سياسة عربية

حالات الانتحار في تزايد مستمر بمصر.. وهذه أبرز دوافعها

صورة للمهندس الذي انتحر مع زوجته تناقلها نشطاء على مواقع التواصل- تويتر

كشف مشهدان مأساويان حجم المشكلات الاجتماعية في مصر مع تردي الأوضاع الاقتصادية، فقد ترك مصري طفلتيه الرضيعتين أمام إحدى المستشفيات لمصيرهن المجهول، فيما أقدم رجل آخر وزوجته على الانتحار بسبب وضعهما المعيشي. 


وتلخص المشهد الأول، بأن مصريا قرر أن يترك طفلتيه الرضيعتين البالغتين من العمر 8 أشهر أمام مستشفى الأطفال بالمنصورة (وسط الدلتا)، لمصيرهن المجهول.


أما المشهد الثاني، فهو لانتحار مهندس شاب بإلقاء نفسه من الطابق السادس بمنطقة المريوطية بالجيزة، الأسبوع الماضي، لتتبعه زوجته الطبيبة بعدها بلحظات، ليكتشف الجميع أن المهندس الشاب كان بلا عمل ولجأ لبيع الخضار لينفق على زوجته.

 

اقرأ أيضا: بعد ساعات من تأدية السيسي اليمين.. رفع أسعار مياه الشرب

انتحار المهندس والطبيبة أرجعه الكاتب خالد الأصور، للوضع الاقتصادي الذي يعيشه المصريون، قائلا: "أهله طفحوا الكوتة وعلموه علشان يبقى (باشمهندس) وعلشان مفيش شغل، محمد اشتغل بياع خضار".


وأضاف الأصور، عبر صفحته بـ"فيسبوك": "لا يحدثني أحد عن حرمة الانتحار؛ محمد كان متدين وملتحي، وميار كانت متدينة ومنقبة، أنت لا تعرف كم من الضغوط النفسية والمعيشية قادتهما لهذا المصير".



وزادت الأيام الأخيرة وبشكل ملحوظ أخبار انتحار المصريين وخاصة الشباب منهم؛ وأمس الأحد، انتحرت فتاة ببني سويف، وطالب بكفر الشيخ. والجمعة الماضي، انتحر نقاش بكفر الشيخ، وعامل نظافة ببني سويف.

وفي شهر أيار/ مايو المنصرم شهدت مصر انتحار عشرة أشخاص إضافة إلى قصة انتحار رجل أعمال في التجمع الخامس وقتل أولاده التي ما زالت تشغل الرأي العام، فيما تم إنقاذ شاب قبل الانتحار غرقا بالمنصورة.


وحول معدلات الانتحار في 2015، أكدت منظمة الصحة العالمية وقوع مصر بالمرتبة 96 عالميا، ورصدت المنظمة، والمركز القومي للسموم، أن عدد المنتحرين سنويا تجاوز 4250 منتحرا أغلبهم بين الثلاثين والأربعين.


وفي نيسان/أبريل 2016، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن معدلات الانتحار بمصر بلغت 4200 حالة سنويا، في ظل انتشار الفقر والبطالة ووجود نحو 45 بالمئة من المصريين تحت خط الفقر.


ورغم أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء رصد زيادة كبيرة بأعداد المنتحرين وأنها قفزت من 1160 حالة في 2005، إلى نحو 5000 في 2015، أكدت وزارة الداخلية أن معدلات الانتحار الموثقة رسميا لم تتجاوز حاجز 310 حالات سنويا، وسط انتقادات حقوقية بعدم شفافية الأرقام والتعتيم وغياب الشفافية وضعف حرية تداول المعلومات بمصر.


الكاتب الصحفي عماد عنان، أرجع في مقال له ظاهرة الانتحار بمصر لما تعيشه من "قمع سياسي، وتراجع اقتصادي، وانتهاك حقوقي، وترد أمني، وتخاذل داخلي وخارجي، إذ يقبع الشباب المصري ملتحفا بثياب اليأس من غد أفضل".


وأشار إلى دور القهر السياسي، في الظاهرة، قائلا: "القهر السياسي، وسياسات القمع وتضييق الخناق على الحريات، والظلم وغياب العدالة، والتي تعاني منها مصر السنوات الأخيرة وحدها كفيلة بأن تدفع الشباب دفعا وبقوة إلى اختيار الموت، لاسيما بعد حالة اليأس والإحباط".

 

وتحدث عنان، عن انتحار الناشطة السياسية الشابة زينب المهدي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، معتبرا أنه نتيجة للقهر السياسي الذي تعرض لها شباب مصر الثورة عقب وأد التجربة الديمقراطية في 2013 والانقلاب العسكري وقتل الأبرياء.


‏من جانبه، أكد الاستشاري النفسي والتربوي والاجتماعي الدكتور محمد الحسيني، أن "أعلى معدلات انتحار على مستوى العالم مسجلة بسبب الشعور بالإحباط والباقي لأمور أخرى".


وأشار إلى أن حالة انتحار المهندس والطبيبة بسبب ما تعرضا له من يأس وإحباط لمعاملات متدنية أدت لكسر في الآمال والأحلام لديهما، موضحا أن "هذه الأمور قد تقود للتفكير في الانتحار"، مشيرا إلى أن معدلات الإحباط في مصر عالية جدا.

 

اقرأ أيضا: السيسي يؤدي اليمين لولاية ثانية أمام مجلس النواب (شاهد)

من جهته، قال أستاذ علم النفس لـ"عربي21"، إن "الانتحار ليس خطوة وقتية أو أمرا مفاجئا؛ ولكن يخطط له بالدماغ فترة من الزمن مصحوبا بحوارات محبطة مع النفس عن المستقبل، بجانب بعض الاضطرابات النفسية وخاصة مع المسؤولية التي يشعر بها كثير من الشخصيات بمتطلبات البيت والإيجار وأمور المعيشة والإنفاق وما يترتب عليها من عجز و إهانة شديدة وجميعها مبعثها الإحباط الذي يؤدي للانتحار".


وحول مدى تحميل الوضع الاقتصادي مسؤولية دفع الأفراد للتخلص من حياتهم، أكد الأكاديمي المصري، أن "الوضع الاقتصادي لو تحدثنا بموضوعية ومهنية تامة؛ فإنه ليس السبب الأعظم لهذا الأمر"، مضيفا أن "البيئة الإجمالية في مصر غير مناسبة والوضع الاقتصادي جزء منها".


وتحدث الحسيني، عن دور التاريخ النفسي التراكمي الذي تبنى عليه نفسية الإنسان كان يبدأ الأمر برفع أعلى مستوى من السعادة والشعور بالحرية مثلما حدث مع معتصمي رابعة العدوية، ثم سحب البساط مرة واحدة ما يسبب السقوط الذي ينتج عنه يأس نهائي يقود للانتحار أو لتحد شديد يساعد على الصمود أو حالة لامبالاة قريبة من الموت.