ملفات وتقارير

مركز "الزيتونة": الإعلام المصري أسقط "مرسي" ومهد "للسيسي"

عكست تصريحات السيسي رؤية تنظر للإعلام بوصفه خادما للسلطة ـ أرشيفية
عكست تصريحات السيسي رؤية تنظر للإعلام بوصفه خادما للسلطة ـ أرشيفية
قالت دراسة جديدة أصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، إن الإعلام المصري عانى حالة من الاستقطاب خلال حكم محمد مرسي، قبل أن يتولى مهمة الشراكة في إسقاط مرسي والإخوان وتهيئة الساحة للسيسي لتصدر المشهد، بل لاستخدامها بعد ذلك عند اللزوم في تثبيت حكم السيسي ومحاولة احتواء أي إخفاقات يواجهها.

ورصدت دراسة مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، التي تحمل عنوان "الأداء الإعلامي"، وهي الإصدار الخامس ضمن سلسلة دراسات تصدر تباعا تحمل عنوان "مصر بين عهدين: مرسي والسيسي – دراسة مقارنة"، تطور الأداء الإعلامي المصري منذ ثورة 25 يناير حتى نهاية سنة 2015.

وتناولت الدراسة الأوضاع السياسية والدستورية والأمنية والاقتصادية والإعلامية التي شهدتها مصر خلال عهدي الرئيسين.

وكشفت الدراسة أن "الصحف المملوكة للدولة حافظت على ولائها لنظام مبارك حتى قبل أيام قليلة من الإطاحة به، وأنها استمرت في خطابها السابق، مع فارق وحيد هو أنه تم استبدال المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمبارك. فالصحف نفسها التي مجدت مبارك ومن ثم شعب مصر لفترة وجيزة جدا، سرعان ما بدأت تمجد المجلس العسكري وزعيمه، في حين بقيت العقلية الاستبدادية مكانها كما عكستها وسائل الإعلام؛ وأصبح الجيش هو المنقذ، وأصبح كل من يتحدث ضده أو يهاجمه مهددا بالمحاكمات العسكرية".

وأوضحت أن "الإعلام المصري قد دخل حالة استقطاب وتجاذب سياسي بعد ثورة 25 يناير، حيث شكلت لحظة رحيل مبارك نقطة فارقة في مسيرة الإعلام المصري، الذي وجد نفسه فجأة متحررا من معظم القيود الأمنية والإدارية التي كانت تحكمه طوال عقود، فتحولت الحرية وسقوط القيود إلى فوضى إعلامية، بينما لم تقم السلطة الانتقالية بأي خطوات لإعادة تنظيم الإعلام المصري هيكليا وتشريعيا بما يتناسب مع الواقع الجديد. وتعرضت الأصوات الناقدة لأداء الإعلام إلى المضايقات والتهميش، من جانب جهات حكومية وغير حكومية. وتأثرت وسائل الإعلام الخاصة بملاكها من رجال الأعمال الذين ارتبطوا بعلاقات مع نظام مبارك والدولة العميقة".

وسجلت أنه "بالرغم من تولي محمد مرسي الرئاسة فقد أصبح هدفا مفضلا للإعلام المحلي الذي أوسعه نقدا واستهدافا، بل سخرية واستخفافا، حيث تبارت في ذلك سلسلة من القنوات الخاصة الذائعة الصيت التي يملكها رجال أعمال يرتبطون بمبارك وعهده. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل إن وسائل الإعلام المملوكة للدولة من قنوات تلفزيون ومحطات إذاعة وصحف ومواقع إلكترونية، كثيرا ما شاركت بقدر أو بآخر في هذه الحملات تحت مظلة الحرية".

وتابعت: "لقد عانى الإعلام المصري حالة من الاستقطاب خلال حكم مرسي. ولم يستطع مرسي أن يحد من الحملات التي استهدفته وجماعة الإخوان المسلمين، والتيار الإسلامي عموما. وامتلأت القنوات الإعلامية بعبارات مثل (أخونة الدولة)، و(ميليشيات الإخوان المسلمين)… ونتج عن ذلك رفع عدد غير مسبوق من القضايا أمام المحاكم ضد الصحفيين والإعلاميين بتهمة (إهانة الرئيس)".

وأشارت الدراسة إلى أنه رغم "تعيين وزير جديد للإعلام موال لجماعة الإخوان المسلمين، وتعيين مجلس الشورى، الذي يعد الكثير من أعضائه من الإسلاميين، رؤساء تحرير جددا، فقد تعامل مجلس الشورى مع موضوع التعيينات بموضوعية لافتة، حيث لم يعين سوى اثنين من المحسوبين على الإخوان من أصل خمسين. كما بقي العديد من هذه المؤسسات موالية لنظام مبارك، وكان الصراع صراع سلطة وولاء لنظام دون آخر، بدل أن يكون الولاء للمعايير الصحفية المهنية أو للشعب".

وأفادت أن "وسائل الإعلام المصرية لعبت دورا مهما في الانقلاب على الرئيس مرسي، خصوصا فيما يتعلق بإشعال نقمة المصريين عليه، وعلى الإخوان المسلمين. فقد اعتمدت وسائل الإعلام المصرية الهجوم المنظم والمستمر، وحرصت على تحميل مرسي والإخوان مسؤولية أي إخفاق أو سلبيات، حتى لو كانت مزمنة ومتوارثة منذ عهد مبارك. وانتشرت شائعات لم تهدف فقط إلى إسقاط الإخوان وتهيئة الساحة للسيسي لتصدر المشهد، بل لاستخدامها بعد ذلك عند اللزوم في تثبيت حكم السيسي ومحاولة احتواء أي إخفاقات يواجهها. وهو ما أكده الإعلامي توفيق عكاشة الذي أعلن عن وجود علاقة وتعاون بين إعلاميين وأجهزة الأمن المصرية بهدف إسقاط جماعة الإخوان المسلمين والرئيس مرسي، وقال عكاشة، إن جميع الإعلاميين هم (أصدقاء الأمن وكانوا عايزين يطيحوا بالإخوان)".

وذكرت الدراسة أن "وسائل الإعلام المصري اعتمدت في الشائعات في عهد مرسي على ثلاث استراتيجيات رئيسية، هي: الطعن في شرعيته، والطعن في وطنيته ووطنية الإخوان، وفي تشبيهه بمبارك والإخوان بالحزب الوطني".

وشددت على أن "المشهد الإعلامي في مصر دخل مرحلة جديدة بالغة الدلالة والخطورة بعد عزل الرئيس مرسي، فقد تحول الإعلام بشكل واضح إلى أداة صريحة في الصراع السياسي بين السلطة الانتقالية الجديدة وبين الإخوان المسلمين وأنصارهم. وزادت صعوبة إيجاد مكان للأصوات الناقدة في وسائل الإعلام التقليدية. فقد دعمت الكثير من وسائل الإعلام في مصر بقوة سردية النظام للأحداث، أما الأصوات المعارضة، فكانت شبه غائبة عن الصحف والبرامج التلفزيونية، حيث أغلقت الحكومة وسائل الإعلام المعارضة للانقلاب".

وزادت أن "الجيش المصري قام بإغلاق القنوات الإسلامية والمحسوبة على التيار الإسلامي في غضون ساعات من عزل مرسي، وفرضت الرقابة على المؤسسات الإعلامية، وتعرضت مكاتب إعلامية أخرى للمداهمات. واتهمت السلطات المصرية وسائل الإعلام الأجنبية بتقديم تغطية منحازة".

وقالت: "لقد أصبح المشهد الإعلامي المصري غير مهني عموما بعد عزل الرئيس مرسي، وبالغت معظم وسائل الإعلام المصرية في دعم نظام ما بعد مرسي، في ظل وجود بضعة استثناءات فردية تحاول الحفاظ على بعض التوازن. وفي العموم، امتلأت موجات الإذاعة والتلفزيون بالأغاني والبرامج الحوارية التي تمجد الجيش. ولعب الإعلام المصري دورا مؤثرا في المشهد السياسي المصري، لا يقتصر على التحيز فقط، وإنما يتخطاه إلى ما يقول عنه مراقبون ونشطاء إنه (فبركة وتزييف حقائق)".

ورصدت زيادة "الخطاب التحريضي والعنصري في وسائل الإعلام المصرية حيث تعالت دعوات فض اعتصامات مؤيدي عودة الرئيس مرسي بالقوة، وتضمن بعضها تحريضا على العنف وسفك دماء المصريين. وتبنى الإعلام حملات شيطنة المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة؛ حيث وصفهم تارة بالمغيبين والمخطوفين ذهنيا، وتارة أخرى بـ(الإرهابيين المسلحين)، وتارة ثالثة بالقتلة المجرمين. ونظرت أوساط ثقافية مصرية باستغراب إلى ما تصفه بالضحالة الفكرية لدى بعض النخب التي تتصدر المشهد الثقافي والإعلامي في مصر".

وأفادت أن "28 قناة مصرية رسمية وخاصة خصصت تغطيتها لفعاليات المظاهرات تجاوبا مع دعوة السيسي بالنزول إلى الميادين لتفويضه من أجل مواجهة ما أسماه بـ"لإرهاب". وألغت هذه القنوات برامجها، وركزت تغطيتها على فعاليات تلك المظاهرات". وسجلت أن "مجزرة اعتصامي رابعة والنهضة سبقتها حالة من التمهيد الإعلامي للجماهير، بهدف إقناعها بضرورة الفض العنيف للاعتصامات، حتى لو أدى ذلك لوقوع خسائر كبيرة في الأرواح. واستمرت هذه الحملة الشعواء حتى تم فض الاعتصام بمجزرة تعد الأسوأ في تاريخ مصر الحديث. وعد الإعلام المصري الداعم للسيسي عملية الفض كأنها إنجاز قومي، ولم ير في هذه العملية إلا عملية نظيفة، وحاول تقديم المشرفين عليها إلى الشعب على أنهم فدائيون وأبطال. وتعمدت وسائل الإعلام المصرية المحسوبة على النظام الشحن والتعبئة ودق طبول الحرب مستخدمة كافة الأساليب، حيث تفننت في الكذب مثل الادعاء بوجود جثث أسفل منصة رابعة، وهو الأمر الذي لم يثبت صحته، وذهبت بعض التحليلات إلى تأكيد "فبركة" تلك الصور وتزييفها، مروراً بالادعاء بوجود أسلحة ثقيلة مثل صواريخ الجراد والأسلحة الكيماوية، ووصولاً إلى الافتراء المتعلق بـ(جهاد النكاح)".

وزادت: "بعد عملية فض الميدان وسقوط مئات الضحايا، هاجم بعض الإعلاميين رمز (رابعة)، وأكدوا أنه رمز غير مصري، لتجريم أي تعاطف إنساني مع المجزرة".

وأكدت غياب "تغطية المظاهرات المؤيدة لمرسي إلى حد كبير عن تغطية القنوات المصرية الرسمية والخاصة، والتي اقتصرت في تغطيتها على عرض لقطات محدودة من ميدان رابعة العدوية ضمن مظاهرات أخرى مؤيدة لدعوة السيسي، وكان التركيز الأكبر في تغطيتها على ميدان التحرير، وذلك بالرغم من استمرار اعتصامي رابعة والنهضة لأكثر من 40 يوماً بحشود هائلة".

وأظهرت الدراسة أن "النظام المصري بقيادة السيسي لم يظهر الكثير من الاهتمام بجعل وسائل الإعلام الحكومية أكثر انفتاحا وديموقراطية. وشهد الأداء الإعلامي المصري تراجعا كبيرا، حيث شهد ممارسات حادة ومنفلتة. وراوح الإعلام المصري مكانه في نفق عميق، على صعيد التنظيم والأداء والعائد، وتواصلت الانتهاكات بحق عدد من وسائل الإعلام والإعلاميين والصحفيين؛ وهي انتهاكات تنوعت بين الاحتجاز، والاعتداء، والاستهداف القضائي، بحسب عدد من المنظمات الحقوقية، وبين المنع، والتقييد، وفق عدد من الوقائع الموثقة. ومن بين الانتهاكات التي تم رصدها، استمرار غلق القنوات والصحف التابعة للتيار الإسلامي، ومنع بعض الكتاب والمذيعين من تقديم برامجهم، ومصادرة بعض أعداد الصحف وإجبارها على تغيير عناوين معينة أو إزالة مقالات. وتدل المؤشرات على أن نظام السيسي كان أكثر قسوة من سابقيه، حيث تم إلغاء عرض البرامج المعارضة والناقدة للنظام، كما قامت وزارة الداخلية بطلب عروض لشراء برمجيات لرصد شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت".

وتابعت: "لقد عكست تصريحات السيسي المتكررة، بشأن دور الإعلام وأهميته في بناء الدولة الجديدة، حتى قبل توليه السلطة، رؤية تنظر للإعلام بوصفه خادما للسلطة ومكرسا لشرعيتها من خلال إقناع الرأي العام بإنجازات الحكومة والحشد والتعبئة للشعب خلفها".

وخلصت الدراسة إلى أنه وبعد مرور نحو خمسة أعوام على ثورة 25 يناير، ما تزال مصر تعاني من وجود قطاع إعلامي سلطوي، وقيود على حرية التعبير. فالإعلام في مصر يتسم بدعمه للنظام. فعلى الرغم من استمرار الأزمات وتفشيها واتساعها خلال فترة السيسي، دافعت وسائل الإعلام هذه عن السيسي، ورأت بأن ما قام به إنجاز لا يتكرر، ويستحيل تحقيقه في أيّ عهد آخر. كما صورت وعود السيسي بشكل مبالغ فيه، وبنت آمالاً كبيرة على السيسي.
التعليقات (0)