يُعد
رمضان في
المغرب ضيفا عزيزا يحرص المغاربة على استقباله أحسن استقبال وإعداد أبهى حلة له، إذ يتغيّر خلال الشهر الفضيل نمط حياة الناس اليومية كليا، وهو ما ينسحب على عاداتهم الغذائية وقوائم طعامهم.
واستعدادا لرمضان، الذي بدأ اليوم السبت، تستنفر الأسر كل جهودها لإعداد مأكولات وشراء احتياجات من مواد غذائية تعتبر أساسية على مائدة الإفطار.
وتشهد الأسواق انتعاشا كبيرا، تمهيدا لاستقبال "سيدنا رمضان"، كما يطلق عليه في المغرب، فزيادة العادات الاستهلاكية أحد طقوس الشهر، التي يتوارثها المغاربة.
انتعاش في الأسواق
في السوق الشعبي "الخبازات" بمدينة القنيطرة (شمالا)، يبدو جليا من الوهلة الأولى أن السوق تخلى عن رتابة الأجواء التي تسوده عادة، ليلبس لباس المحتفي بحلول الشهر الفضيل، حيث تختفي سلع كثيرة من المحلات التجارية، لتفسح المجال أمام مواد يقبل عليها المغاربة في رمضان.
ويكثر عرض أهم ما تحتاجه النساء لإعداد الحلويات الرمضانية من "لوز" و"زنجلان" (سمسم) و"نافع"، وغيره، ويزداد التنافس بين الباعة في ترتيب البضاعة وبيان مزاياها لإقناع المشترين الذين يحجون إلى السوق أكثر في شهر الصيام.
اقرأ أيضا: كيف استقبل المسلمون حول العالم شهر رمضان؟ (فيديو+صور)
ويلاحظ في السوق تغيّر واجهات عدد من المحلات، حيث أصبحت تعرض مواد غذائية، وينتعش عدد من أصحاب المهن الموسمية من الشباب العاطلين عن العمل، وخاصة باعة الفطائر والحلويات والتمور.
أثناء تسوقها في "الخبازات"، قالت فاطمة غياط (45 سنة): "هذه هي المرة الثالثة التي أتردد فيها على السوق، وفي كل مرة أكتشف أنني لم أشتر كل ما هو مطلوب".
وفي العاصمة الرباط لا يختلف المشهد في السوق المركزي بالمدينة العتيقة عن نظيره في القنيطرة، فالسوق يعرف حركة دؤوبة وإقبالا ورواجا كبيرين في تجارة المواد الغذائية، التي تزين مائدة الإفطار، والألبسة التقليدية التي يحرص المغاربة على ارتدائها خلال تبادل الزيارات العائلية، وحين الذهاب إلى المساجد لأداء صلاة التراويح.
"الحريرة" و"الشباكية"
لا تخلو موائد إفطار المغاربة، على اختلاف مستواهم المعيشي، من "الحريرة" (حساء مغربي من أصل أندلسي)، التي تتربع على عرش المائدة بلا منازع، لكنها لا تحلو إلا بوجود "الشباكية"، وهي حلوى عسلية، مشبكة بعناية، مزينة بالسمسم، ومعطرة بالينسون وماء الزهر والشمر، ولا يمكن أن تمر من حي أو زقاق دون أن تشتم رائحتها من كثرة المحلات التي تختص ببيعها، رغم أن عددا من الأسر ما زالت تفضل إعدادها في المنازل.
اقرأ أيضا: تعرف على المائدة الإثيوبية الخاصة بشهر رمضان
ويختلف ثمن هذه الحلوى بحسب جودة مكوناتها. وبحسب محمد عدنان (60 سنة) بائع الحلوى، في حديث مع "الأناضول"، فإن "ثمن الشباكية يتراوح بين 20 درهما (دولارين أمريكيين) و120 درهما (12 دولارا) إذا كانت العجينة من اللوز".
ولا يمكن أن تكتمل المائدة الرمضانية في غياب التمر والحليب، الذي يعتاد المغاربة على الافتتاح به عند الإفطار، فضلا عن "سلو"، ويسمى "السفوف" أيضا، ويبدو كعجين رقيق، مكون أساسا من مزيج من الطحين المحمص واللوز والسمسم والسكر والزبدة.
وتبقى أطعمة أخرى بمثابة "نوافل"، تحضر وتغيب حسب الإمكانيات، منها "البريوات" المعروفة في الشرق الأوسط باسم "السمبوسة"، و"المسمن" (رغايف)، وهو أحد أشهر الفطائر المغربية، و"البغرير"، وهو مثل "القطايف" لكن حجمه أكبر ولا يتم حشوه، إذ يكتفي المغاربة بصب قليل من الزبدة المذابة في العسل عليه.
أوان فخارية ونحاسية
وحتى تظهر المائدة المغربية في أبهى حلة لها، "تحرص الأسر باختلاف مستوياتها المعيشية على اقتناء أجمل أنواع الأواني، خاصة الفخارية والنحاسية، حتى إن تغيير الأواني المنزلية، أو على الأقل تبييض الفضية منها، أصبح عادة تسبق شهر رمضان عند معظم النساء"، وفق محمد الطرمبي (55 سنة)، وهو بائع أوان منزلية في مدينة القنيطرة.
"الطرمبي" أوضح، أن "الإقبال على اقتناء الأواني المنزلية يرتفع مع حلول شهر رمضان والأسابيع التي تسبقه أكثر من غيره من الشهور".
ومن أهم الأواني المنزلية التي يحرص المغاربة على حضورها على مائدة الإفطار "الزلافة الفخارية" و"المغرفة الخشبة" لتناول "الحريرة"، ما يعكس تشبث المرأة المغربية بعاداتها وتقاليدها الأصيلة مهما غيرت وجددت.
وتقتني النساء أيضا في هذا الشهر الطواجن المصنوعة من الطين الأحمر، لإعداد أشهى الوجبات في العشاء والسحور، إضافة إلى صحون لتقديم الحلويات، خاصة "الشباكية" والتمور في الإفطار، و"سلو" مع الشاي بعد التراويح.
اقرأ أيضا: الإندونيسيون يبدأون التحضيرات لاستقبال شهر رمضان
وتشهد بعض المناطق إقبالا على اقتناء مصابيح تقليدية زاهية تصنع من الزجاج الرفيع والنحاس الخالص، وتستعمل إضاءتها الجميلة للزينة في البيوت والشوارع ومحلات ليالي السهر الرمضاني.
إقبال رغم التكاليف
ويحرص معظم المغاربة على شراء المواد الغذائية لرمضان غير آبهين بما قد تخلفه من إرهاق لجيوبهم.
صلاح الدين العلمي (37 عاما)، وهو موظف، قال لـ"الأناضول": "أضطر في كل مرة إلى الاقتراض من أصحابي لإتمام شهر رمضان، فأنا حريص على اقتناء كل ما تشتهيه عيني أو تطلبه زوجتي، ولا يشكل ذلك بالنسبة إلي أي ضغط نفسي".
ووفق قول محمد سعيد (54 سنة) بائع الحلوى، لـ"الأناضول"، فإن "تزامن رمضان مع فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة (ما يهدد بإفساد الأغذية) جعل أسعار بعض الأغذية ترتفع مقارنة مع باقي فصول السنة، لكن ذلك لم يمنع المواطنين من الإقبال على اقتناء ما يحتاجونه من مواد".
وإذا كان المغاربة يحرصون على تزيين مائدة الإفطار، رغم ما تكلفه من مصاريف، فإن التجار يستفيدون من كثرة الإقبال على سلعهم.
أحد هؤلاء التجار، وهو محمد الفرواتي (61 عاما)، بائع التوابل والفواكه الجافة، قال لـ"الأناضول": "ما أتحصل عليه من مداخيل بمناسبة رمضان يفوق ما أجنيه خلال باقي أشهر السنة".
وبحسب "المندوبية السامية للتخطيط" (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء)، فإن نفقات المغاربة، خلال رمضان، ترتفع بنسبة 16.3% في المتوسط، ويزيد إنفاق الأسر على الغذاء بنسبة 37%، موضحة أن الإنفاق يتطور تدريجيا بحسب مستوى معيشة الأسرة، إذ ينتقل من 22.5% كأدنى نسبة، إلى 40%.