يرى الفريق الفلسطيني المؤيد لما يسمى عملية سلام الشرق الأوسط أنها قد تعرضت لضربة قاسية بعد إعلان ترامب المشؤوم بأن القدس عاصمة الكيان الإسرائيلي وبأن سقوط أحد أركانها وهو الوساطة الأمريكية غير النزيهة والمنحازة تماما لإسرائيل، لا يعني أنها سقطت كليا كما يدعي أنصار مشروع المقاومة في فلسطين والعالم بل هي عالقة جديا لحين إيجاد بديل عن الوساطة الأمريكية، ويسوقون نتيجة التصويت في مجلس الأمن 14 مقابل 1 كدليل على الالتفاف الدولي وتماسك عملية السلام، ولكن الغريب واللافت للنظر هو إصرار إدارة ترامب على ان هذه العملية ما زالت "حية ترزق" وبأنها معلقة مؤقتا لحين امتصاص الغضب الفلسطيني والعربي المضمون بحسب تقديرات هذه الإدارة.
ترفض الإدارة الأمريكية الإقرار بأنها وجهت ضربة قاسية على الأقل إن لم تكن مميتة لعملية السلام بل تعتقد أن قرار ترامب سيدعمها كما عادت وشجعت السعوديين كما جاء في يديعوت أحرنوت 17/12/2017 للضغط على السيد ابو مازن للاستجابة والعودة للعملية السلمية كما نفت مزاعم دبلوماسيين اوروبيين لهآرتس 16_12 بأن العملية عالقة وقد أمعنت الإدارة في سياستها باعتبارها حائط البراق تحت السيادة الامريكية وبزيارة نائب الرئيس له قريبا.
فما هي أسباب هذا الإصرار؟ من الممكن أن يكون أحد التفسيرات لذلك هو ما أكده مراقبون إسرائيليون مثل حامي شيلو في هآرتس 15_12 بأن ترامب لا يفكر بطريقة منطقية ومعقولة ،فعلى سبيل المثال فقد برر ترامب انسحابه من اتفاقية باريس اعتباره أن فكرة مسؤولية الإنسان عن ارتفاع درجة حرارة الأرض والتي يتبناها أكثر من 90% من العلماء المعبرين هي بدعة او مؤامرة صينية على الاقتصاد الامريكي ، لينسجم بذلك مع حلفاءه من اليمين الأمريكي الشعبوي ، إضافة إلى ذلك فقد خالف ترامب إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل موقف كبار الخبراء والمختصين في إدارته كوزير الدفاع والخارجية ولم يعبأ بالتحذيرات حول التداعيات الخطيرة للإعلان على مصالح أمريكا في المنطقة.
قد يكون إصرار طاقم ترامب بان العملية معلقة لفترة محددة وليست عالقة بشكل جدي ناتج أيضا عن مبالغته في قدرة الحلفاء العرب وخاصة السعودية بالتأثير والضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس من اجل إقناعه للعودة إلى طاولة المفاوضات على أساس قواعد العملية السلمية القديمة وكأن إعلان ترامب لم يكن أو مع بعض التحسينات الشكلية، وطاقم ترامب بهذا التقدير يستهين إلى حد كبير بمكانة القدس في عقول وقلوب الفلسطينيين والعرب والمسلمين وباعتقاده بأنهم سيضطرون كما جرت العادة سابقا، للتأقلم مع الموقف الأمريكي الجديد قد يكون العامل الأكثر تأثيرا لإصرار ترامب على موقفه أنه لا يريد ان يظهر بمظهر الخاسر الذي ضحى بمصلحة أمريكية وإسرائيلية كبيرة وهي "عملية سلام طويلة ومستمرة دون نتائج" مقابل تحقيق مصلحة إسرائيلية غير ملحة، ولا تلقى الإجماع السياسي الحقيقي في إسرائيل، والاهم تحقيق مصلحة لإرضاء قوى أمريكية داخلية على رأسها الإنجليون واللوبي المؤيد لإسرائيل من أجل دعمه وتقوية موقفه في ظل ضائقته المتزايدة بسبب تقدم التحقيق مع مقربيه حول علاقتهم بروسيا بهدف التأثير على نتائج انتخاب الرئاسة لصالح ترامب.
ومن جهة أخرى يمكن القول إن مصير ترامب وسياسته في الشرق الأوسط تتعلق الآن بمدى الثمن السياسي والاقتصادي الذي سيدفعه الأمريكان والإسرائيليون من هذا الإعلان الأمر الذي يتوقف بالدرجة الأولى على مدى مقاومة السيد أبو مازن للضغوط وإصراره على الموقف الفلسطيني برفض أمريكا كوسيط وبطلب أن تكون فلسطين عضو كامل العضوية في الامم المتحدة وبإعلانه طلب انضمام فلسطين إلى 22 منظمة ومعاهدة دولية وبتعزيزه للمصالحة الوطنية.
كما يتوقف مصير اعلان ترامب على استمرار وتصاعد الاحتجاجات الشعبية في فلسطين والمنطقة والعالم ضد سياسة ترامب تجاه القدس وفلسطين، إضافة إلى نجاح الشعوب العربية والإسلامية ابتداع وسائل خلاقة وسلمية لمس الاقتصاد الأمريكي وبالصفقات التي يسعى رجل الأعمال ترامب لتمريرها في المنطقة والعالم وذلك بروح مقترح مهاتير محمد بان يحول كل مواطن مسلم حسابه في البنك من الدولار لغيره من العملات . ولتبقى العملية السلمية عالقة لا معلقة كما يريد ترامب.
انتفاضة القدس.. خسائر ومكاسب ترامب!
القُدسُ بوابةُ الصفقةِ الكُبرى