كتاب عربي 21

بشير الجميّل وطني أم عميل؟

1300x600
كلما أطلت ذكرى اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق وقائد تنظيم القوات اللبنانية بشير بيار الجميّل في الرابع عشر من سبتمبر أيلول، كلما استُعيد الجدل في لبنان وسط انقسام حاد حول تقييم شخصيةٍ يتنوع تصنيفها داخل الوطن الواحد ما بين القدّيس والشيطان.

بشير الجميل نفسه سبق أن وصف حيثيته السياسية ومن يمثلهم من اليمين المسيحي المتشدد فقال: "نحن قديسو هذا الشرق ونحن شياطينه"، ويُعلل مقالٌ في الموقع الإلكتروني لحزب القوات اللبنانية اليوم المقولة الشهيرة لبشير والتي تحولت إلى شعار سياسي بالتالي "قالها ... وكان عندها المسيحيون في خضم الصراع من أجل الوجود والحياة في زمن كانت فيه كل قوى الارض متحالفة مع الضلال والباطل على حساب حفنة من المقاومين المسيحيين الشرفاء".

كان بشير الجميل يعلَم أنه قديس في نظر الكثير من المسيحيين يحارب لأجلهم ولأجل "وطنهم الحلم المتفرّد" المستحدث ككيان بحدود جغرافية وسياسية جديدة وبمعادلة طائفية بعد الحرب العالمية الثانية، ويخاطر بحياته على الجبهات المفتوحة مع قوى خارجية تريد السيطرة على لبنان، وأخرى داخلية متحالفة مع هذه القوى الخارجية بهدف منع دخول لبنان في المحور الإسرائيلي، كما كانت تقول.

وكان الجميّل يدرك أيضاً أنه سيتحول إلى شيطان في نظر الكثير من اللبنانيين، خصوصاً بعد أن تحالف مع جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي كان له الفضل عليه في وصوله إلى سدة رئاسة الجمهورية بعد احتلال إسرائيل بيروت. وهو اصطفاف مع الشر المطلق سيُضاف إلى السجل الأسود لبشير في الحرب اللبنانية بعيون معظم أبناء المناطق غير المسيحية.

لكن هل يبقى لهذا التصنيف وقعٌ إعلامي وسيكولوجي اليوم وقد تحالفت القوى اللبنانية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بمعظمها في حكومة ائتلافية يتضامن فيها، افتراضياً على الأقل، وزراء حزب الله مع وزراء القوات اللبنانية والعكس صحيح ضمن منظومة مصالح الدولة؟

وماذا عن الآخرين من زعماء الحرب الأهلية اللبنانية، وكيف ينظر إليهم الشريك الآخر؟ يكاد يكون تقييم أبناء المناطق المسيحية في الغالب لقيادات ما كان يعرف بالحركة الوطنية المتحالفة مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم مع النظام السوري في الحرب، متطابقاً مع الاتهام السائد لبشير الجميل في المقلب الآخر بالخيانة الوطنية. فالفلسطينيون ثم السوريون كانوا في نظر الكثير من اللبنانيين والمسيحيين تحديداً قوات احتلال، والتعامل معهم بالتالي هو عمالة وخيانة.

وكان المسيحيون المتشددون يبررون جنوح قياداتهم للتعامل مع الإحتلال الإسرائيلي بأنهم كانوا يخوضون معركة وجود تبيح لهم كل المحظورات، ويضيفون أن لبنانَهم ليس ملحقاً بإسرائيل بل يقوم بمشاركة جميع أبنائه بعد طرد "المحتلين" الفلسطينيين والسوريين، وهي "معركة التقت فيها المصلحة اللبنانية مع مصلحة إسرائيل المهتمة بإبعاد أعدائها عن حدودها الشمالية".

قد يبدو السجال متكافئاً من حيث الطرح المبدئي، فمن يريد احتلال أرضك والهيمنة على قرارك ومقدراتك هو محتل حتى لو كان شقيقاً. لكن الحقيقة لا تحتمل هذا التبسيط في الموازنة، فالجيش السوري دخل لبنان بقرار من جامعة الدول العربية والوجود الفلسطيني المسلح لم يكن معزولاً عن إرادة محلية قبل أن تكون عربية وحتى دولية، سوفييتية في حينه.

لكن في النهاية لا بد من الإقرار بأنه ليس من الإنصاف فتح محاكمة جزئية استنسابية للحرب الأهلية اللبنانية ورموزها ونتائجها.. لأن ذلك بحد ذاته يعزز التفاف القوى اليمينية من جديد حول ماضيها، خصوصاً في وقتنا الحاضر حيث أصبح تصنيف "إسرائيل" كعدو مجرد وجهة نظر في العديد من الدول العربية، وبعض هذه الدول فاعل ومحوري..