طرح الدور الذي تلعبه سلطنة
عمان في الإفراج عن "
الرهائن الأجانب" المختطفين لدى التنظيمات المسلحة باليمن، أسئلة عدة حول هذا النشاط الذي بات ممكنا أن تلعبه مسقط لإطلاق سراح أي رهينة، فهل ساهمت في ازدهار سوق الأموال "الفدى" للتنظيمات تلك، ومنها الحوثيون وتنظيم
القاعدة، مقابل الإفراج عن رهائن من جنسيات مختلفة كانوا بحوزتهم؟
وكان لافتا الحضور العماني في هذا الملف منذ أعوام، حيث رصدت "
عربي21" حالات عدة تدخلت السلطنة للإفراج عنهم، آخرها إطلاق المتمردين الحوثيين، في 6 من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، سراح المواطن الأمريكي "وليد يوسف بيتس لقمان"، الذي كان محتجزا لديهم في اليمن وتم نقله إلى مسقط، بحسب وزارة الخارجية العمانية.
الرهائن المفرج عنهم
وهذه ليست أول وساطة ناجحة تقوم بها مسقط للإفراج عن رهائن محتجزين في اليمن. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، أعلنت وزارة الخارجية العمانية إجلاء ثلاثة أمريكيين بعد "العثور" عليهم في اليمن.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، نجحت وساطة قادتها عمان للإفراج عن ثلاثة رهائن فرنسيين "امرأتان ورجل"، كانوا مختطفين منذ آيار/ مايو من نفس العام، مقابل دفع فدية للخاطفين الذين يعتقد صلتهم بتنظيم القاعدة في شرق اليمن.
وفي آيار/ مايو من عام 2013، أثمرت جهود السلطنة في إنهاء معاناة ثلاثة أوروبيين، اثنين منهم نمساويان والآخر فلندي، كانوا مفقودين باليمن منذ كانون الاول/ ديسمبر 2012.
وفي كانون الثاني/ يناير 2015، وصل مواطنان الأول أمريكي والآخر سنغافوري إلى مسقط، اختطفوا باليمن، تم الإفراج عنهما بوساطة عمانية تلبية لطلب الولايات المتحدة وسنغافورة، وفقا لبيان بثته مسقط، وبالتنسيق مع الجهات المعنية هناك.
وفي 21 من حزيران/ يونيو 2016، تم الإفراج عن مواطن ألماني (لم يكشف عن اسمه) كان رهينة في اليمن، وتم نقله من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى عمان، الذي ساعدت في التفاوض لإطلاق سراحه.
وفي السابع من آب/ أغسطس 2016 أطلق سراح الفرنسية "إيزابيل بريم"، احتجزت في اليمن منذ 24 من شباط/ فبراير 2016، رجحت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية اختطافها من قبل المتمرّدين الحوثيين، وسط نفي من السلطات الفرنسية دفع أي فدية مقابل الإفراج عنها.
وفي مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أطلق سراح الرهينة الفرنسية التونسية "نوران حوا"، كانت محتجزة في اليمن منذ كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، وقد تم نقلها إلى سلطنة عمان التي لعبت دور الوساطة للإفراج عنها.
وفي أيلول/ سبتمبر من العام 2015 أفرج المتمردون الحوثيون عن ستة أجانب من بينهم أمريكيان، نقلوا إلى عمان اللاعب الرئيسي في التفاوض لإطلاق سراحهم.
"بزنس الاختطاف"
ووفقا لتحقيق نشر في صحيفة "نيويورك تايمز" في 29 تموز/ يوليو 2015، تعد فرنسا أكبر مساهم أوروبي في "بزنس الاختطاف"؛ إذ دفعت في الواقع أكثر من 58.1 مليون دولار لتنظيم القاعدة منذ 2008 مقابل الإفراج عن العديد من الرهائن الفرنسيين.
وطرحت الصحيفة الأمريكية أيضا مسألة الفدية بمجرد الإفراج عن الفرنسية "إيزابيل بريم" في آب/ أغسطس من العام الجاري خاصّة وأنّ مترجمتها اليمنية "شيرين مكاوي" التي اختطفت معها وتمّ الإفراج عنها بعد أسبوعين فقط، قد أشارت إلى دفع فرنسا لفدية تقدّر بأكثر من 3 ملايين دولار، وهذا ما نفته باريس أيّ إنّها لم تدفع فدية.
الفدى تمول حرب الحوثي
من جهته، يرى الصحافي اليمني، محمد الأحمدي أن الاختطاف "جريمة" والمقايضة على الرهائن بالأموال صورة من صور "الاتجار بالبشر"، معتبرا أن الاختطافات إحدى الملفات الغامضة باليمن، واستخدمت كجزء من لعبة الحكم وإدارة البلاد بالأزمات، إبان حكم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وقال في تصريح خاص لـ"
عربي21" إن "الجديد هذه المرة، أن الاختطافات التي تشهدها اليمن في ظل سلطة المتمردين الحوثيين، يليها تدخل عمان في الإفراج عن الرهائن مقابل فدية، في ظل العلاقات المتميزة بين الجانيين".
وأضاف الأحمدي أن الدور العماني يثير العديد من علامات الاستفهام حول مصلحتها من دفع فدى أكثر من مرة مقابل تحرير رهائن لدى جماعات عنف مسلحة كـ"الحوثي".
وأردف الصحفي اليمني قائلا إن هذه الأموال قد تكون بمثابة صورة من صور الدعم للحوثيين لتمويل حروبهم ضد اليمنيين والسعودية، فضلا عن اتهامات أخرى للسلطنة بدفع فدية لتنظيم القاعدة مقابل إطلاق سراح أجانب اختطفهم.
تفاهم عماني دولي
من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي، عبد الناصر المودع، أنه يجب التفريق بين إطلاق سراح معتقلين أجانب لدى الحوثيين أو رهائن لدى القاعدة، مضيفا أن إطلاق المعتقلين الأجانب لدى الحوثيين يتم بتفاهم بين عمان والدول التي يحمل المعتقلين جنسيتها، وتقوم به عمان دون دفع فدى مالية، نظرا لأن جماعة الحوثيين مهتمة بالحصول على مكاسب سياسية وليس أموال جراء الإفراج عن المعتقلين الأجانب.
وأوضح المودع أن عمليات الإفراج عن رهائن لدى القاعدة تتم عادة نظير دفع مبالغ مالية للتنظيم، و"هذه العمليات محفوفة بمخاطر وشبهة تمويل هذه الجماعات، وتتم بشكل سري ولا يعرف بالضبط ملابسات هذه العمليات".
لكنه استدرك قائلا: "السلوك العماني في هذا الأمر يتم بغطاء ومعرفة من الدول الغربية ورضاها"، غير أن التحليل السياسي يشير إلى أن نظام مسقط بعيدة عن شبهة تمويل تنظيم القاعدة، لإدراكها خطورة هذه الخطوة.
الرهائن ورقة سياسية
وفي السياق ذاته، قال الباحث اليمني في الشأن الخليجي، عدنان هاشم، إن ملف تحرير الرهائن عبر وساطة عمانية تحول إلى ورقة سياسية يكون مقابلها تنازلات دولية في الملف اليمني لصالح الحوثيين.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21": "أن تجد جماعة الحوثي أو المختطفين للأجانب في اليمن وسيط دولي يمكن الثقة به، سيشجع فعلاً استمرار عمليات الاختطاف".
وأكد على "علاقة الجماعة باختطاف معظم الرهائن المفرج عنهم، حتى لو لم يعلن الحوثيون اختطافهم مثل نوران حواس الموظفة في الصليب الاحمر الدولي".
وأكد هاشم أن ملف الرهائن والاختطاف كان مثمراً في ملف العلاقات الأمريكية مع إيران بوساطة عمانية، كون الأخيرة هي من قامت بإدارة التوافق بشأن الملف النووي مبكرا بين واشنطن وطهران، والذي شمل الإفراج عن مختطفين أمريكيين في طهران أو إيرانيين في واشنطن.
من جانب آخر، أشار الباحث في الشأن الخليجي إلى أن مسقط تمتلك الكثير من العلاقات مع رجال القبائل في الجنوب فيما يخص العلاقة مع تنظيم القاعدة، والتي يرجح أن تكون وراء نجاح الإفراج عن الرهائن الأجانب لدى التنظيم.
يشار إلى أنه خلال الأعوام 16 الماضية سُجّلت أكثر من مئة ضحيّة، وغالبا ما يتمّ الإفراج عن الرهائن في حالة جيّدة مقابل دفع فدية، لكن جرت عملية الاختطاف هذه المرّة تأتي في ظل الصراع الدامي في اليمن بعد سيطرة الحوثيين الشيعة على السلطة في العام 2014 بدعم من قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.