيجة الحرب الليبية المتمثل في الدعم الدولي لكلا الطرفين ودخول قوات حفتر إلى مناطق في حدود طرابلس واقتراب قوات الوفاق من مدينة ترهونة؛ مراوحة في المكان نفسه وقبولا من طرفي الصراع وداعميهما بالتفاوض السياسي المفضي إلى اتفاق سياسي جديد يلغي الاتفاق الموقع في مدينة الصخيرات المغربية عام 2016م. ويدعم هذا توجه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا التي تصر على إيقاف الحرب، وازداد تأكيدها على ذلك بعد الدعم التركي لحكومة الوفاق.

انهيار في صفوف قوات حفتر

ابتعاد خطوط الإمداد لقوات حفتر القريبة من العاصمة بمسافة تزيد على 500 كيلومتر، وسيطرة سلاح الجو الليبي المدعوم تركيا على الأجواء في المنطقة الغربية، وتركيزه على قصف الإمدادات لقوات حفتر، إلى جانب انتهاج قوات حفتر قصف مواقع مدينة داخل العاصمة طرابلس مما أفقدها الحاضنة الشعبية التي كانت تتمتع بها بداية الحرب على طرابلس، كل ذلك قد يؤدي إلى انهيار وشيك في صفوف قوات حفتر يؤدي إلى سيطرة حكومة الوفاق الوطني على كامل أراضي المنطقة الغربية من ليبيا.

ويدعم هذا السيناريو المتوقع عزم تركيا على إبعاد قوات حفتر لما بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني من مصالح مشتركة، أبرزها المحافظة على الاتفاقية الأمنية والعسكرية الموقعة بينهما، والتي ربما لن يكتب لها الوجود إذا هددت حكومة الوفاق أو اقتسمت السلطة بناء على اتفاق سياسي جديد.

التقسيم

فيما لو تحقق السيناريو الأخير، فإن الحل السياسي سيصبح أمرا بعيد التحقق، ذلك أن مشروع عسكرة ليبيا الذي تمثله قوات حفتر قائم على ضرورة وجود الحرب والسيطرة الكاملة على كامل الأراضي الليبية، إلى جانب نشوة الانتصار لدى قوات حكومة الوفاق الوطني التي لن تقبل بحل سياسي مبني على القسمة السياسية مع أطراف المشروع العسكري، مما قد تستغل ذلك أطراف دولية مصلحتها في تقسيم ليبيا، مستفيدة بذلك من منابع النفط الليبي شرق ليبيا، إلى جانب إنشاء مناطق نفوذ جديدة لها قد لا تتوفر في حال ظلت البلاد محافظة على وحدتها.