كتاب عربي 21

تونس جزء من خطة إعادة الانتشار العسكري الأمريكي و"الزنابق المائية"

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
نشرت صحيفة الواشنطن بوست منذ يومين خبرا ليس الأول من نوعه أي استعمال الولايات المتحدة قواعد عسكرية في تونس، بمعزل عن التفاصيل فإن مؤشرات عديدة تدعم هذا المؤشر. وتأتي في سياق استراتيجيات أمريكية ترجع إلى بداية الألفية الثانية. السؤال سيبقى دائما: كيف يمكن للوجود العسكري الأمريكي في أراضي دول عربية وإسلامية، أن يساعد أو يعرقل مكافحة الإرهاب؟ بمعنى آخر: إلى أي حد يمكن أن يمثل هذا الوجود دعما لمكافحة الإرهاب تقنيا مقابل توفير مناخ سياسي عام يدعم خطاب وحجج الإرهاب؟ من جهة أخرى، إلى متى سيواصل السبسي وحكومته التغطية على معطى تثفت حوله المؤشرات، خاصة أنه كان من بين المزايدين على السيادة الوطنية عندما كان في المعارضة، وتبنى أنصاره شعار: "شعب تونس شعب حر، لا أمريكا لا قطر"؟ من المرجح الآن أن هذه الأخبار مرتبطة بالاتفاق الذي وقعه أحد مساعدي السبسي في ماي 2015، وهو محسن مرزوق دون أي صفة، حيث لم تكن له الصفة لإمضاء الاتفاق. 

وقد نقلت "الواشنطن بوست" يوم 26 أكتوبر ما يلي: "وسعت وزارة الدفاع الأمريكية سرا شبكتها العالمية من قواعد الطائرات دون طيار في شمال إفريقيا، ونشر طائرات دون طيار وأفراد الجيش الأمريكى إلى منشأة في تونس للقيام بمهام تجسس في ليبيا المجاورة. بدأت طائرات دون طيار "ريبر" بالإقلاع من قاعدة التونسية في أواخر جوان، وأدت دورا رئيسيا في الهجوم الجوي الأمريكي ضد معاقل الدولة الإسلامية في ليبيا المجاورة". 

هذا الخبر يأتي في سياق تسريبات سابقة في الأشهر الماضية في صحف دولية بناء على مصادر أمريكية. لكن ربما أهم تسريب هو الذي ورد في موقع "نواة" التونسي الذي عرض وثائق من مؤسسة رئاسة الجمهورية، وتم نشرها في شهر مارس الماضي ودخل القصر في حالة ارتباك كبيرة إثرها، أدت فيما أدت إلى عزل كامل الفريق القانوني الملحق بالسبسي. وورد في تقرير "نواة" ما يلي: "استضافة قوات أجنبيّة على الأراضي التونسيّة وآفاق التعاون العسكريّ والتدخّل الأمريكيّ في الشأن الداخليّ لتونس، هم محاور الوثائق التّي تحصّلت عليها نواة والمتمثّل في "مذكرة حول الاتفاق المتعلّق بوضعية أفراد القوات المسلحة الأمريكية الموجودين بصفة مؤقتة داخل الإقليم التونسي وأفراد القوات المسلّحة التّونسية الموجودين بصفة مؤقتة داخل إقليم الولايات المتّحدة الأمريكية"، “"إضافة إلى وثيقة ثانية تحت عنوان مذكرة بخصوص مشروع الاتفاق المتعلق بالوضعية القانونية للقوات الأمريكية خلال وجودها بتونس"، "التي تتضمّن ملاحظات الجانب التونسي على بعض النقاط الواردة في المذكرّة الأولى. وأخيرا أهمّ المسائل التي تناولها الحوار الثنائيّ بين رئيس الجمهوريّ الباجي قائد السبسي ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، خلال اعمال الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي الامريكي التونسي". 

ورغم نفي الحكومة التونسية "وجود قواعد امريكية في تونس"، فإنها لم تنف استعمال الولايات المتحدة لقواعد في تونس. هذا التلاعب بالألفاظ لا يمكن أن يحل المشكل الذي يواجهه الائتلاف الحاكم الذي يرعاه السبسي، حيث إن هذا الاختراق غير المسبوق لا يمكن ألا يتعرض للنقد وستكون الأوضاع الاجتماعية المحتقنة السياق الذي يمكن أن تتصاعد في إطاره الشكوك والثقة في السلطة الحالية. 

ومن المرجح أن ما نقلته الواشنطن بوست حول حرج الحكومة التونسية البالغ من استعمال واشنطن لقواعد تونسية دقيق: "وأبقت إدارة أوباما مفاوضاتها بشأن الوصول إلى قاعدة سرا لأكثر من عام بسبب مخاوف على الديمقراطية الشابة في تونس، وظهورها مرتبطة ارتباطا وثيقا مع قوة عسكرية خارجية أو أن المسلحين سيزيدون هجمات في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا".

استراتيجيات الانتشار الجديدة ذات الطبيعة "الخفيفة" حيث لا يستحق البنتاغون بناء قواعد جديدة، بل استعمال غير منتظم لقواعد قائمة هي التي توجه هذا الوجود في تونس ومثلما تقول الواشنطن بوست: "ضغطت إدارة أوباما للوصول إلى قاعدة التونسية كجزء من استراتيجية الأمن لمنطقة الشرق الأوسط الكبير، الذي يدعو إلى وضع طائرات دون طيار وفرق العمليات الخاصة الصغيرة في عدد من مرافق قاب قوسين، أو أدنى من المتشددين الذين يمكن أن يشكلوا خطرا على الغرب".

وقد كنت أشرت في مقال قديم يرجع الى سنة 2003 حول العلاقات التونسية الأمريكية، عندما كنت أنشر  باسم "الطاهر الأسود" أيام الاستبداد في تونس، إلى أهمية مسألة استعمال قواعد عسكرية في نظرة واشنطن لعلاقتها بتونس: "تقرير الهريتاج فاوندايشن الذي أورد نوايا إقامة قواعد عسكرية أمريكية في تونس والمغرب فقد تمت كتابته يوم 15 أكتوبر 2003 ولم يتم نشره إلا يوم 17 ديسمبر 2003. وترد المعلومة المتعلقة بإقامة القواعد العسكرية ضمن تحليل مكانة القارة الإفريقية في الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية.[13] فحسب كاتبي الدراسة، فإن القيادة الأمريكية للقوات الأمريكية المتمركزة في أوروبا، وهي تنشط في إطار قيادة الحلف الأطلسي، والمتمركزة تحديدا في شتوتغارت-ألمانيا (United States European Command or USEUCOM)] تفكر بتوسيع قواعدها إلى جنوب المتوسط في اتجاه إفريقيا، وتحديدا في تونس والمغرب. ومما يلفت الاتنباه إلى جانب المعطى الخاص بإقامة قواعد عسكرية في تونس والمغرب، هي الأفكار التي تعرض لها الجنرال الأمريكي جيمس جونس في الحوار التلفزي المذكور أعلاه، حيث حرص على التوضيح أن هذه القواعد لن تكون مشابهة للقواعد العسكرية الضخمة (massive) وأنها ستكون "مواطئ قدم في شكل معابر بدائية، مع صيانة بمستوى ضعيف، لكنها استراتيجية"، وأضاف بأنها ستكون بمنزلة "الزنابق المائية" (lily pads). وهذا يعني أن الحديث لا يقع هنا عن قواعد بحجم تلك الموجودة في أوروبا أو السعودية أو قطر، بل أقل ظهورا للعيان بكثير، وهو ما لن يستدعي بالضرورة الإعلان عنها، وهو ما يتفق على الأرجح مع رغبات الحكومتين التونسية والمغربية".

كما نرى، فإن استراتيجيات الزنابق المائية ليست جديدة بالمرة. 
التعليقات (0)