كتاب عربي 21

عن بيع الأوهام للجماهير !

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
ينشط هذه الأيام ناشطون في مصر وإعلاميون خارجها معارضين للنظام في الترويج لانتخابات الرئاسة المزمع عقدها عام 2018 ويتحدثون عن ضرورة خوض هذه الانتخابات ويفرطون في اقتراحات بأسماء مرشحين يرون أنهم قد يكونون الورقة الرابحة للفوز بالانتخابات وتغيير السلطة الحالية عبر الصناديق!

من المثير للدهشة أن كثيرا من هؤلاء المروجين لهذا المسار كانوا في 2011 يرفضون المسار السياسي تماما ويعتبرون أن من قرر خوض غمار التنافس السياسي – الذي كان نزيها حينها ومحميا بتأثير زخم الثورة وإرادة الجماهير ووعيها – هو خائن للثورة ومتنكب طريقها ومخالف لمبادئها، بينما يرون الآن فبهذا المناخ السلطوي الرهيب جدوى التنافس السياسي مع هذه السلطة عبر الصناديق!

قطعا سنحسن الظن بهؤلاء المبشرين بمعركة انتخابية يتبعها تحول ديمقراطي في مصر، ولكن هل يسمحون لنا بأن نتساءل عن جدوى فكرتهم التي لا يوجد لها أي منطق يعزز تبنيها والاندفاع خلفها وتبشير الجماهير بها، السؤال الأول: ما هو المناخ السياسي الذي ستتم فيه هذه الانتخابات؟ هل هو مناخ مفتوح وحر تُحترم فيه الحريات الأساسية من حرية الرأي والتعبير وحق التنظيم وممارسة الأنشطة السياسية المشروعة أم هو مناخ مغلق ومؤمم بالكامل لصالح السلطة وأعوانها؟ هل يعلم الزملاء أن الأحزاب السياسية التي تحمل بعضا من عبق أفكار الثورة ممنوعة من حجز أي قاعة بفندق أو غيره للاجتماع ناهيك عن منع أي عمل جماهيري لأعضائها بالشارع؟ هل يعلم الرفاق أن هناك قضايا وأحكام بالسجن صدرت على مئات الشباب بسبب بوستات عادية عبروا فيها عن آرائهم على صفحات "فيسبوك"؟ هل يعلمون أن العمل السياسي الذي لا يسبح بحمد السلطة ويأتمر بأوامرها تم تجريمه في مصر منذ ثلاث سنوات؟ هذا هو المناخ!

السؤال الثاني: ما هي البيئة التشريعية التي ستتم فيها هذه الانتخابات وما هي ضمانات النزاهة؟ وهل توجد منظومة عادلة تفصل بالإنصاف والحق بين المتنافسين؟ وهل يعتقد البعض أن الرأي الأخير سيكون للصندوق أم سيكون لمن بيده القوة والسيطرة؟ السؤال  الثالث: ما هي البيئة الإعلامية التي ستكون مصاحبة لهذه الانتخابات؟ هل هو الإعلام الذي يذيع ويفبرك مكالمات شخصية للمعارضين على الهواء مباشرة؟ ويتهمهم جميعا بالعمالة والخيانة؟ أم هو الإعلام الذي ما زال يقنع المصريين بأن جزءا من أرضهم ليس تابعا لدولتهم ويطالبونه بقبول التنازل عنها تحت مسميات ودعاوى لا تقنع طفلا صغيرا؟ أم هو الإعلام الذي تم منع كل المعارضين من الظهور على شاشاته منذ ثلاث سنوات حتى أصبحت الشاشات كلها حصرية لأتباع النظام والمطبلين له؟ أم هو الإعلام الذي صارت كل وسيلة فيه تابعة أو مملوكة لجهة ما بالسلطة وأجهزتها؟ هل سيساعد هذا الإعلام في تقديم هؤلاء المرشحين للناس بصدق وموضوعية أم سينصب سيرك للطعن فيهم واغتيالهم معنويا؟

السؤال الرابع: هل مرت تجربة المرشح المدني المنافس في آخر انتخابات رئاسية في مصر دون تمعن وتأمل وتعلم من سلبيات التجربة التي انتهت بإعطاء النظام ما يريده لإكمال الشكل الانتخابي المطلوب دون الحصول على أي مزايا تراكمية أومكتسبات للتيار الديمقراطي ومسار التحول الديمقراطي بالكامل؟

يقول المبشرون بالفكرة والمتحمسون لها إن مجرد خوض التجربة سيصنع تراكما للديمقراطية يمهد الطريق للمستقبل؟ فأين التراكم الذي صنعته التجربة السابقة حتى نكرره؟ ويقول بعضهم أيضا أن ذلك سيصنع تيارا شعبيا معارضا كاسحا يجبر السلطة على سماع صوته وفتح المجال العام المغلق حاليا؟ فما الذي يمنع الآن من بناء هذا الذي طالما أنه يمكن بناؤه رغم كل عوامل المنع والإعاقة التي تمنع بناء أي تنظيم في مصر ولن تتغير في المستقبل القريب؟

الحقيقة أن التفكير في تكرار نفس التجربة بنفس المعطيات السابقة يؤكد أن التيار الديمقراطي في مصر يُصر على استنساخ الأخطاء ومخاطبة عواطف الناس والرهان على خيالات ساذجة وأمنيات مستحيلة نتجت عن مقارنة مصر بتجارب دول أخرى تحولت ديمقراطيا عبر هذا المسار لكن ظروفها في الحقيقة وبنيتها السياسية والسلطوية لا تشبه مصر لا من قريب ولا من بعيد.

النوايا الحسنة لا تكفي لدخول معترك سياسي سلطوي تم تفصيله ليسمح فقط  بأدوار الكومبارس لمن يريدون القيام بها، لذلك علينا التأني وإعادة قراءة الواقع والتعرف على أبعاده دون حنجورية ولا أمانٍ حماسية تزيد من انتكاسة الديمقراطية في مصر.

أختم المقال بالكلام القيم الذي خطه أستاذ العلوم السياسية د /عبد الفتاح ماضي في دراسة عن مفهوم الانتخابات الديمقراطية (في الدول غير الديمقراطية قد تقوم السلطات بعمل انتخابات لتحقيق مقاصد تتناقض تماما مع جوهر الانتخابات الديمقراطية الذي هو التعبير عن إرادة الشعب، فهدف هؤلاء يكون منصبا على إضفاء ما يظنونه شرعية شعبية على حكمهم المطلق ولعل من أبرز النظم التي تبتعد عن هذا المقصد وتستخدم في الوقت نفسه آلية الانتخابات نظم الحكم التي تأخذ العلاقة بين الحكام والمحكومين شكل العلاقة بين "السيد وتابعه"، أو ما يسمى "patron & client". وفي هذه الحالة لا تعبر الانتخابات عن إرادة الشعب أو اختيارات الناخبين ولا حتى عن آراء فردية، وإنما تعكس حقيقة العلاقة بين الحاكم والمحكوم القائمة على التبعية المطلقة المستندة إما للخوف أو التغييب).

هل يعني هذا ظلامية المستقبل واستحالة التحول الديمقراطي في مصر؟ بالطبع لا لكن المهم هو قراءة خارطة الصراع وتحديد ماهيته للتفكير في مسارات منطقية تقود للمستقبل. 
1
التعليقات (1)
قشطه
الثلاثاء، 31-01-2017 05:38 م
بعد كلامك الكثير ده المطلوب إيه نلم هدومنا ونروح ولا نعمل إيه يعى