يُعد العمل الصحفي بمصر في ظل حكم الانقلاب العسكري "مغامرة"، بسبب حالة التخويف والترويع التي فرضتها السلطات على الحالة الصحفية، وما يمكن أن يتعرض له الصحفيون من ملاحقة أمنية، وزج بالسجون، ما يدفع كثيرين منهم إلى استخدام أسماء مستعارة.
ووفق لجنة حماية الصحفيين الدولية؛ فإن عدد الصحفيين في سجون
مصر هو الأعلى في تاريخ الحياة الصحفية، "حيث تستخدم السلطات الأمن القومي ذريعة للتضييق على حرية الصحافة".
وبحسب الشبكة العربية لمعلومات
حقوق الإنسان؛ فإن نحو 60 صحفيا يقبعون في سجون الانقلاب بمصر. ووثق المرصد العربي لحرية الإعلام والتعبير؛ مقتل أربعة صحفيين في عام 2015 وحده.
بيئة معادية للحريات
ووصف الباحث في المرصد العربي لحرية الإعلام، أحمد أبو زيد، بيئة العمل الصحفي في مصر بأنها "بيئة معادية لحرية الرأي والتعبير".
وقال لـ"
عربي21" إن "النظام الحالي يحارب أي صوت مخالف له، ويحجب الحقائق، ويزيف الوقائع، وينتج صورا غير حقيقية".
وأضاف أن "مناخ العمل الصحفي يعمق حالة العداء للتنوع والرأي الآخر، والمعالجة المختلفة، حتى بات شعار الصحافة (اكتب ما يُملى عليك.. صوِّر ما نسمح بتصويره)"، مشيرا إلى أن كل ذلك "أثر بالسلب على وضع الصحفيين، وخصوصا منتقدي النظام منهم، ولنا في الصحفيين السجناء عبرة".
ولفت إلى تشابه عناوين الصحافة العاملة في مصر، بسبب الخضوع لإملاءات النظام، أو خوفا من بطشه، قائلا: "كافة الصحف اليومية، بل حتى الأسبوعية، تتشابه في العناوين والمعالجة والطرح، حتى باتت اليسارية تشبه الليبرالية، والاشتراكية تشبه الحكومية، ولا يوجد ما كان يتعارف عليه بأنها صحف معارضة، إلا ما ندر من تلميحات هنا، وإشارات هناك".
الحبس أو المغادرة
بدوره؛ قال الصحفي والمحلل السياسي، محمد الخطيب، إن "الصحفي المعارض للنظام يتعرض للكثير من المضايقات في كل مراحل عمله"، مشيرا إلى أنه "أحيانا؛ يتعذر الإفصاح للمصدر عن المؤسسة التي يعمل لها، خوفا من إحجامه عن التعامل معه".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "العديد من الزملاء تعرضوا لتتبع مراسلاتهم، ورصد المواقع التي يعملون لصالحها، وتم اعتقالهم، وقضوا مددا طويلة في السجن، وبعضهم صدرت بحقه أحكام قضائية، ما دفع كثيرين منهم إلى مغادرة البلاد".
وشدد على أن "العمل الصحفي يحتاج في المقام الأول إلى جو من الحرية المطلقة، بداية من حرية تداول المعلومات، وانتهاء بحرية نشرها وتداولها بشكل مطلق"، مشيرا إلى أن "الصحفي لا بد أن يعمل من خلال مؤسسة، وليس بمفرده، ومن هنا كان تركيز النظم الفاشية على مصادرة مؤسسات الصحافة والإعلام، وتأميمها، ومنع المعارضين من امتلاك مؤسسات قوية قادرة على التأثير في الشعوب".
حرية الصحافة لا تكفي صحفيا واحدا
من جهته؛ رأى أستاذ الإعلام، طارق الشوربجي، أن مصر "لا يوجد فيها صحافة معارضة، وإنما صحفيون معارضون فقط"، مضيفا لـ"
عربي21" أن "حرية الصحافة لا تكفي في مصر صحفيا واحدا".
وعزا لجوء الصحفيين إلى الأسماء المستعارة، وعملهم في مواقع وصحف خارج حدود بلدهم، إلى "خشيتهم من بطش الآلة الأمنية، وانخفاض سقف
الحريات، التي غالبا ما تكون متغيرة ومرتبطة بقدرة الصحفي على مواجهتها، وبالتشريعات الخاصة بحرية الرأي والتعبير".
وقال الشوربجي إن "الصحفي يعلم أنه في مهنة يصعب عليه فيها إرضاء جميع الأطراف، وربما يتعرض للتهديد أو المخاطر باختلاف الظرف والبيئة التي يعمل فيها".
يحدث للمرة الأولى
وعلى الصعيد الحقوقي؛ قال الأمين العام لمؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، علاء عبد المنصف، إن "الأنظمة القمعية، ومنها النظام المصري الحالي، تخشى دائما من أصحاب الأفكار، الذين يمتلكون أدوات التواصل مع الجماهير والشعوب. والصحفيون يتربعون على عرش هؤلاء".
وأضاف لـ"
عربي21" أنه "كلما كانت الصحافة مستقلة ومحايدة؛ أثرت في الشعوب أكثر، لتوضيحها الصورة كاملة لهم، والبناء عليها"، مضيفا أن "مؤسسة عدالة رصدت انتهاكات شديدة ضد الصحافة والصحفيين من قبل النظام الحالي لم يسبق لها مثيل في الأنظمة السابقة".
وأوضح عبد المنصف أنه "لأول مرة في تاريخ نقابة الصحفيين؛ يمنع الصحفيون من دخول مبنى النقابة، ولأول مرة يقبض على صحفيين من داخل النقابة، ولأول مرة يحاكم نقيب الصحفيين بهذا الشكل المهين"، مشيرا إلى أن تسعة صحفيين لقوا حتفهم خلال السنوات الثلاث السابقة، "ناهيك عن الأحكام المتعددة والاعتقالات التي طالت شريحة واسعة من الصحفيين".