قضايا وآراء

لماذا أفشل جنيف 8؟

1300x600
عول كثير من المراقبين للشأن السوري على جولة "جنيف 8" الأخيرة، كونها تأتي بعيد تثبيت وقف إطلاق النار إلى حد كبير وبعيد إنهاء تنظيم الدولة الإسلامية كقوة عسكرية فاعلة.

لكن بدا واضحا مع رفض النظام إرسال وفده إلى جنيف بداية المحادثات، ورفضه التفاوض قبل تراجع المعارضة عن مخرجات "الرياض 2"، أن ثمة مخطط روسي ـ سوري لمنع حصول أي اختراق في هذه الجولة لأسباب عدة:

1ـ سبب سوري متعلق برغبة النظام وضع قواعد عمل تفاوضية قبيل الدخول في مناقشة السلال التفاوضية، وتقوم هذه القواعد على مبدأين: الأول تحييد الأمم المتحدة كمرجعية للحل السياسي للأزمة السورية والإبقاء عليها كوسيط محايد.

بعبارة أخرى يجب إبعاد مسألة الحق والشرعية في صراع المفاوضات التي يجب أن تخضع لمعايير القوة فقط.

والمبدأ الثاني مرتبط بميزان القوة، أي أن الإطار الناظم للمفاوضات يجب أن يأخذ بالاعتبار القوى المتواجدة على الأرض، وبالتالي لا يمكن طرح نقاط تفاوضية لا تستقيم مع الواقع القائم (مصير الأسد، الانتقال السياسي).

كان تصريح بشار الجعفري بهذا الشأن واضحا حين دعا المعارضة إلى قراءة الوقائع على الأرض.

2ـ سبب روسي مرتبط برغبة صناع القرار في الكرملين عدم حدوث أية تقدم في مفاوضات جنيف الأخيرة قبيل عقد "مؤتمر الحوار الوطني" السوري في سوتشي.

ويبدو أن الروس عازمين على إحداث اختراق سياسي ما، ولن يكون هذا الاختراق بطبيعة الحال في جنيف كي لا يحسب على الأمم المتحدة، وإنما يجب أن يكون في سوتشي كي يحسب على روسيا.

تحاول موسكو إيصال رسائل للغرب بأنها وحدها القادرة على تحصيل تنازلات من النظام، وبالتالي الأقدر على ترتيب مستلزمات السلام السوري.

النقطة المهمة بالنسبة لروسيا هي أن دي ميستورا يحاول من خلال سلة الدستور بلورة تصور واضح لشكل الحكم المقبل، ولا بد من قطع الطريق عليه.

بعبارة أخرى، إن الاتفاق على سلة الدستور في إطارها العام تعني بالضرورة الاتفاق على جزء من المبادئ العامة، فلا يمكن إعادة صياغة الدستور والانتخابات بمعزل عن المبادئ العليا للانتقال السياسي، وهذه خطوة تكتيكية مهمة تساعد وتسرع في الوصول إلى تفاهمات، فعلى سبيل المثال، سيتضمن الدستور الجديد بطبيعة الحال المبادئ العامة لشكل نظام الحكم وآلية الإصلاح السياسي والإداري، شرط أن تنشأ بعد مرحلة كتابة الدستور الجديد بيئة محايدة تقود إلى انتخابات حرة ونزيهة. 

من هنا يجتهد الروس على أن يحدث الاختراق في سلة الدستور بمؤتمر سوتشي عبر وضع أسس دستورية وإجراءات تنفيذية للتسوية تنتهي بتشكيل حكومة مؤقتة لفترة انتقالية.

وقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمام مجلس الاتحاد الروسي، أن على جدول أعمال مؤتمر "الحوار السوري" وضع دستور جديد والتحضير لانتخابات عامة.

ومن شأن ذلك أن يجعل من سوتشي بمثابة استانا 2، أي أن مخرجات مؤتمر سوتشي ستكون مرجعية أو  خطة طريق في جنيف كما تحولت مخرجات استانا إلى مرجعية في مفاوضات جنيف.

المقاربة الروسية لا تلقى اعتراضا أمريكيا، ويبدو واضحا أن واشنطن تترك للروس المضي قدما في مخططاتهم، فالبوابة الروسية قادرة على تحصيل تنازلات مهمة من كل الأطراف بما فيها المعارضة.

بالنسبة لواشنطن لا ضير من تحصيل تنازلات من قبل النظام مهما كانت ضئيلة في هذه المرحلة، ولا ضير من توسيع دائرة الحضور التفاوضي السوري وإشراك قوى جديدة كحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي حليف الولايات المتحدة الأول في سوريا.

ومن شأن حضور "الاتحاد الديمقراطي" في سوتشي أن يكون مقدمة لإشراكه في جنيف لاحقا.

ولا ضير للولايات المتحدة من ترويض المعارضة للقبول بالأسد خلال مرحلة التغيير السياسي.

وما نقلته مجلة "نيويوركر" عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين يبدو صحيحا، من أن إدارة ترامب مستعدة لقبول حكم الأسد حتى الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2021.

لكن الروس يدركون جيدا أن الضوء الأخضر الأمريكي مشروط بحصول تقدم حقيقي يمهد الطريق أمام التسوية الكبرى وإجراء انتخابات تحت إشراف دولي، ولو بعد حين، والولايات المتحدة قادرة على عرقلة الجهود الروسية.

بالنسبة لموسكو، فإن الإصلاح السياسي لا يجب أن يقوض هيمنة النظام، لكن لا يمنحه القوة الكافية للاستمرار في بسط هيمنته، فهي تعتقد أن تحقيق حكم ديمقراطي من نوعا ما ينسجم مع البيئة السورية.

أما الولايات المتحدة، فهي وإن كانت تتفق مع الرؤية الروسية، إلا أنها تعتقد أن المسار الإصلاحي الطويل والشائك لا بد أن ينتهي بانتخابات حرة.