عنوان المقال هو تصريح مسعود أوزيل لاعب منتخب ألمانيا لكرة القدم ذي
الأصول التركية. تصريح اللاعب الألماني يعكس وضعا غير طبيعي يسود معظم الدول
الأوروبية التي تعيش فيها أقليات كثيرة وأجناس مختلفة. هذا الوضع يقر في العلن
بالتعددية واحترام الأقليات والمهاجرين والأجناس والديانات المختلفة أما في الباطن
فنلاحظ العنصرية والتمييز والفصل وغير ذلك من تصرفات بعيدة كل البعد عن الادعاءات
والتصريحات الجوفاء.
يقول أوزيل "في نظر جريندل رئيس الاتحاد ومسانديه، أنا ألماني
حين نفوز لكن حين نخسر، أنا مهاجر، رغم دفع الضرائب في ألمانيا، رغم تبرعي للمدارس
وتحقيق كأس العالم 2014 ما زلتُ غير مقبول في المجتمع وأُعامل بطريقة مختلفة".
ألمانيا ودول أوروبية أخرى تدعي المساواة والعدالة والتعامل مع الجميع
بنفس القوانين والمعايير والمساواة، وإدماج الأقليات والمهاجرين بدون فصل ولا
تمييز، غير أن الواقع يعكس غير ذلك تماما.
مسعود أوزيل الألماني ذو الأصول التركية أعلن اعتزاله اللعب دوليا
بعد أن وُجهت له عدة انتقادات من الصحافة والرأي العام الألماني ومن رئيس الاتحاد
الألماني لكرة القدم ورئيس فريق بايرن ميونيخ.
الانتقادات جاءت بعد الأداء المخيب للمنتخب الألماني في كأس العالم
وقبل ذلك عندما قابل أوزيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فأين هو المشكل إذا زار
أوزيل الرئيس التركي؟ وإذا كانت ألمانيا وقادتها وشعبها تؤمن بحرية الرأي والمعتقد
والدين والفكر لماذا لا يأخذ أوزيل صورة مع أردوغان؟ أما بالنسبة للأداء فوق
الملعب فحسب الألمان أوزيل كان رائعا في 2014 عندما فازت ألمانيا بكأس العالم شيء
جميل وأوزيل ألماني مائة بالمائة ورائع ومن أحسن اللاعبين في العالم.
في 2018 أصبح أوزيل ذا أصول تركية وأنه لا يستحق مكانه في المنتخب
الألماني. وهنا تتجلى العنصرية المتوغلة في الأنا الألماني، يجب على الدول الغربية
الاعتراف بهذه التناقضات المتجذرة في المخيال الجماعي لشعوبها. فالتغني بالإدماج
وبحرية المعتقد والدين وغير ذلك شعارات فارغة كشفتها التصرفات المختلفة إزاء
المواقف العدائية للحجاب والأذان وغير ذلك. وقال أوزيل في بيان نشره في حسابه
الرسمي في تويتر: «بالنسبة لي التقاط صورة مع الرئيس أردوغان لا يمت للسياسة أو
الانتخابات بصلة بل لها علاقة باحترام أعلى منصب في بلد عائلتي، وظيفتي هي لاعب
كرة قدم ولست سياسيا. اجتماعنا لم يكن دعما لأي سياسات". وأضاف: «المعاملة
التي تلقيتها من الاتحاد الألماني وآخرين جعلتني لا أرغب في ارتداء قميص ألمانيا،
أشعر أنني غير مرغوب في واعتقد أن كل ما حققته منذ مشاركتي الأولى مع المنتخب في
2009 تم نسيانه، الأشخاص أصحاب الخلفية العنصرية لا يجب السماح لهم بالعمل في أكبر
اتحاد كرة قدم في العالم يوجد به لاعبون من أصول مزدوجة، نهجهم لا يمثل وببساطة
انعكاسا للاعبين المفترض أنهم يمثلونهم». وتابع: «بحزن بالغ وبعد فترة تفكير طويلة
بسبب الأحداث الأخيرة لن ألعب مع ألمانيا على المستوى الدولي مرة أخرى بسبب شعوري
بإهانة عنصرية وعدم احترام»، واستطرد: «اعتدت ارتداء قميص ألمانيا بفخر وحماس لكن
لا أشعر بذلك الآن».
وخاض أوزيل 92 مباراة دولية مع ألمانيا وسجل 23 هدفا. ويأتي بيان أوزيل
وسط حراك سياسي كبير حول تدفق المهاجرين إلى ألمانيا وصعود اليمين المتطرف على
حساب الأحزاب التقليدية، وأضاف أوزيل: «هل لأنها تركيا؟ هل لأنني مسلم؟ اعتقد أن
هنا تكمن المشكلة الأساسية».
وأبدت الجماهير ومجموعة من السياسيين الألمان غضبهم من الصورة مع أردوغان
وتعرضت لانتقادات من سياسيين والاتحاد الألماني للعبة الذي أعلن أن الرئيس التركي
لا يحترم القيم الألمانية بما يكفي، وكان راينهارد جريندل رئيس الاتحاد الألماني
ألقى باللوم على أوزيل في أداء ألمانيا السيئ في كأس العالم، وتابع أوزيل: «في
أعين جريندل ومسانديه فأنا ألماني عندما نفوز ومهاجر عندما نخسر».
فأنت
مواطن مثل غيرك يعتبرك النظام واحدا من الشعب إذا كنت ناجحا متألقا واندمجت في
المجتمع، أما إذا كنت من أولئك المهاجرين الذين لم يساعدهم الحظ في تعليم وتأهيل
في مستوى متطلبات المجتمع، فحتى وأنك تحمل جواز سفر البلد والجنسية فالتعامل معك
سيكون على أساس بلدك الأصلي وليس موطنك الحالي، فتصبح فلانا ذا الأصول الجزائرية
أو التركية أو المغربية...الخ. فالمهاجرون الذين يقطنون في الضواحي والأحياء
العشوائية يشار إليهم ببلدان آبائهم وأجدادهم وأصولهم وليس كفرنسيين أو ألمان أو
بلجيكيين أو هولنديين رغم أنهم ولدوا وعاشوا وترعرعوا في البلد الذي يحملون جواز
سفره.
يقر سياسيون وبعض وسائل الإعلام المنتقدة لخطوة أوزيل بأن ألمانيا
تعاني من مشكلة العنصرية وأن القضية ليست عرضية على الإطلاق أو استثناء، لأن
اللاعب الألماني التركي الأصل يشكل مثالا للاندماج، وتأتي مغادرته المنتخب
الألماني في وقت يشهد صعودا غير مسبوق لليمين المتطرف منذ1945 عن طريق "حزب
البديل من أجل ألمانيا".
وما حدث لأوزيل في ألمانيا واجهه بن زيمة اللاعب الفرنسي ذي الأصول
الجزائرية مع المدرب ديديي ديشامب والمنتخب الفرنسي.
ترى وزيرة العدل الألمانية كاتارينا بارلي أن القضية تشكل
"ناقوس خطر عندما يشعر لاعب ألماني كبير مثل أوزيل أنه لم يعد ينتمي إلى
بلاده بسبب العنصرية، كما نددت صحيفة "تاغ شبيغل" الصادرة في برلين بـ "الأجواء
الشعبوية في البلاد" واعتبرت أن "رحيل مسعود أوزيل هو قطيعة رياضية
وسياسية واجتماعية. إن الأمر يتخطى، مستقبل المنتخب الألماني". كما قال رئيس
مجلس الجالية التركية في ألمانيا غوكاي صوفو أوغلو إن "تعددية" المنتخب
الألماني باتت مهددة بعد أن كانت مثالاً يحتذى به".
أوزيل يعتز بكونه مسلما ومن أصول تركية وهذا لا يروق لفئات عديدة في
المجتمع الألماني، وهو يتعرض منذ سنتين لحملة يشنها "حزب البديل من أجل
ألمانيا". وقد صرحت المسؤولة في الحزب أليس فيدل أن أوزيل يشكل "أبرز
مثال على فشل اندماج القادمين من العالم التركي الإسلامي".
قضية مسعود أوزيل تعري واقعا مليئا بالنفاق والتناقضات حيث إن شعارات
أوروبا شيء وواقعها اليومي شيء آخر.
عن صحيفة الشرق القطرية