مقالات مختارة

تخابر وتآمر.. وتؤمر يا باشا

فايز الفايز
1300x600
1300x600
في الدول المحكومة بالتخلف السياسي فقط يهتف الناس للرئيس: "بالروح بالدم نفديك يا ريس"، ثم إذا ما مال الدهر عليه ميلته الكاسرة، خرج الهتّافون ليصدحوا للرئيس المُنقلب: "بالروح بالدم نفديك يا ريس".

ولكن هل بقيت روح لدى الشعب أم بقي دم لدى حكام الصدفة والتعليمات، هذه لعنة طاردت العالم العربي منذ خرجت علينا الجمهوريات العسكرية واليسارية والاشتراكية والقومية العلمانية الكاذبة، فقد انقلبت منذ تاريخ نشوء الحكم العسكري المطلق انقلبت الشعوب إلى عبيد مستضعفين، وتحولت الأنظمة السياسية إلى فرق مسرحية تمثل على الشعوب، فيما السيد الرئيس يستغرق سنته الأولى وهو يعيش في حالة الصدمة، غير مصدق ما جرى له كي يصبح رئيسا بلا تاريخ ولا ولاية ولا نسب سياسي.

في عالمنا العربي وحده يحكم النظام اللاحق على رئيس النظام نفسه السابق بالإعدام أو بالمنع من الحياة الطبيعية أو ومنحه وسام السجن الأبدي، فرجال النظام المصري، الذي صفق وهلل، وتراكضت رجاله أمام الرئيس السابق محمد مرسي، الذي جاء عبر صناديق الانتخابات، هم من انقلب عليه، ثم حكموا عليه بالمؤبد، فيما لا تزال الدولة المصرية برمتها منقسمة حول النظام ورجالاته ورئاسته، في ظل عجزهم عن معالجة مشاكل البلد، والمحاكم تدار بالأوامر الباشاوية لا بالقانون.

في مصر يعيد التاريخ نفسه من جديد بصورة أكثر هزلية وسطحية ويجدد عهد الدكتاتوريات القومجية المندثرة، ففي العراق بعدما قتل العسكر والحزبيون العائلة الهاشمية المالكة هناك وسطّوا على الحكم، لم يكن يمر العام والعامان دون انقلاب أو محاولة انقلاب فاشلة، أو تصفية جسدية ضد أقطاب الحكم، حتى وصل إلى محاكمة الرئيس صدام حسين أمام محكمة عينها المحتل الأمريكي، ومع هذا صفق نصف العراقيين الشيعة والسنة للمحكمة، وهم من كانوا يصفقون لصورة صدام الملصقة على حائط مهجور في قرية نائية.

ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح على من نصبوا أنفسهم وطنيين وحماة للقيم الوطنية والبلاد المصرية، ما هو تعريف جرم التخابر مع دولة قطر؟ هل هناك رئيس في هذا العالم ممنوع عليه التخابر مع مسؤولين في دولة أخرى؟ أليس الرئيس هو من يملك صلاحيات تحديد الأولويات وأهميتها لخدمة الدولة رغم عدم اقتناع الشعب أحيانا؟ ونضرب مثلا: أولوية التعاون مع الكيان الإسرائيلي رغم أن الشعب المصري بمجموعه يرفض التطبيع ولا يقبل التعاون مع إسرائيل، هل هذه الأولوية التي يقوم بها الرئيس السيسي للتنسيق العسكري والأمني المشترك هي في خانة الخيانة التي يحاكم عليها القانون تحت تهمة التخابر مع دولة أخرى، أم أن لها "كفاّرة" عند أهل السحر والشعوذة السياسية، أم أن قطر هي دولة لا تزال تحت جزيرة سيناء وما حولها؟!

إذا كان المصريون يريدون فعلا العمل على خدمة مصر والمصريين وإبقاء مصر ركنا أساسيا في صناعة القرار العربي والقوة الشرق أوسطية، فعليهم أن يعيدوا قراءة خطة حكمهم لمصر وأساسها التعاون الكامل مع الأشقاء العرب والدول الخليجية التي لم تقصر مع مصر يوما وفي مقدمتها قطر، لا أن يضع المسؤولون هناك لوائح تجريمية خاصة بهم يدرجون فيها من يريدون ويخرجون منها من يحبون، ثم تخرج صحافة الطبل والرقص هناك، لتتهم كل كتّاب العرب ومثقفيهم وسياسييهم الذين يرفضون هذا التخلف الدكتاتوري بأنهم مرتزقة لدى قطر.

ما هذا العيب؟ وماذا يقول أولئك عن انقلابهم في غضون ساعات من التطبيل لمرسي إلى شتيمته؟ وهنا أحدد بأنهم قادة الصحف ومن يقودها من الخلف لا جماهير الصحفيين والمثقفين هناك، الذين يواجهون قمع جهاز النظام اليوم.

إن مصر إذا بقيت على هذا المسار العسكري المتشنج الرافض لأي فكرة جديدة للتغيير نحو الأفضل، لن تكون على خير في السنوات المقبلة، على العقلاء ومن عادوا إلى رشدهم بعد سنتين أن ينظروا لمستقبل مصر وأطفالها، وتجديد علاقاتها مع أشقائها العرب، عليهم انتخاب رئيس جديد على أسس أكثر التزاما بروح الديمقراطية التي فرضها الشعب وجاءت بمرسي رئيسا مدنيا من خلال صناديق الاقتراعن لأول مرة في تاريخ مصر؛ كي يصنع التغيير وينقذهم من الانهيار الاقتصادي والسياسي والأمني الذي يعيشونه. مصر التي كانت منارة نتعلم منها السياسة والصحافة والقانون والقضاء، أصبحت اليوم بحاجة إلى نقل دم فوري لإنقاذها مما هي فيه.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)