انتقد حقوقيون ونشطاء
الاعتقالات "على خلفية سياسية" في
لبنان، ورأوا أن أغلب الملاحقات الأمنية تستهدف "شريحة واحدة" دون غيرهم.
يأتي ذلك، في وقت نظمت فيه عائلة الفتاة السورية، بشرى فتوح، ومتضامنون؛ اعتصاما، الثلاثاء، في ساحة عبد الحميد كرامي بطرابلس، شمال لبنان، للمطالبة بإخلاء سبيل بشرى التي تم توقيفها من قبل الأمن العام اللبناني قبل أيام، من دون الإبلاغ عن أي مسوغ قانوني، وفق العائلة.
وكانت الفتاة فتوح اعتقلت في مركز الأمن بعدما استدعيت لتجديد إقامتها. وتشير رواية عائلة فتوح إلى أن الفتاة توجهت برفقة عمتها إلى المركز الأمني في بيروت، وعند وصولهما فوجئت العمة بأن مسؤولي الأمن طلبوا منها العودة والإبقاء على بشرى قيد التحقيق.
وقالت الناشطة "ع.س"، التي شاركت في الاعتصام، لـ"
عربي21"، إن "الخطوات ستكون تصاعدية، في حال استمرار اعتقال الفتاة فتوح".
وأكدت أنهم تلقوا وعودا "من شخصيات دينية وسياسية بمتابعة القضية، والإسراع في الإفراج عنها ورفع المظلومية التي تتعرض لها، دون أي دلائل تشير إلى تورطها الأمني".
ورفع المعتصمون شعارات تؤكد براءة بشرى، وتصف كل التهم التي أُسندت ضدها بأنها "ظلم وافتراء".
وبحسب بيان للمديرية العامة للأمن العام، فقد تم تحويل فتوح إلى المحكمة العسكرية، بعد توجيه تهم تتعلق بـ"دعم الإرهاب".
وتتفاعل قضية بشرى فتوح شعبيا، خصوصا في الشارع السني في طرابلس، مع ارتفاع الأصوات المنددة بتوقيفها والتحقيق معها من دون وجود قرائن واضحة.
يشار إلى أن هيئة العلماء المسلمين لم تشارك في الاعتصام، لكن أعضاء في الهيئة استنكروا اعتقال الفتاة، واعتبروه مخالفا للنظم القانونية، و"استهدافا لفئة دون غيرها على خلفية سياسية".
وقال رئيس هيئة علماء المسلمين "رائد حليحل" في تصريحات صحفية: "ما حصل مع المفتي الدكتور الطراس بالأمس القريب، وحجم التهويل الذي واكب فترة اعتقاله، لخير دليل على أن لا نسلم لهذه التسريبات أبدا".
وسبق لجهاز الأمن العام اللبناني أن اعتقل الشيخ الطراس في شهر أيلول /سبتمبر الماضي، وأخضعه للاستجواب قبل أن يفرج عنه. ووُجهت للشيخ الطرّاس تهم تتعلق بالتخطيط للانفجار الذي وقع في 31 آب/ أغسطس الماضي عند مستديرة كسارة بمدينة زحلة البقاعية.
ودعا حليحل إلى الإفراج السريع عن بشرى فتوح "قطعا لدابر الفتنة، وصونا لأعراض أخواتنا العفيفات"، كما قال.
وأضاف: "فلتستدع لجلسة محاكمة شفافة ونزيهة وعادلة وغير منحازة، وأن لا يكون ذلك خلال تنقيلها بين أقبية التحقيق هنا وهناك، ويبنى بعدها على الشيء مقتضاه".
محامون: التحقيقات تشوبها ثغرات
من جانبه، قال المحامي نبيل الحلبي، مدير مؤسسة لايف الحقوقية، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21": "من المفترض أن تنفذ عمليات التوقيف بناء على مذكرة صادرة من الضابطة العدلية، فوفق القانون اللبناني لا يحق توقيف أي شخص من دون مسوغ وإجراء قانوني واضح، وإلا فإن الاعتقال يعدّ تعسفيا".
وأضاف: "يتوجب أن تشرف النيابة العامة مباشرة على التحقيقات، لكن المتبع حاليا إجراء الأجهزة الأمنية التحقيقات بنفسها، فيما تكتفي النيابة العامة بالمراقبة عن بعد"، على حد وصفه.
ورأى الحلبي أن ثمة ثغرات تشوب التحقيقات القضائية في لبنان، مشيرا إلى أن "المدعي العام يتلقى عبر الهاتف مجريات التحقيق من المسؤول الأمني، وبناء عليه يسطر مذكرة قانونية بخصوص التوقيف، وهذه ثغرة كبيرة تفتح المجال أمام الرشاوى والأخطاء التقديرية"، كما قال.
تأثير السياسة على الأجهزة الأمنية
وحول تأثير السياسة على الأجهزة الأمنية، قال: "الأجهزة اللبنانية تخضع لمحاصصة سياسية ما يحدّ من شفافيتها ويكبل أداءها، وبالتالي فإن التوقيفات هي مزيج من إجراءات قانونية بنكهة سياسية"، مشيرا إلى أن ذلك "يحدث في أي مؤسسة تابعة للدولة في لبنان، حيث تخضع جميعها لتقاسم نفوذ السلطة على أساس طائفي وسياسي"، بحسب تعبيره.
وانتقد الحلبي المبالغة في الإجراءات الأمنية، واعتبر "أن الاستنسابية في الأمن تدلل على ممارسة خاطئة لأمن استباقي يتركز على شريحة معينة دون سواها، وضمن مناطق معينة في لبنان، بينما نرى في صورة معاكسة تراخيا أمنيا في مناطق أخرى"، مضيفا: "هناك تشدد أمني مبالغ فيه، وفي الوقت عينه نجد فلتانا أمنيا حيث يمرح الخارجون عن القانون دون أي إرادة حقيقية لتوقيفهم وملاحقتهم جزائيا"، وفق قوله.
وحذر الحلبي من أن "هناك شعورا بالإحباط لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، وهذا ما يدفع البعض منهم إلى اللجوء إلى خيارات خطيرة، كالانخراط بالمجموعات الإرهابية، وخصوصا في أوساط الشباب"، كما قال.
ودعا الحلبي إلى" تسوية أوضاع عشرات المطلوبين في بادرة بإمكانها أن تخفف الاحتقان الموجود لدى فئة معينة تشعر بأنها مستهدفة"، بحسب تعبيره.