مقالات مختارة

الحذر المضاعف مطلوب

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
زيارة السفير الإسرائيلي في مصر للكنيسة المرقسية بالإسكندرية خبر مؤسف ومقلق، كما أن التبريرات التي قيلت للزيارة بعضها مرتبك وغير مقنع وبعضها صادم ومزعج. أستند فيما أدعيه إلى النص الذي أبرزته صحيفة «الشروق» على صفحتها الأولى يوم السبت 24/9، الذي لم أجد تصويبا له أو تكذيبا خلال الثماني والأربعين ساعة التالية. الخبر المنشور نسب إلى مصدر كنسي ما يلي: إن لقاء السفير الإسرائيلي مع ممثل الطائفة الأرثوذكسية تم بناء على طلب من السفير المذكور وليس بترتيب من الكنيسة ــ إنها كانت زيارة «مفاجئة» ولم تستغرق أكثر من نصف ساعة ــ إن السفارة تقدمت بعدة طلبات سابقة لمقابلة الطوائف المسيحية في الإسكندرية، إلا أنها جميعا قوبلت بالرفض الذي تم في السابق «لأن موقف الكنيسة الوطني كان واضحا في هذا الشأن».

هل يمكن أن نصدق حقا أن الزيارة كانت مفاجئة؟ مبلغ علمي أن السفراء لا يقومون بزيارات مفاجئة للجهات التي يقصدونها، ولكن الأمر لابد أن يرتب بإخطار مسبق، سواء للقاء المسؤولين في تلك الجهة، أو للجهات الأمنية التي لها دورها البديهي في هذه الحالة، خصوصا مع السفير الإسرائيلي الذي يحتاج إلى تأمين من نوع خاص. لا يخفف من وقع التصرف أن يكون الرجل قضى نصف ساعة فقط مع المسؤولين في الكنيسة أو قضى أكثر من ذلك، لأن التحفظ ليس على مدة الزيارة ولكن على مبدأ القيام بها باعتبارها شكلا من أشكال التطبيع، الذي يستفز الرأي العام ويسوغ استنكاره. ناهيك عن أنه ليس مفهوما أن يقال إن الزيارة كانت مفاجئة، وإنها كانت بطلب من السفير وليس بترتيب من الكنيسة.

يقترن الاستياء بالحيرة حين نلاحظ ما ذكر في الخبر عن أن السفير الإسرائيلي سبق له أن طلب زيارة الكنيسة، ولكن ذلك الطلب رفض عدة مرات. تنضاف إلى الحيرة الدهشة وخيبة الأمل حين يفسر الرفض السابق لطلبات الزيارة بأنه راجع إلى أن الموقف الوطني للكنيسة كان واضحا آنذاك. وهو ما نستدل منه أن الرفض كانت له أسبابه الوطنية، ونفهم منه أن الأمر لم يعد بالدرجة ذاتها من الوضوح الآن. وإذا جاز لي أن أعيد صياغة الكلام بصورة أكثر دقة، فقد أقول إن الكنيسة كانت تتعامل بحذر مع الموضوع الإسرائيلي في السابق. خصوصا أن نظام مبارك كان مع التطبيع الحذر، لكنها تخلت عن ذلك الحذر في الوقت الراهن، باعتبار أن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب أصبحت أكثر دفئا. وأن الكلام عن السلام البارد الذي ظل عنوانا للعلاقة في السابق، جرى التراجع عنه في الوقت الراهن، بحيث أصبح الكلام أكثر إفصاحا وجرأة، حتى صرنا نقرأ تصريحات تصف العلاقة مع إسرائيل بأنها من قبيل السلام الدافئ وليس البارد. وهي صياغة قلبت الآية، بحيث صار السلام باردا مع الفلسطينيين وقطاع غزة بوجه أخص، ودافئا مع الإسرائيليين.

لا نستطيع أن نتجاهل في هذا الصدد أن الزيارة التي قام بها البابا تواضروس بطريرك الكرازة المرقسية على رأس وفد كنسي للقدس في شهر نوفمبر من العام الماضي (2015) ــ وهي الأولى من نوعها منذ 53 عاما ــ كانت خطوة لها دلالتها على درب العلاقات «الدافئة» المشار إليها مع إسرائيل. ومعروف أن المجمع المقدس كان قد أصدر في شهر مارس عام 1980 منع سفر المسيحيين للحج في الأراضي المقدسة عقب اتفاقية كامب ديفيد.

هذه الخلفية تنسجم مع التحليل الذي أورده بيان بعض المثقفين الأقباط الذي انتقد رعاية الكنيسة للمظاهرات التي رتبت لاستقبال الرئيس السيسي في أثناء زيارته للأمم المتحدة، حين ذكر أن القيادة الكنسية الراهنة أصبحت منذ الثالث من يوليو عام 2013 لاعبا سياسيا حريصا على الاندماج مع النظام القائم، بأكثر من حرصه على التفاعل مع الحراك المجتمعي والمسار الديمقراطي.

إن حرصنا على نقاء صفحة الدور الوطني للكنيسة المصرية يدفعنا إلى التضامن مع الدعوة إلى تصويب الدور الذي تقوم به، فلا نطالبها بأن تمضي على درب «لاهوت التحرير» في أمريكا اللاتينية، أو أن تحذو حذو الكنيسة في الأرض المحتلة، ولكننا نتمنى لها أن تحافظ على موقعها كقيادة روحية تتعامل بحذر مع الشأن السياسي بحيث يظل تفاعلها مع الرأي العام للمجتمع المصري مقدما على حسابات النظام في المرحلة الراهنة. وهو حذر ينبغي أن يتضاعف حين يتعلق الأمر بالشأن الإسرائيلي؛ ذلك أن أي مطلع على التفكير السياسي في إسرائيل، يعرف أن محاولتها اختراق المجتمعات العربية وكسرها للحصار العربي لها كان يعول كثيرا على التواصل مع الأقليات الدينية والعرقية، وهي خلفية تلقي ظلالا من الشك على براءة هدف السفير الإسرائيلي من زيارة كنيسة الإسكندرية.

الشروق المصرية
1
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
الإثنين، 26-09-2016 12:24 م
الاختطاف ................. أن الاختطاف يحول المختطف من حر سيد نفسه و قراره إلى عبد مستعبد لخاطفيه أن شاءوا باعوه في سوق النخاسة و أن أردوا سخروه في الأعمال الشاقة التي قد تكون مهلكة له . و هنا عدة أسالة : - ألم تختطف الكنيسة المصرية بعد أحداث ماسبيرو و دهس مينا دانيال و رفاقه تحت عجلات المدرعات أثناء فعاليات ثورة 25 يناير 2011 ؟ ألم يمت أسد المجمع المقدس الكنسي للكنيسة الأرثوذكسية النابض قلبه بالوطنية " البابا شنودة الثالث " ؟ ألم تختطف مصر بأكملها في انقلاب 30/6 الذى رافده الداخلي عسكر مصر الذين صرح قائدهم الأعلى أن حرب أكتوبر أخر الحروب مع الكيان الصهيوني و رافده الخارجي أمريكا الراعي الرسمي و الرئيسي للكيان الصهيوني ؟ و عندما نجيب على أنفسنا نجد أن السلام البارد مع الكيان الصهيوني من المنطقي أن يتحول إلى سلام دافئ و علينا أن نتوقع لعبة أمريكا و الغرب المعتادة مع المناطق المستهدفة من العالم و مصر جزء منها و هذه اللعبة في ملخصها تأليب طوائف أو ديانات أو عرقيات أو أقليات حتى تدخل مصر في دوامة صراعات تضعفها و تفت عضدها ككيان متماسك فتصبح لقمة سائغ تبتلع و لا عزاء لأهلها أو أصحابها أو نخبتها أو مثقفيها و زيارة سفير الكيان الصهيوني للمجمع المقدس الكنسي للكنيسة الأرثوذكسية بداية يتبعها سلسلة حتى يبلغ الكيان الصهيوني و أمريكا و الغرب المرام باستخدام أقباط مصر كديانة و أقلية في تحقيق أهدافهم و خاصة أن الكنيسة الأرثوذكسية مختطفة مطوعة بيد عسكر مصر ؛ فهل للمختطف من سبيل لينقذ نفسه و يحمى ديانته و طائفته و مصر بأكملها ؟ هذا هو المنتظر منه لأن وطنيته مشهود بها عبر تاريخه المجيد