قضايا وآراء

هل تعيد تركيا اللاجئين إلى بلدانهم بعد الانتخابات؟

1300x600

أعلنت رئيسة حزب الخير القومي ومرشحة الرئاسة للانتخابات التركية ميرال أكتشنار يوم الأحد الماضي، خلال خطاب جماهيري في مدينة مرسين جنوبي تركيا، أنه في حال فوزها في الانتخابات الرئاسية فإن اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا سيفطرون أول يوم من شهر رمضان عام 2019 في وطنهم.


وعد انتخابي ليس دخيلا على التجاذبات السياسية التي تعيشها تركيا منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، وخصوصا الثورة في سوريا وما نتج عنها من نزوح أكثر من 3.5 مليون مواطن سوري إلى تركيا، في ظل سياسة الأبواب المفتوحة التي اتبعتها حكومة العدالة والتنمية أمام العائلات السورية المهجرة بأن وفرت لهم السكن والمعيشة، حتى وصل الأمر إلى منح الجنسيات التركية لما أسمتها الحكومة الكفاءات السورية خلال العالم الماضي، بدلا من هجرتهم إلى أوروبا.


وخلال السنوات الماضية كان ملف اللاجئين مثار نقاش وجدل بين الحكومة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جهة والمعارضة التركية من جهة أخرى، التي اتهمت أردوغان بأنه كان سببا في نزوح السوريين بسبب دعمه للثورة السورية وحق الشعب السوري بالحرية.في مقابل ذلك رفع أردوغان شعار (المهاجرين والأنصار) تعبيرا عن سياسة الباب المفتوح.


وبالرغم من الخدمات الكبيرة التي قدمتها تركيا لهم إلا أن حالة الارتباك التي أصابت مؤسسات الدولة عام 2012 بسبب وصول مئات آلاف اللاجئين في وقت قياسي، وعدم وجود نظام إداري كاف لاستيعابهم، فقد تعرض المجتمع المحلي التركي وخصوصا في مدن الجنوب على الحدود من سوريا إلى تغيرات سريعة خصوصا في مجال الاجتماعي والاقتصادي، فمدينة مثل مدينة كليسفاق فيها عدد اللاجئين السوريين عدد سكانها الأصليين من الأتراك البالغ عدد أكثر من 112 ألفا.


هذه الظروف أنتجت ردة فعل في الشارع التركي تتسائل عن مستقبل وجود السوريين وعن جدوى وجودهم بالنسبة للمواطن التركي، خصوصا في ظل استغلال المعارضة العلمانية والقومية لملف اللاجئين للضغط على الحكومة. حتى وصل الأمر إلى تحريض رئيس أكبر حزب معارض في البلاد كمال كليجدار أوغلو الفلاحين الأتراك خلال لقاء شعبي في مدينة "أوردو" العام الماضي،بأن أردوغان يصرف مليارات على اللاجئين ويترك الفلاحين بدون دعم.


وشهدت تركيا أربع مناسبات انتخابية منذ وصول اللاجئين، اختبرت شعبية العدالة والتنمية، كان أولها في شهر أغسطس/ آب عام 2014، عندما استطاع أردوغان الظفر بمنصب رئيس الجمهورية المنتخب لأول مرة. وكانت المناسبة الثانية في حزيران عام 2015 التي لم يحصل فيها العدالة والتنمية على الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة لتعاد الانتخابات بعد ثلاثة شهور ويكتسح في الانتخابات بنتائج كبيرة.


وكانت التعديلات الدستورية في عام 2017 التي طرحت اختبارا آخر لخيارات وسياسة العدالة والتنمية، وعلى الرغم من محاولة المعارضة في حينه استغلال موضوع اللاجئين ضد الحكومة إلا أن ذلك لم يؤثر على قرار الناخب التركي.


وتُعقد الانتخابات المبكرة لتكون نقطة تحول بين مسارين في تاريخ تركيا الحديث وسط حالة استقطاب عالية، دفعت الأطراف المتنافسة إلى تشكيل تحالفات انتخابية لأول مرة منذ سنوات طويلة.


إلى جانب عدد من الملفات الداخلية والخارجية يحوز ملف اللاجئين على قدر كبير من الأهمية في هذه الانتخابات، إذ يتمسك الحزب الحاكم بسياسته المفتوحة تجاه موضوع اللاجئين، ويعتبر أن ما تقدمه تركيا لهم بمثابة واجب إنساني واخلاقي، وينبع من الدور الإقليمي والعالمي لتركيا.


وفي حال فوز العدالة والتنمية كما تشير المعطيات الآنية، فإن سياسة الدولة تجاه اللاجئين لن تتغير كثيرا، وحتى لو تحفظت نوعا ما في موضوع منح الجنسيات، أو استقبال عدد جديد من اللاجئين مراعاة لموقف الشريك الحليف في تحالف الشعب حزب الحركة القومية الذي يتخذ مواقف متشدد نوعا ما تجاه الجانب واللاجئين.


وسيحاول العدالة والتنمية مأسسة سياسته تجاه اللاجئين باعتبارها سياسة الدول الكبرى والقوية القادرة على تقديم الدعم السياسي والانساني لمن يحتاج ذلك، في إشارة إلى طموح أردوغان بدخول نادي الكبار في العالم.


لكن في حال فوز المعارضة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فإن الموقف من اللاجئين سيكون مغايرا تماما، وذلك وفقا للوعود الانتخابية والمواقف التي عبر عنها قيادات المعارضة التركية منذ عام 2012، والتي ترفض استقبال اللاجئين ودعم الثورة السورية، وتعتبر أن النظام السوري هو صاحب الشرعية، لذلك وجب المحافظة على العلاقات معه.


صحيح أن تنفيذ الوعود الانتخابية ليس سهلا، والانتقال من المعارضة للحكم سيغير الكثير من القناعات، إلاأن التنبؤ بما سيكون عليه الحال في ملف اللاجئين ليس سهلا، لكن الأكيد أن اللاجئ الموجود في تركيا لن يكون سعيدا بالقرارات التي ستتخذ في حينه، والتي يمكن أن تدفع مئات آلاف اللاجئين بالتفكير بالهجرة نحو أوروبا أو دول أخرى في ظل حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تعيشها دول الجوار خصوصا سوريا والعراق.