كشفت وثائق سرية أفرجت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية، أخيرا، عن العلاقة التي كانت تجمع بين العاهل
المغربي الراحل، الملك
الحسن الثاني، والزعيم الليبي الراحل،
معمر القذافي، ووصفتها بأنها كانت "متشنجة".
أرشيف الوثائق الذي أفرجت عنه وكالة الاستخبارات الأمريكية، والذي يقارب 13 مليون صفحة من الوثائق السرية تؤرخ لسنوات 1940 إلى 1990، والتي بثتها عبر الأنترنت، كان من بينها مئات الآلاف من الوثائق تتحدث عن العلاقة بين المغرب وليبيا.
ونشرت مجلة "تيل كيل" المغربية الناطقة بالفرنسية
ملخصا حول هذه الوثائق، والذي ترجمته "
عربي21"، قالت فيه إن العاهل المغربي الراحل، الملك الحسن الثاني، كانت له علاقات جد متوترة مع العقيد معمر القذافي، الذي ترأس
ليبيا قرابة 40 عاما، موضحة ذلك في ثلاثة مواقف.
القذافي.. سليط اللسان
ذكر التقرير أن برقية مؤرخة في آذار/ مارس 1973 أرسلها السفير الأمريكي في المغرب، آنذاك، إلى وزارة الخارجية الأمريكية، كشفت عن تطاول الزعيم الليبي بالكلام على الحسن الثاني الذي كان يفوقه بـ13 عاما، وكشفت أن التطاول كان "قبل أو أثناء خطاب ألقاه أمام مؤتمر عام"، ولفت السفير الأمريكي إلى أن "هذه الهجمات الشخصية أظهرت أن العلاقات المغربية-الليبية دخلت مرحلة جديدة من التوتر".
وقال: "في خطابه، وصف العقيد القذافي الملوك بصفة عامة وملوك العرب بصفة خاصة بأنهم غريبو الأطوار. وذكر المغرب والأردن كمثال".
وأورد السفير الأمريكي في برقيته كلام القذافي بالمؤتمر والذي تحدث فيه عن الملوك والأمراء العرب، حيث قال: "أولئك الذين هم الآن ملوك أو أمراء متوجون هم مجانين".
وانتقد معمر القذافي، آنذاك، ملك المغرب الحسن الثاني عند عقده لاستفتاء حول الاتحاد العربي- الأفريقي بالمملكة قبل أن يتراجع عن قراره بعد ذلك بعامين من دون أن يستشير شعبه، وقال القذافي: "هذا جنون".
وتابع: "كان من المنطقي أن يطلب رأي شعبه حول هذه القطيعة. لا أعتقد أن مثل هذا التصرف قد يصدر من عقل سليم"، على حد تعبيره.
هذه الكلمات، يقول التقرير، تظهر بجلاء نزعة التكبر التي كانت لدى القذافي تجاه الحسن الثاني. وشهد دبلوماسي ليبي سابق ويدعى عبد الرحمن شلغم عن تكبر القذافي، حيث قال في تصريح: "كان متعاليا (القذافي) مع القادة العرب الشباب، ودعا محمد السادس بـ"ابني"".
الخلاف حول الصحراء
في 27 شباط/ فبراير 1976، اليوم الذي أعلنت فيه جبهة البوليساريو عن "الجمهورية الصحراوية" الوهمية، عبر القذافي عن معارضته للحسن الثاني في رسالة شديدة لهجة قال فيها: "لو كنت (الحسن الثاني) تحارب انفصاليين بمملكتك لكنا معك. لو كنت تحارب المستعمرين بالصحراء لكنا معك. لكن أن تحارب أناسا قالوا لا، هنا لا يمكننا أن نكون معك". وأضاف: "أعلن أمام التاريخ أنني لم أكن لأقف ضد المغرب لو لم أكن على يقين أن الشعب الصحراوي الذي تقوده الجبهة (البوليساريو) لا يعارض الانضمام إلى المغرب".
وتابع: "أتحدث عن حقائق، ولا أعارض انضمام الصحراء إلى المغرب أو إلى موريتانيا".
في هذه الرسالة التي كانت بحوزة
المخابرات الأمريكية، أكد العقيد الليبي عن رغبته في أن يحافظ على علاقات جيدة مع المغرب، وأن هدفه كان "الإيمان بوحدة عربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي".
تقارب أرعب الولايات المتحدة
في عام 1984، وبينما المغرب يعيش على حرب الصحراء، قررت الرباط التقارب مع طرابلس. في وجدة (شرق المغرب) وقع "مرشد الثورة" والملك معاهدة "الاتحاد العربي_الأفريقي". هذا الاتفاق، يقول التقرير، أتى في اللحظة التي كان فيها المغرب معزولا، بعد تحالف تونس والجزائر وموريتانيا، مشيرا إلى أن المعاهدة سمحت بضمان عدم مد ليبيا السلاح لجبهة البوليساريو، وأنها فاجأت وأقلقت الولايات المتحدة آنذاك.
وثيقة للمخابرات الأمريكية وثقت لمحادثة بين الحسن الثاني والسيناتور الأمريكي كاستن بالقصر الملكي بفاس في 13 كانون الأول/ ديسمبر 1984، والتي كانت حول الاتفاقية التي جرت بين المغرب وليبيا. حيث قال عنها السيناتور كاستن: "المحادثة كانت صريحة ومباشرة وودية". وكانت الولايات المتحدة أعربت عن مخاوفها من تأثير اتفاقية وجدة على مصالحها.
من جهته، كانت لملك المغرب نظرة نقدية لاذعة لسياسة الولايات المتحدة بالمنطقة. وقال: "بعد كل ما فعلته من أجل الولايات المتحدة (اتفاقية العبور، تمديد المتطوعين الأمريكيين، التداريب العسكرية وزيارات القوارب) أي معاهدة أو تحالف أو اتفاق أو وحدة قدمتها لنا الولايات المتحدة؟"، وأجاب: "لا شيء".
وتابع الملك الراحل: "من جهة، تدين أمريكا القذافي وكل من يتعامل معه. ومن جهة أخرى، اشترت الولايات المتحدة البترول منه، والعديد من المواطنين الأمريكيين يعيشون ويعملون بليبيا، حتى أن شركة أمريكية تسير مشروعا للري تحت الأرض والذي تقدر ميزانيته بمليارات الدولارات".
وواصل الحسن الثاني التعبير عن "انزعاجه" في مواجهة "هاجس" الولايات المتحدة ضد القذافي والتي حاول الملك أن "يشيطنها" وقال: "القذافي ليس مسؤولا عن الإرهاب في العالم".
ولفت التقرير الدبلوماسي الأمريكي إلى أن الحسن الثاني أعرب للولايات المتحدة عن رغبته في "ترويض" العقيد القذافي، وطلب منها أن تثق به وتستمع له، وقال: "فكروا في المستقبل، فكروا بشكل أوسع"، وعدّد العديد من الفرص التي توجد بليبيا. وقال: "القذافي ميت"، بعكس الأراضي الليبية والفرص التي فيها، على حد تعبيره.
من جانبهم، عبر المسؤولون في الولايات المتحدة عن قلقهم من التقارب بين المغرب وليبيا، خاصة بعد إعادة المغرب للعديد من المعارضين الليبيين إلى بلدهم الأصلي، وتزايد عدد الليبيين الذين يزورون أو يستقرون بالمغرب، وخاصة في منطقة الدار البيضاء (وسط).
وفي نهاية المقابلة، أكد السيناتور الأمريكي كاستن للملك الحسن الثاني "أن يأخذ على محمل الجد مخاوفهم وشكوكهم (في إشارة إلى الولايات المتحدة)".
ولفت التقرير إلى أن الاتفاق بين المغرب وليبيا فشل في نهاية المطاف. لدرجة أن الزعيم الليبي الراحل خطط مع صبري البنا الشهير بـ"أبو نضال" (مؤسس مجلس فتح الثوري) عام 1987 لمحاولة اغتيال الملك الحسن الثاني، بحسب شهادة عاطف أبو بكر، الرئيس السابق للقسم السياسي لمجلس فتح الثوري (وهو جماعة مسلحة فلسطينية).