احتفى أنصار الرئيس المصري باختياره ثمانِ وزيرات في الحكومة المصرية منذ حزيران/ يونيو 2018، باعتباره أكبر تمثيل للنساء في وزارة مصرية، واحتفوا كذلك بأناقة وثقافة هؤلاء الوزيرات، وكان يتم تداول صور بعضهن في بطولة كأس الأمم الأخيرة كمثال للمرأة المصرية، والواقع أنهن لا يمثلن المرأة المصرية التي شاركت ولا تزال في النضال السياسي والاجتماعي في شتى بقاع مصر، نتيجة سياسات الإفقار والقمع التي ينتهجها نظام السيسي منذ اغتصابه لحكم مصر، وتشاركه الوزيرات الأنيقات في تدعيم وتنفيذ تلك السياسات.
أسطورة الوزيرات الأنيقات
أصبحت أسطورة الوزيرات الأنيقات محل نظر الآن عقب موقفين متقاربين، الأول، كان موقف وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج نبيلة مكرم في كندا، عندما تحدثت عن المصريين المعارضين بالخارج، وأشارت بيدها إلى عنقها في إشارة إلى ذبح من يعارض مصر بالخارج، والثاني، حضور ثلاث وزيرات منهن إلى حفل غنائي في مدينة العلمين، عقب كارثة التفجير التي حدثت في محيط معهد الأورام وأسفرت عن إصابة ومقتل عشرات المصريين، وذهبت الوزيرات إلى الحفل مرتديات ملابس بيضاء تليق بعقول الذين يديرون الوطن، ولا يبدو أنهن يلتفتن إلى اهتمامات ونكبات المصريين المتلاحقة.
كان حديث السيدة مكرم مناسبا لحالة خفة العقل التي تجتاح حكام العالم اليوم، ويبدو أن نهج محمد بن سلمان في التعامل مع المعارضين لاقى استحسانا بين الأنظمة القمعية، خاصة مع سعي دول كبرى إلى تجاوز قتل إنسان داخل مبنى دبلوماسي للحفاظ على مصالحهم الخاصة، التي يصونها ولي العهد الطامح إلى وراثة عرش أبيه، فإذا كان القتل وتقطيع الأوصال داخل السفارات وتجاوز الأعراف الدبلوماسية مسموحا به مقابل امتيازات، فلتكن تلك قاعدة دبلوماسية عُرفية جديدة تحكم النظام العالمي المهترئ الآن، ولْتبق الأنظمة الديكتاتورية في الحكم طالما أنها لا تعارض التوجهات الغربية، وبعد ذلك لا ننس لعن "داعش" الذين رفعوا شعار "جئناكم بالذبح"، مع فارق أن ذبح الدواعش غير مقبول، بينما ذبح ابن سلمان والسيسي شرعي وقانوني ومبرَّر.
الانغلاق الكامل على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نذير شؤم على أي دولة تبغي الحفاظ على تماسكها بعيدا عن تغيّر الأنظمة الحاكمة.
ثقافة تحكم مصر
نجحت الوزيرات في إعطاء صورة عن العقلية والثقافة التي تحكم مصر السيسي، فلا اكتراث بمعاناة المصريين، ولا اكتراث بأرواحهم كذلك إذا عارضوا رأس النظام، وهي ثقافة تتأثر بتوجهات الحاكم الفرد المطلق، وتأثير باتجاه واحد، لا تبادل تأثير وتأثر بين الطرفين، بل هو توجيه من طبيب الفلاسفة وتكرار للكلام والمعاني، لتصبح الأفكار واحدة ومتجانسة مع بعضها، رغم شذوذها وصداميتها للطبيعة المصرية التكافلية والمتراحمة حتى سنوات معدودة مضت، لكن طبيب الفلاسفة والمنقذ من التطرف قام بصنع العداوات بين أبناء البلد الواحد، وبين أبناء طبقاته المهنية والاجتماعية، كما عمّق الجراح والأزمات الطائفية، وهي نتيجة لم يكن أي احتلال ليقدر على الوصول إليها، لكن حامي الوطن والوطنية نجح في إحداث كل ذلك، ولم يكن غريبا أن تكون تلك أفكار نخبته الوزارية.
ما يقوم به النظام الحالي وداعموه من الأنظمة الإقليمية والدولية، عملية تغيير في القيم والأعراف الأخلاقية والسياسية، وهذه الحالة تغذي وتدعم توجهات العنف، فأي فعل له رد فعل، وإذا لجأت الدولة إلى التطرف في الخصومة فستجد تطرفا في مواجهتها، وإذا وصل تطرف الدولة إلى القتل، ستجد من يصل إلى مستواها، وهذا الانغلاق الكامل على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نذير شؤم على أي دولة تبغي الحفاظ على تماسكها بعيدا عن تغيّر الأنظمة الحاكمة.
الشعب السوداني تلميذا ومُعلِّما
هبة.. الطفلة التي لم تسعفها السيقان البلجيكية العارية