مع توالي الاكتشافات الأثرية من وقت لآخر، وظهور
آثار
قيمة في عمليات حفر بالصدفة، بات هوس التنقيب عن الآثار والاتجار بها هربا من الفقر
أو بحثا عن الثراء يراود الكثيرين من
المصريين.
في كانون الثاني/ يناير الماضي، تم العثور بالصدفة
على ثلاثة تماثيل أثرية بكبشة حفار أثناء أعمال إزالة الاختناقات بالمجرى الملاحي لنهر
النيل، بالقرب من مركز بني مزار في محافظة المنيا.
وفي منتصف الشهر الجاري، قضت محكمة بالسجن المشدد
30 سنة بحق بطرس غالي، شقيق وزير المالية الأسبق يوسف غالي، بتهمة
تهريب 21 ألف قطعة
أثرية إلى إيطاليا، بعد اكتشافها من قبل السلطات الإيطالية في أحد موانئها.
الحفر في كل مكان حتى أسفل المدارس
في تتشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ضبطت السلطات المصرية
عمليات حفر أسفل مدرسة بالمنيا.
وفي منتصف شباط/ فبراير الجاري، تم ضبط أربع قضايا
حفر وتنقيب في محافظة سوهاج في أربعة منازل مختلفة، ومطلع الشهر ذاته، تم ضبط شخص بحوزته
269 قطعة أثرية بالمنيا عبارة عن تماثيل بأحجام مختلفة، وتمائم وعملات نقدية.
وفي 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، تقدم برلماني مصري
باقتراح بشأن العمل على استعادة الآثار المسروقة من مصر، التي يزيد عددها على 110
آلاف قطعة أثرية، معروضة في العديد من متاحف العالم.
في 2017، أقر وزير الآثار المصري، خالد العناني، أمام
نواب البرلمان باختفاء 33 ألف قطعة أثرية من مخازن الوزارة والمجلس الأعلى للآثار.
منقب الآثار أبو علاء
أبو علاء أحد هؤلاء الحالمين، ليس بالثروة، وإنما بالفرار
من الفقر، حيث قرر بعد سنوات طويلة من العمل، وعدم قدرته على توفير المال اللازم لبناء
منزل، الشروع في التنقيب بمحافظة الشرقية، التي تضم مدينة تل بسطة الفرعونية الأثرية،
وهي واحدة من أكبر المدن المصرية القديمة، وكانت عاصمة للبلاد.
في رحلته عن الآثار، يكشف أبو علاء لمراسل "عربي
21" بعض الأسرار التي لا يعرفها كثيرون.
في البداية،
يجب اختيار المكان. يقول: "نعتمد على "المشايخ"، وهم أشخاص يدعون الاتصال
بالجن، وعن طريقهم يمكننا التعرف على الأماكن التي تحتوي على آثار".
مضيفا: "هناك طريقة أخرى، تعتمد على الحدس، وهو
مرتبط بحدوث أمور غير طبيعية، مثل أن يشرع أحدهم في بناء منزله، وتسقط الجدران بعد الانتهاء
منه دونما سبب، أو يتعرض العمال إلى إصابات متكررة، بالإضافة إلى اشتهار بعض البلدان
بالآثار".
مخاطر الحفر وأماني الثراء
وبشأن أماكن التنقيب، يوضح أبو علاء أنها لا تكون في
الأماكن المفتوحة، "إنما في الأماكن المغلقة والنائية، حتى يمكن التخلص من مخلفات
الحفر مثل المنازل في أطراف المدن والقرى، وفي مزارع الماشية والدواجن وغيرها، بعيدا
عن أعين الرقباء".
أما عن العاملين الذين يقومون بالحفر، "فهم عمال
لا يحصلون على أجر، إنما يمنون أنفسهم بالحصول على نسبة مما قد يستخرج من الأرض بوعد
شفوي من صاحب المكان، ولا يقل عدد العاملين عن أربعة، وينقسمون إلى فريقين، الأول يعمل
بالحفرة، والثاني خارجها".
وأدواتهم في ذلك بدائية، مثل الفؤوس والمعاول والجرادل
والسلالم الخشبية والحبال.
"وهناك الممولون، وهم من يتحملون الأعباء المالية
للحفر؛ مثل شراء المواسير، والمواتير التي ترفع الماء من داخل الحفرة، وفي المقابل يحصل
على نسبة من الآثار إن وجدت"، حسب قول أبو علاء.
وفي حال وجد المنقبون شيئا، "يقوم مالك المكان
بتصويرها مع ورقة مكتوب عليها تاريخ التصوير، ويقوم بعرضها على وسطاء، وهؤلاء يجدون
المشترين، الذين يطلبون رؤيتها على الواقع، ويصطحبون معهم خبراء يستطيعون التمييز بين
القطعة الأصلية والمزيفة".
هوس الثراء رغم العقوبات
وأرجع الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار وعالم
المصريات، محمد عبدالمقصود، سبب الهوس لدى البعض في التنقيب عن الآثار "للبحث عن
الثراء بطرق غير مشروعة، إلى جانب استغلال جهل الناس وقلة وعيهم بالآثار، ويستخدمون
في ذلك أساليب الشعوذة والسحر والزئبق الأحمر".
وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "على
الرغم من أن المشرع المصري غلظ عقوبات الاتجار وحيازة الآثار، إلا أن التنقيب مستمر،
ماذا سيفعل القانون مع عدم الوعي، مثلها مثل تجارة المخدرات، رغم العقوبات المغلظة مستمرة".
وأكد أن "معظم تجار الآثار من الأغنياء، لكنهم
يستغلون جهل البسطاء وحاجاتهم للمال للتنقيب عن الآثار"، لافتا إلى أن "معظم
الضبطيات التي تتم آثار مزيفة، والآثار الحقيقية نسبتها قليلة لا تتعدى 10%".
الآثار بين العصابات والفقراء
على الجانب الاقتصادي، قال أستاذ الاقتصاد عبدالنبي
عبدالمطلب، لـ"عربي21"، إنه "إذا سلمنا أن نسبة ما يتم ضبطه من آثار مكتشفة
أو مهربة بشكل غير شرعي يساوي 10 بالمئة، فيمكننا أن نتخيل كم الآثار المنهوبة والمهربة"،
مشيرا إلى "التنقيب بات حرفة لها متخصصون (عصابات)، وإلا ما كانت نجحت في اختراق
كافة الأجهزة الأمنية، وتمكنت من تهريب 22 ألف قطعة".
وأكد أن "العامل الاقتصادي قد يغري الكثيرين من
الطبقات الفقيرة والمعدومة، في محاولة التنقيب أو الحفر، إما أسفل منازلهم وفي مزارعهم،
أو بمساعدة تجار كبار متخصصين في هذا الأمر، خاصة أن الإغراءات كثيرة جدا".