قداسة
البابا فرانسيس
كم تحتاج مجتمعاتنا لمفاهيم وإجراءات حقيقية للتقارب بين الشعوب، والبحث عن مناطق للسلم والتعايش والعيش المشترك.. وفي وقت تتزايد فيه مشاعر الخوف، يعاني العالم من انتشار خطاب الكراهية وعدم قبول الآخر، وتنامي المشاعر القومية والعرقية، وتصاعد الشعبوية، على أنقاض قيم التسامح وقبول الآخر، وخاصة الأقليات والمهاجرين وغيرهم من المضطهدين على أي أساس آخر.
وتأتي زيارتكم التاريخية لمصر - للأسف - في ظل تدهور خطير لأوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة، وتفاقم الظلم والمظالم، بعد تعطيل المسار الديمقراطي في البلاد عقب ثورة 25 يناير 2011، والانقضاض على الديقراطية الوليدة بانقلاب على مسارها، واستخدام السلطة للقوة التي خضبت أحلام وتطلعات
المصريين بالدماء، وأسقطت الكثيرين قتلى وضحايا، مضطهدين ومطاردين في مشاهد عنيفة وقاسية لقتل جماعي في ميداني رابعة والنهضة وغيرهما، وما عقب ذلك من حملات اعتقال جماعي واضطهاد على الهوية لقطاعات كبيرة من الشعب؛ ما زال منهم ما يقارب الـ60 ألف معتقل خلف القضبان؛ قد حرموا من حقوقهم الأساسية في محاكمات عادلة وغير مسيسة.. وتعددت السجون وتوارت الآمال في السلام والاستقرار والأمان، وتغذت السلطة، وما زالت تتغذى، على تعميق الانقسام والكراهية بين طوائف المجتمع المصري، لنشهد حالة رهيبة من الاحتقان الطائفي والمجتمعي.
وما زالت السلطة تسيطر على وسائل الإعلام الموجهة لتنمية خطاب الكراهية والتحريض، والتخلص من كل صوت يعارض تلك السياسات السلطوية التي لا يمكن أن تبني مجتمعات أو تحقق سلاما أو سلما أهليا. ويأتي الصحفيون المهنيون أحد الضحايا في معركة تكسير العظام هذه.
قداسة البابا فرانسيس
بالأمس القريب ناشدتكم أسرة الباحث الإيطالي جوليو ريجينى لحمل ملف جريمة تعذيب وقتل ابنهم، باحث الدكتوراه، للوقوف على حق القتيل والأسرة في الوصول للجناة. واليوم ندعوكم لحمل آلام ومعاناة الآف الأسر، من سجناء قابعين خلف القضبان التي تتزايد أعدادها يوما بعد يوم، وتتوقف معها طموحات الأجيال في تنمية حقيقية. فهؤلاء السجناء منهم كوادر أكاديمية وأساتذة جامعات ومحامون وسجناء رأي وصحفيون، يتم التنكيل بهم فقط من أجل مخالفتهم الرأي أو لأداء وظيفتهم. فهذا مصور ما زال معتقلا منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ويعاني من أمراض الكبد، كالمصور محمود شوكان المسجون فقط لتغطيته أحداث فض ميدان رابعة العدوية.. وهذا باحث يتحرى المعلومات ويدعو لمصالحة وطنية، كالفخرانى وجعفر، وغيرهم العشرات من الصحفيين، ومنهم من تدهورت صحته تدهورا شديدا، وتتعرض حياته يوميا للمخاطر في الزنازين المكتظة أو الانفرادية؛ خلف قضبان بلا شفقة، ويعانون من نقص الأدوية والأهمال الطبي.
مساندتكم الإنسانية لهؤلاء المظلومين، ومنهم حالة الصحفي المصري محمود حسين، والمعتقل من السلطات المصرية بسبب عمله الصحفي كمحرر ومنتج أخبار بقناة الجزيرة منذ 23 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهو محبوس في زنزانة حبس انفرادي ويعاني صحيا، بحسب إفادات أسرته، حتى هذة اللحظة التي تزورون فيها القاهرة.
يتطلع الرأي العام العالمي والعربي لزيارتكم، وإن مناسبة زيارتكم التاريخية لمصر لهي رسالة سلام ومحبة وإخاء وتضامن مع العالم العربي. وتتطلع الشعوب المستضعفة، وخاصة الشباب وهم غالبية سكان العالم العربي، والطامحون في التغيير وبناء المجتمعات
الديمقراطية الحداثية، لحملكم رسالة مساندة للمستضعفين، وكذلك تتطلع أسرة العمل الصحفي والإعلامي لدعمكم لشهود الإثبات وتعزيز حقوق الصحفيين في العالم العربي وعبر العالم، من أجل ترسيخ حقوق الإنسان، وخاصة الحق في حرية الرأي والتعبير الذي يعتبر الركيزة الأولى لبناء مجتمعات مستقرة ومستدامة، كما جاء في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان المادة 19 منه وما تواترت عليه كافة المواثيق والمعاهدات الدولية، وبناء مجتمعات متماسكة قابلة للحياة وتعلي من قيمة الإنسان وحقه الأساسىي في الحياة والكرامة.
لقد تابع الرأي العام العالمي دعمكم للأقليات المسلمة المضطهدة في ميانمار وغيرها من أماكن حول العالم، ودعوتكم لقبول التعددية. ولربما زيارتكم لمصر رسالة بأن قداستكم ومؤسسة
الفاتيكان تحملان على عاتقكما تعزيز روح التسامح والحوار والتضامن والوقوف مع المستضعفين، ولتكون ترجمة لكل المعاني والقيم السامية الجامعة، بالدفاع عن المعتقلين وسجناء الرأي والصحفيين والإعلاميين في السجون المصرية وفي العالم العربي وعبر العالم، وبدعمكم للعدالة وحقوق الشعوب.