قضايا وآراء

"حرية التعبير بشبكات التواصل الجديدة"

يحيى اليحياوي
1300x600
1300x600
ليس ثمة من شك أن حرية التعبير إنما هي عنصر أساس لكل ديموقراطية، وأن التشريعات واللوائح والقوانين غالبا ما تحدد بالقياس إلى هذا المبدأ لا بالاحتكام إلى ما سواه. بصلب كل ذلك، يمثل مبدأ الوصول للمعلومة والحق في الحصول عليها، وتقاسمها، والإفادة منها، مبدأ مركزيا لتكريس قيم المواطنة والحرية، وتجسيد الحقوق المدنية والسياسية للأفراد كما للجماعات على حد سواء.
 
إذا سلم المرء بتوافر هذه المبادئ، لتأطير فضاء اشتغال المنابر الإعلامية التقليدية، فإنه سيسلم بالآن ذاته بأنها باتت تجد لها من مدة فضاء إضافيا جديدا، من بين ظهراني شبكات التواصل الاجتماعي، أو ما بات يسمى كذلك للتدليل على قوتها ونجاعتها وسبل التشبيك الملازمة لها. ولعل أهم ما حملته هذه الشبكات بالنسبة للحرية الإعلامية، إنما إعادتها لصياغة عناصر الإشكالية المطروحة، على ضوء واقع الانتقال من محيط ندرة المعلومات، إلى محيط وفرة عرضها بمنسوب غير مسبوق، ومن على منصات منابر عديدة ومتجددة.
 
فعلى العكس من طباعة جريدة، أو إقامة محطة إذاعية أو تلفزية، حيث التكاليف مرتفعة، والإكراهات التقنية والقانونية صارمة، فإن تصميم موقع إخباري على الشبكة، أو فتح حساب على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتطلب الشيء الكثير، اللهم إلا التوفر على حاسوب مرتبط بالشبكة، وعلى البرمجيات المناسبة لتشغيل ذلك، وبعض من الدراية في الإبحار والقدرة على الانتقال بين العناوين والروابط. 
 
لم تعد إشكالية النفاذ أو الولوج لبنوك المعطيات أمرا مستعصيا ولا حكرا على جهة دون أخرى كما كان الشأن من قبل، مادامت هذه المعلومات متوفرة "على الخط" وبغزارة، بقدر ما تحولت الإشكالية إياها إلى إشكالية قيمة هذه المعلومات، ومدى دقتها ونجاعتها والحاجة إليها في عملية اتخاذ القرار في الزمن والمكان. بالتالي، فإن جانب الصعوبة في هذا الجانب إنما يكمن في كيفية الحصول على المعلومة، والتأكد من صحتها، ومقارنتها، والاطمئنان إلى مصادرها، في محيط باتت المصادر وطرق إنتاج المعلومات غير معروفة ولا موثقة.
 
فعلى النقيض من وسائل الإعلام التقليدية، التي بنت نشاطها وجزءا كبيرا من مجدها، على قواعد "أخلاقية" صارمة، فإنه بات بمقدور المرء، زمن الإعلام الجديد وشبكات التواصل، تصميم موقع أو صفحة، يضع بها من المعطيات والمعلومات ما يشاء، حتى وإن كانت خاطئة، أو مجرد إشاعات، أو أنصاف حقائق، دونما أن تكون هناك "مصفاة" لتنقية ذلك، أو ممارسة الرقابة عليه، فما بالك منعه أو الحيلولة دون انتشاره على نطاق واسع.
 
هذا الرهان بات رهانا ضخما، في ظل انفجار المضامين التي يقدمها المستعملون، بما فيها مواقع الإعلام بالشبكة. بيد أن ثمة سؤالا لا بد من طرحه: "ما السبيل لمعرفة أن معلومة ما، بمدونة ما، حول هذه الشخصية أو تلك، دونما ذكر المصدر، ما السبيل لمعرفة كيف جمعت ورتبت؟ كيف السبيل للتأكد من أن فيديو ما، على موقع دايلي موشيون، لم يكن مكمن تركيب، من شأنه تحريف أقوال الشخصيات التي تظهر فيه؟ كيف التيقن من أن عناصر مقال بويكيبيديا هي عناصر دقيقة؟ كيف السبيل للتحقق من أن الصور التي تظهر على فليكير أو واط أو سكايبلوغ، لم يتم اختلاقها؟"...الخ.
 
بالتالي، فإن المبحر بشبكات الإعلام والاتصال الجديدة، إنما هو بإزاء أحجام ضخمة من النصوص، والصور الثابتة والحية، دونما أن يكون مصدرها مثبتا، أو صدقيتها موثقة. ليس ثمة في ميدان الإعلام، ربع أو نصف حقيقة. إن ثمة معطيات مؤكدة وأخرى خاطئة، ولا ثالث بينهما.
 
وعلى هذا الأساس، فإن الرهان الحقيقي القائم، بظل طفرة هذه الشبكات، إنما يكمن في طرق وآليات التعامل مع هذه الأخيرة، ليس فقط من باب محورية الإعلام بكل سياق ديموقراطي، ولكن أيضا لأن شبكة كشبكة الإنترنيت، معولمة الطبيعة والطبع، قد تثوي خلف "إفقار نوعية المعلومات التي يحتاجها النقاش الديموقراطي، وكذا الحق في الإعلام والاتصال الذي شارف، بأكثر من بلد، على أن يكون حقا من حقوق الإنسان الأساس.
 
وعلى هذا الأساس، فإن مسألة حرية التعبير في شبكات التواصل الاجتماعي تضمر تداعيات وتبعات كبيرة، لربما أكبر من تلك التي يتم إعمالها في شبكات التواصل التقليدية؛ إنها تسائل أكثر من أي وقت مضى حق الأفراد والجماعات في معلومات حقيقية وصادقة. وتسائل حق هؤلاء في حياة خاصة بعيدة عن المزايدة أو عن البسط في الفضاء العام دون وجه حق. وتسائل فضلا عن كل هذا وذاك الترسانة القانونية والتشريعية التي من المفروض أن تواكب تموجات هذه الشبكات، و"تحد" من نزوعها إلى اختراق الهويات والخصوصيات، وتمييع العلاقات بين سمو مبدأ الحرية، لكن مصحوبا بحد أدنى من المسؤولية المهنية والأخلاقية.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل