نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للصحافية جيليان كسلر- دمورز، تقول فيه إن سارة أبو بكر كانت في المدرسة الابتدائية عندما سخرت امرأة مسنة من حجاب أمها وشتمتها في سوق مزدحمة في مونتريال.
وتشير دمورز في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن سارة قامت بالرد، أما أمها، التي انتقلت إلى كيبيك من مصر، ولم تكن تعرف ما يكفي من اللغة الفرنسية، لترد عليها، فقامت بأخذ ابنتها والمضي في سبيلها، فيما وقف المارة مكتوفي الأيدي ولم يفعل أحد شيئا للمساعدة، لافتة إلى قول سارة إن ذلك "يترك أثره عليك.. لا يمكنك نسيانه".
وتقول الكاتبة إن "سارة أصبحت الآن 21 عاما، وأصبحت تلك الذاكرة أكثر أهمية من ذي قبل، فالمكان الذي ولدت وتربت فيه والمكان الذي لا تزال تعيش فيه أصبح أول ولاية في أمريكا الشمالية تحظر الحجاب الإسلامي وغيره من الشعارات الدينية، مثل قبعة اليهود وعمامة السيخ والصليب المسيحي بين بعض الموظفين الحكوميين".
وتلفت دمورز إلى أن "القانون 21، أو اسمه الرسمي (قانون احترام علمانية الولاية)، تم إقراره الشهر الماضي من حكومة كيبيك اليمينية، التي خصصت جلسة برلمانية مطولة له، ومنعت النقاش في وجه معارضة قوية، ومع ذلك فإن القانون يحظى بشعبية بحسب الاستطلاعات، فنسبة 63% من أهالي كيبيك يشجعون على فرض حظر على القضاة والشرطة وحراس السجون من ارتداء شعارات دينية، و59% يؤيدون فرضه على الأساتذة".
وتنوه الكاتبة إلى أن القانون، الذي ينطبق فقط على الموظفين الجدد أو من يغيرون وظائفهم داخل المؤسسة، يعني أن العاملين في مواقع السلطة في المدارس والمحاكم ومؤسسات تطبيق القانون لم يعد بإمكانهم أن يلبسوا تلك الشعارات.
وتبين دمورز أنه "مع أن القانون محدد في كيبيك، إلا أنه يأتي ضمن خلافات في أماكن أخرى من العالم حول الحد من عرض الشعارات الدينية، مع أنه في معظم الحالات، تتأثر النساء بشكل أكبر من هذه القرارات، وفي عام 2011، منعت فرنسا غطاء الوجه مثل البرقع والنقاب في المساحات العامة، وسعت لمنع ملابس السباحة التي تغطي الجسد كاملا (البوركيني) على شواطئها، ويتوقع أن تحظر تغطية الوجه في بلجيكا والنمسا والدانمارك، في الوقت الذي تفكر فيه دول أوروبية أخرى بتبني ذلك، أو يتم تبنيه على مستويات محلية".
وتنقل المجلة عن رئيس وزراء كيبيك فرانسوا ليغولت، قوله لإذاعة "سي بي سي" الكندية، مدافعا عن القانون: "إنه شبيه بما نرى في بلجيكا وفرنسا وألمانيا.. ولذلك عندما أسمع بعض الناس يقولون إن كيبيك أصبحت عنصرية، فهل يعني ذلك أن ألمانيا وفرنسا وبلجيكا عنصرية".
وتقول الكاتبة: "إن هذا الجدل القائم في كيبيك ليس مفاجئا إذا ما أخذنا في عين الاعتبار تاريخ الولاية وكيف ترى نفسها بالنسبة لبقية كندا، فكثير من أهالي كيبيك يخشون من أن سياسة كندا متعددة الثقافات ستتسبب بمحو (هويتهم المتميزة) بصفتها ولاية تتحدث اللغة الفرنسية، وهذه المخاوف ترجمت على شكل جهود مثل قانون 21".
وتذكر دمورز أن "إعداد هذا القانون أخذ حوالي عقد من الزمان، حيث بقي أعضاء البرلمان عدة سنوات يناقشون تقنين العلمانية، ومحاولة حظر الشعارات الدينية في الأماكن العامة، لكن الكنيسة الكاثوليكية كان لها دائما وزن هنا، وهو ما جعل الكثير من سكان كيبيك يشعرون بأن علمانية الدولة يجب أن تكون أولوية قبل كل شيء".
وتفيد الكاتبة بأن القانون 21 ينص بوضوح على أنه "من المهم أن ينص قانون كيبيك على تغليب علمانية الولاية"، مشيرة إلى أن العلمانية هنا ليست العلمانية التي عادة ما تنسب إلى فرنسا، التي هي الفصل بين الدين والحيز العام، لكنها ليست بعيدة عن ذلك أيضا.
وتشير دمورز إلى أن مؤيدي القانون يقدمونه على أنه إجراء يشكل في جوهره جزءا من هوية الإقليم، ويقولون إن كون الشخص من كيبيك يعني أن الاعتقاد في الشعارات الدينية هو أمر خاص، لكن العاملين في المجال العام يجب ألا يسمح لهم بلبسها، لئلا تعيق آلية اتخاذهم للقرار.
وتستدرك الكاتبة بأن هناك ما يتناقض مع هذا الرأي، حيث يوجد صليب كبير معلق على واجهة برلمان الإقليم منذ عقود، واحتجت الحكومة ابتداء بأن الصليب كان شعارا لثقافة الإقليم وليس شعارا دينيا، إلا أنه تمت إزالته هذا الشهر، في محاولة لإظهار أن قانون 21 يطبق على الديانات كلها.
وتورد دمورز نقلا عن المنظمات المنادية بالحريات المدنية، قولها إن القانون هو مثال على رهاب الأجانب المتنامي في كيبيك، وبأن الناس الذين يلبسون تلك الشعارات الدينية في الأماكن العامة منبوذون في كيبيك، والقانون الجديد يجعل حرمانهم من الوظائف قانونيا، مشيرة إلى أن وظيفة الحكومة هي حماية حقوق الأقليات وليس تقييدها، وتقول إن هذا بالضبط هو ما يفعله قانون 21.
وتستدرك الكاتبة بأن الحكومة تصور القانون على أنه موازنة صعبة بين الحريات العامة والشخصية، مشيرة إلى قول رئيس الوزراء ليغولت: "أعتقد أنه ضروري لتماسك المجتمع وللعيش بشكل أفضل معا، إننا بعد 11 عاما ننتقل إلى أمور أخرى"، في إشارة منه إلى لجنة حكومية عام 2008 دعت إلى "استيعاب معقول" طريقة لإدماج المهاجرين في كيبيك، ومع وجود غالبية في البرلمان لتمرير هذا القانون فإنه يمكن للإقليم أن يغلق هذا الفصل أخيرا.
وتقول دمورز: "أما بالنسبة لسارة، التي تعمل مع المجلس الوطني للمسلمين الكنديين، وتخرجت حديثا من جامعة كونكورديا في مونتريال في العلوم السياسية، فإن تمرير قانون 21 ليس نهاية القصة، وقالت إن ذلك يعد بداية لمعركة أكبر ضد هذا الإجراء الذي قالت إنه شبيه (بجعل الإسلاموفوبيا قانونية)، وهو شيء تعرفه جيدا كونها مسلمة ملونة محجبة واجهت العنصرية بشكل مباشر".
وتنوه الكاتبة إلى أن "سارة عددت الحوادث التي وقعت مؤخرا، حيث واجه مسلمون في كيبيك مضايقات وعنفا لأسباب عنصرية: زوجان مسلمان مسنان ضايقهما الجيران، وبيت تم تزيينه بمناسبة العيد، أطلقت عليه النار، وأحد المارة يحاول نزع النقاب عن امرأة مسلمة في وضح النهار، ومسلمة حرمت من التوظيف في شركة خاصة لأنها محجبة، وتوثيق هذه الأحداث كلها أمر شاق، خاصة أن وتيرتها تتزايد على مدى السنوات القليلة الأخيرة، وفي أكثر هذه الأفعال خطورة فتح مسلح النار داخل مسجد في كيبيك في كانون الثاني/ يناير 2017، فقتل ستة أشخاص وجرح 19 آخرين".
وتنقل المجلة عن سارة، قولها إنه تصلها شكوى حول حادث يعكس الإسلاموفوبيا كل عدة أيام، وبأنها شجعت ورافقت نساء مسلمات لتقديم شكاوى للشرطة حول تعرضهن للمضايقة، مشيرة إلى أنها أعربت قبل عدة أيام من تمرير القانون عن خوفها من أن تمريره سيعطي الضوء الأخضر للناس للتعبير عن آرائهم المعادية للمسلمين علنا أو أسوأ من ذلك.
وتقول دمورز: "قالت لي: (إذا بقيت صامتة تجاه أي نوع من الظلم، كبيرا أو صغيرا.. فهذا يعني أنه مقبول.. لكنه ليس مقبولا)".
وتفيد الكاتبة بأنه بعد صدور القانون بأقل من 24 ساعة قام المجلس الوطني للمسلمين الكنديين والاتحاد الكندي للحريات المدنية برفع قضية في المحكمة ضد تطبيق القانون، وقال محام يعمل للمنظمتين في 9 تموز/ يوليو إن الحكومة "تقنن لممارسة الدين".
وتشير دمورز إلى أن المنظمتين تسعيان للحصول على قرار من المحكمة يمنع تطبيق القانون، ويتوقع أن يحكم القاضي فيها هذا الشهر، مستدركة بأن كيبيك تتذرع بنص في ميثاق الحقوق والحريات الكندي يمنع أي شخص من تحدي القانون بناء على أرضية دستورية لمدة خمس سنوات، فمجال التحرك القانوني ضيق، فيما لا تزال العديد من الأسئلة حول القانون 21 تبقى دون إجابة، مثل كيف تنوي كيبيك فرض القانون وإن كانت الحكومة القومية في أوتاوا ستتدخل.
وتجد الكاتبة أن ذلك لم يمنع الناس من الإعراب عن غضبهم، حيث قام المئات بالتظاهر في 17 حزيران/ يونيو خارج مكتب ليغولت، وهي أول مظاهرة كبيرة منذ توقيع القانون، قبل ذلك بيوم، لافتة إلى أن الخطباء تحدثوا كيف يجعلهم هذا القانون يشعرون أنهم ليسوا كنديين حقا أو من كيبيك، وتعهدوا بالنضال ضد القانون.
وتختم دمورز مقالها بالإشارة إلى قول سارة إنه الوقت ليس وقت استسلام، وأضافت: "لا بأس من الدموع.. لا بأس أن نبكي، ولا بأس أن نحزن، لكن عندما تظلم وأنت تعيش في بلد تستطيع فيه رفع صوتك فإن الحزن والبكاء لا يكفيان.. حتى لو كنت وحيدا عليك أن تقوم بفعل.. فلا أحد سيقوم به لأجلك".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
الغارديان: الصمت على اضطهاد مسلمي الإيغور تواطؤ
نيويورك تايمز: لماذا تقوم الصين بإكراه الناس على الاندماج؟
الغارديان: بوريس جونسون يتهم الإسلام بالرجعية والتخلف