لم يمر إعلان الرئيس التونسي استئناف المفاوضات بين حكومة الشاهد واتحاد الشغل إثر اجتماع فجائي دعا له الفرقاء السياسيين، في مسعى لحلحلة الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، دون أن يخلف جدلا حول دوافعه وأهدافه.
ويأتي هذا الاجتماع في وقت بلغت فيه الأزمة بين الحكومة واتحاد الشغل ذروتها؛ إثر إقرار المنظمة النقابية الإضراب العام في 17 كانون الثاني/ يناير2019؛ احتجاجا على عدم إيفاء الحكومة بتعهداتها المتعلقة بالزيادة في الأجور.
وما زاد في حدة الأزمة الخصومة المعلنة بين السبسي من جهة ورئيس الحكومة من جهة أخرى، فضلا عن إعلان الرئيس منذ أشهر إنهاء التوافق بشكل رسمي مع شريكه في الحكم حركة النهضة، وانضمام نداء تونس لشق المعارضة.
وأقر السبسي صراحة خلال اجتماعه مع كل من رئيس الحكومة ورئيس حركة النهضة والأمين العام لاتحاد الشغل ورئيس منظمة الأعراف بتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وبدقة المرحلة التي تمر بها البلاد وخطورتها.
وأكّد على "ضرورة مواصلة الحوار بين كل الأطراف، على قاعدة تغليب المصلحة الوطنيّة، والترفّع عن الحسابات السياسيّة الضيقة، وإيجاد حلول جذريّة".
ويرى مراقبون أن السبسي الذي قيل عن انتهاء دوره سياسيا وحشره في الزاوية من قبل يوسف الشاهد، استطاع بهذا الاجتماع أن يستعيد زمام المبادرة، ويضع الائتلاف الحاكم تحت المساءلة، من خلال تحميله مسؤولية الأزمة الراهنة.
وفي هذا الإطار، ثمّن الناشط السياسي والقيادي السابق بنداء تونس مهدي عبد الجواد، في تصريح ل"عربي21"، دعوة الباجي الفرقاء السياسيين، وحثهم على استئناف المفاوضات الاجتماعية للخروج بحل توافقي.
وتابع: "حين اعتقد الكثيرون أن الباجي انتهى سياسيا، ها هو يستعيد المبادرة، ويُجمّع الفرقاء في قرطاج من جديد، مترفعا عن بعض الجراح الشخصية والخيانات التي واجهها من أقرب الناس إليه".
وذكّر عبد الجواد "بالدور المحوري الذي لعبه السبسي بقبوله التوافق مع خصمه الإيديولوجي حركة النهضة، حين كان مسار الانتقال الديمقراطي مهددا في 2012، بعد بلوغ الاحتقان السياسي والشعبي ذروته".
وشدد على أن الرئيس يبقى الضامن الوحيد لتطبيق الدستور ورمز الوحدة التونسية.
النهضة تثمن مبادرة السبسي
وكانت حركة النهضة قد ثمنت في بيان لها مبادرة الرئيس، مؤكدة على "دوره المحوري في إنجاح الانتقال الديمقراطي وحمايته من الانتكاس، وطمأنة التونسيين حول استعداد كل الفاعلين للبحث عن الحلول التوافقية التي تحفظ المصالح العليا للبلاد".
وجددت الحركة في البيان ذاته التزامها بنهج الحوار والتوافق مع رئيس الجمهورية في المرحلة القادمة.
وشددت على "دوره كرمز لوحدة الدولة، وكشريك رئيسي في رعاية النموذج الديمقراطي التونسي".
مبادرة فاشلة
مقابل ذلك، اعتبر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض غازي الشواشي، في تصريح ل"عربي21"، أن "رئيس الجمهورية الذي يحاول اليوم تجميع الفرقاء تناسى أنه جزء من الأزمة السياسية الراهنة التي تعيشها البلاد".
وتابع: "الكل يعلم أن هناك صراعا بين رأسي السلطة التنفيذية ممثلة في الشاهد والسبسي، وقطيعة معلنة بين رئيس الجمهورية وحركة النهضة، وهي عوامل ساهمت في رفع حدة الاحتقان الاجتماعي وزعزعة الاستقرار السياسي".
وأكد الشواشي أن الرئيس لا يملك الحلول، وغير قادر على إنجاح أي مبادرة عبر لعبه دور الوسيط طالما انخرط سابقا في الأزمة وكان أحد أسبابها.
وأوضح أن غياب نداء تونس عن طاولة المفاوضات الأخيرة رسالة مضمونة الوصول إلى الائتلاف الحكومي الجديد بضرورة تحمله لمسؤولية خياراته، وبأن نداء تونس الذي انسحب من الحكومة أصبح في حل من أي مسؤولية.
خطوة ضرورية
ووصف الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري خطوة رئيس الجمهورية في تجميع الأطراف الحكومية والنقابية على طاولة واحدة بالضرورية، لكنه شدد بالمقابل على أن هاته الدعوة لا ترتقي لمستوى المبادرة.
وأضاف لـ"عربي21": "المبادرات انتهت بعد فشل وثيقة "قرطاج 1" ثم "قرطاج 2 "، لكن بحال كان للسبسي تأثير معنوي لدفع الحكومة نحو حلحلة الأزمة واستئناف المفاوضات فنحن نرحب بذلك".
وأكد الطاهري أن الاتحاد ماض في التعبئة العامة، ودعوة منخرطيه لإنجاح الإضراب العام بالقطاع الحكومي والوظيفية العمومية، المقرر في 17 كانون الثاني/ يناير القادم.
ماذا وراء الدعم السعودي لتونس.. هل يعمّق الانقسام الداخلي؟
القطيعة بين النهضة والنداء الحدث السياسي الأبرز في تونس 2018
عفو رئاسي خاص عن قيادي من "نداء تونس" يثير جدلا