تحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" عن أثر الحرب المدمرة على
اليمن، قائلة إن الهجوم الذي يقوم به تحالف بقيادة
السعودية شل الحياة في البلاد، ولم يعد فيها شيء يعمل؛ فهدمت الجسور والمستشفيات والمصانع، ولم يحصل الأطباء وعمال الخدمة على رواتبهم منذ عام.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بسبب سوء التغذية وغياب المرافق الصحية، فإن أفقر دولة في الشرق الأوسط تعرضت لأمراض يعدها الباحثون العلميون تاريخا، مثل
الكوليرا، التي قتلت في أقل من 3 أشهر ألفي شخص، وأصابت عدواها نصف مليون، في واحدة من الموجات التي لم يشهد مثلها العالم منذ 50 عاما.
وتنقل الصحيفة عن يعقوب الجيفي، وهو جندي يمني لم يتلق أجره منذ 8 أشهر، قوله: "إنه موت بطيء"، مشيرة إلى أن الجيفي أحضر ابنته إلى صنعاء للعلاج من سوء تغذية مزمن، ويقول إنه اقترض أموالا من أقاربه وأصدقائه ليعالج ابنته في العاصمة، ويصف الوضع قائلا: "نحن ننتظر النهاية، أو تفتح السماء علينا".
ويلفت التقرير إلى أن اليمن كان أفقر بلد في العالم العربي، وعانى من حروب ونزاعات مستمرة، مشيرا إلى أن النزاع الأخير بدأ في عام 2014، عندما قام المتمردون
الحوثيون بالسيطرة على العاصمة، وأجبروا الحكومة على الهروب إلى المنفى.
وتذكر الصحيفة أن السعودية قررت في آذار/ مارس 2015 قيادة تحالف، وشنت عملية عسكرية؛ بهدف إعادة الحكومة الشرعية، وطرد الحوثيين الذين جاؤوا من شمال البلاد، لافتة إلى أن التحالف فشل حتى الآن في تحقيق مهمته، ولا يزال البلد منقسما بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتلك التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.
وينوه التقرير إلى أن الكثير من الغارات الجوية أدت إلى قتل وجرح العديد من المدنيين، بمن فيهم الذين سقطوا في يوم الأربعاء في غارة على العاصمة، مشيرا إلى أن القصف المستمر دمر البنية التحتية للبلاد، خاصة الموانئ الحيوية والجسور المهمة والمستشفيات والمرافق الصحية والمصانع، وتوقفت الخدمات التي كان يعتمد عليها اليمنيون في حياتهم، وأثر الدمار للبنى التحتية على الاقتصاد اليمني الضعيف.
وتكشف الصحيفة عن أن المنظمات الإنسانية تواجه صعوبات في إدخال المساعدات وتوزيعها على المحتاجين، لافتة إلى أن القصف أدى إلى إغلاق مطار صنعاء الدولي أمام الملاحة المدنية لمدة عام، ما يعني أنه لا يمكن نقل البضائع التجارية، ولا نقل الجرحى والمرضى اليمنيين لتلقي العلاج من الخارج.
ويفيد التقرير بأنه منذ أكثر من عام لم تصرف رواتب الموظفين المدنيين في كلتا الإدارتين المتنازعتين، بشكل زاد من فقرهم، خاصة أن فرص العمل في ظل الحرب غير متوفرة، منوها إلى أن أكثر المتضررين من توقف الرواتب هم العاملون في القطاعات الحيوية، التي تتعامل مع الأزمة، مثل الأطباء وقطاع التمريض ونظام المرافق الصحية والفنيين، بشكل أدى إلى انهيار هذه القطاعات.
وتقول الصحيفة: "أضيف إلى هذه الكوارث كارثة الكوليرا، التي انتعشت في ظروف الحرب، حيث انتشرت البكتيريا في المياه الملوثة وفي مياه المجاري، وبسبب تراكم أكوام القمامة، وتدمير المرافق الصحية، بات اليمنيون يعتمدون على مياه الآبار الملوثة للشرب، وزاد هطول المياه من تلوث الآبار، ولم تعد الكوليرا مرضا يهدد الحياة في الدول المتطورة، ويمكن علاجها بسهولة، باستخدام المضادات الحيوية لو أصبحت متقدمة وخطيرة".
ويستدرك التقرير بأن اليمن، الذي يعاني من انتشار سوء التغذية، خاصة بين الأطفال، صار مناخا جيدا لانتشار المرض، حيث قالت الممثلة المقيمة لليونيسيف في اليمن ميريشتل ريلانو: "مع انتشار سوء التغذية بين الأطفال فإنهم لو أصيبوا بالإسهال لن يتعافوا".
وتورد الصحيفة أن محمد ناصر كان ينتظر الأخبار عن ابنه وليد البالغ من العمر 6 أشهر، الذي أصيب بمرض الكوليرا خارج عيادة علاج الكوليرا في صنعاء، فناصر عامل زراعي فقير، اقترض المال لنقل ابنه لصنعاء، ولا يملك المال الكافي للعودة إلى بلدته حتى لو تعافى ابنه، وقال: "وضعي سيئ"، لافتة إلى أن العيادة أقامت خمس خيم في الخلف؛ لاستقبال الأعداد المتزايدة من المرضى، لمواجهة انتشار الكوليرا.
ويؤكد التقرير أن "الباحثين يخشون من استمرار انتشار المرض بهذه المعدلات، بحيث يتفوق على الحالات التي أصيب بها سكان هاييتي بعد الهزة الأرضية المدمرة في عام 2010".
وبحسب الصحيفة، فإن منظمات الإغاثة لا تستطيع إعادة الخدمات التي من المفترض أن توفرها الحكومة، ما يعني أن هناك فرصة قليلة لتحسن الأوضاع، إلا في حال توقف الحرب، وتعلق ريلانو قائلة: "نحن في العام الثالث من الحرب تقريبا ولم يتحسن أي شيء"، وتضيف: "هناك محدودية لما يمكننا عمله في هذه الدولة المنهارة".
ويشير التقرير إلى أن الأمم المتحدة ترى أن الوضع في اليمن هو أكبر أزمة إنسانية، حيث يحتاج أكثر من 10 ملايين لمساعدات عاجلة، ويمكن أن يتدهور الوضع أكثر، وحذر المدير التنفيذي للبرامج الطارئة في منظمة الصحة العالمية بيتر سلامة، من أنه "مع انهيار الدولة فإننا نشاهد انتشار وباء الكوليرا، وربما رأينا انتشار أوبئة أخرى في المستقبل".
وتقول الصحيفة إنه لا توجد أي إشارة على قرب نهاية الحرب، حيث توقفت الجهود السلمية التي ترعاها الأمم المتحدة، ولم يظهر أي من الأطراف المتنازعة استعدادا للتنازل.
وينقل التقرير عن الأمم المتحدة، قولها إن اليمن بحاجة إلى 2.3 مليار دولار في مساعدات إنسانية هذا العام، إلا أنها لم تحصل إلا على نسبة 41% من هذا المبلغ، مشيرا إلى أن الأطراف المشاركة في الحرب تعد من أكثر الدول المانحة، حيث تقدم السعودية والإمارات مبالغ كبيرة، إلا أن النقاد يقولون إنهما تنفقان على الجهود الحربية أكثر من الجهود الإنسانية، وحصارهما لميناء الحديدة ترك أثر مدمرا على المدنيين.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة تعد من المانحين الكبار، لكنها من أكبر مزودي السلاح لدول التحالف الذي تقوده السعودية، مستدركة بأنه رغم أنها ليست متورطة مباشرة في الحرب، إلا أنها قدمت الدعم العسكري للتحالف، وعادة ما يعثر اليمنيون على بقايا الذخيرة الأمريكية الصنع بعد غارات جوية قاتلة.