في اجتماع شبابي نقلته الفضائيات حضره الجنرال
المصري، قال مسؤول بارز في إحدى الجمعيات الخيرية ينتمي مسبقا للمؤسسة العسكرية، إنه لا يوجد فقراء بمصر، في حلقة جديدة من مزاعم الإنجازات التي تكلفت الأجهزة الرسمية بصنعها، ومنها الزعم بتراجع البطالة والتضخم وزيادة معدلات النمو.
ويقتصر حساب معدلات
الفقر بمصر على جهاز الإحصاء التابع للحكومة، من خلال مسح للدخل والإنفاق كل عامين، لحوالي 24 ألف أسرة في أنحاء المحافظات، وكانت المرة الأخيرة لتلك البيانات هي الخاصة بعام 2015، والتي أشارت لبلوغ نسبة الفقر 27.8 في المئة من السكان.
ورغم أنها أشارت لارتفاع نسبة الفقر إلى 57 في المئة من سكان ريف الوجه القبلي بمحافظاته التسعة، وبلوغ نسبته 66 في المئة من سكان محافظتي أسيوط وسوهاج و58 في المئة من سكان محافظة قنا، إلا أن تلك البيانات لم تجد قبولا، سواء من قبل الخبراء أو من العوام، حيث اتخذت معيار خط الفقر بنحو 482 جنيها شهريا، بحيث اعتبرت البيانات أن من يصل دخله الشهري أكثر من ذلك ولو بجنيه واحد فهو خارج دائرة الفقر، رغم أن هذا المبلغ لا يكفى لتغطية الاحتياجات الغذائية الأساسية للفرد، بينما جعلت البيانات الرسمية هذا المبلغ كافيا لتغطية احتياجات الفرد من الطعام والشراب والملابس والسكن والمواصلات والاتصالات والتعليم والصحة.
ومن هنا، فقد رأى غالبية الخبراء أن معدلات الفقر الحقيقية تزيد كثيرا عن النسب الرسمية المعلنة. وإذا كانت البيانات قد تم إعلانها في أواخر تموز/ يوليو 2016 فقد تجاوزها الواقع المعيشي بشكل واضح بعد ثلاثة أشهر فقط، حين تم تعويم الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، إلى جانب زيادة أسعار الكهرباء والوقود، وفرض ضرائب جديدة وزيادة رسوم حكومية.
فقد أعقب التعويم للجنيه موجة غلاء حادة، شملت السلغ الغذائية والمستوردة والملابس والمواصلات والاتصالات وغيرها، مما أدخل شرائح جديدة من المصريين ضمن دائرة الفقر.
خط فقر غير واقعي
ومع التعويم لم يعد خط الفقر البالغ 482 جنيه صالحا لحساب معدل الفقر، خاصة أنه أصبح يعادل حوالى 0.9 من الدولار للفرد يوميا، بينما اعتبر البنك الدولي، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2015، خط الفقر عند 1.9 دولار للفرد يوميا.
ورغم إجراءات الحماية الاجتماعية في حزيران/ يونيو 2017، أي بعد ثمانية أشهر من الإجراءات الاقتصادية، فإن تلك الإجراءات تمثل وسائل تخفيف لأثر الإجراءات الاقتصادية وليست وسائل لمعالجة الفقر، حين تم منح علاوتين استثنائيتين بنسب تراوحت ما بين 14 في المئة إلى 20 في المئة من الأجر الأساسي، وزيادة المعاشات 15 في المئة بحد أقصى، بينما كان التضخم قد بلغ نسبة 35 في المئة رسميا، وهو المعدل الذي لم يحظ بمصداقية من جانب الجمهور، مع تضاعف الأسعار لمرة ومرتين لغالبية السلع.
وإذا كان عدد الفقراء بمصر، حسب معدل عام 2015، يصل حاليا إلى 27 مليون فرد، موزعين على ستة ملايين و738 ألف أسرة، فإن البرامج الحكومية للحماية الاجتماعية لا تصل لنصف هؤلاء، حيث بلغ عدد الأسر المستفيدة من برنامج تكافل وكرامة، والذي يوفر مساعدات مالية شهرية زهيدة، 2.28 مليون أسرة تضم عشرة ملايين فرد، وبلغ عدد الأطفال المستفيدين من معاش الطفل 60 ألف طفل فقط.
برامج اجتماعية محدودة الانتشار
وتقوم وزارة التضامن الإجتماعى بأربعة برامج أخرى، هي سكن كريم الذي يقوم بالإمداد بمياه الشرب أو وصلة الصرف الصحي أو ترميم الأسقف لبيوت الأسر الفقيرة، وقرض مستورة للمرأة لعمل مشروعات متناهية الصغر، وبرنامج فرصة لتدريب الشباب ومنحهم قروضا، وبرنامج "اثنين كفاية" لتقليل الإنجاب، لكنها محدودة الانتشار الجغرافي وقليلة المبالغ المرصودة لها، رغم تعاون صندوق تحيا مصر في تمويل بعض تلك البرامج، حيث استفادت نحو عشرة آلاف حالة مثلا فقط من قرض مستورة.
وكان من المقرر أن يبدأ جهاز الإحصاء المسح الدوري للدخل والإنفاق بداية كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، لكنه أجله لبداية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ليستمر المسح عاما كاملا حتى نهاية أيلول/ سبتمبر من العام الحالي، ثم يتطلب الأمر عدة شهور قبل الإعلان عن النتائج.
وهكذا، فلن يتم إعلان بيانات الفقر بمصر قبل الربع الأول من العام القادم 2019، خاصة أن ظهور معدلات الفقر المرتفعة ينسف دعاوى الإنجازات التي يتغنى بها النظام الحاكم، لتظل الجهات الرسمية تستخدم مؤشرات عام 2015 للفقر، والتي تتحدث عن نسبة 27.8 في المئة، وخط فقر 482 جنيها للدخل الشهري، بينما يصل خط الفقر حسب البنك الدولي إلى 1025 جنيه شهريا للفرد، وهو ما يعني حسب الخبراء ارتفاع نسبة الفقر لأكثر من ثلث السكان بكثير.