مقالات مختارة

ضياع بوصلة السياسة الخارجية العراقية

داود البصري
1300x600
1300x600
ثمة حقيقة ميدانية يمر بها الشرق القديم لا مجال لتجاوز معالمها وإرهاصاتها، تتمثل في الازدحام المفرط في الملفات والسيناريوهات المستقبلية لتقرير المسارات وتحديد الرؤى ومعالم الطريق، في ضوء المستجدات والتطورات المتسارعة والمتجهة نحو نهايات غامضة، في ظل تداخل الملفات وتزاحمها، وقد مثل الموقف الأخير لوزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري في اجتماع الجامعة العربية، وفي التصويت على قرار تجريم حزب الله واعتباره تنظيما إرهابيا، حالة من الصدمة والخروج الواضح عن اللياقة الدبلوماسية وعن أبسط مستلزمات التضامن العربي أو الاحترام المتبادل، فالجعفري لم يتورع عن وصف من يصف حزب الله بالإرهاب بكونهم هم الإرهابيين! وهذا تعبير جديد في عوالم السياسة العربية لم يسبق أن يكون قد حدث سابقا! وتجاوز الجعفري على الأعراف والقيم الدبلوماسية وتغليب الولاء الطائفي الأعمى على الحقائق الميدانية المجردة، يشكل حالة انفصام غير مسبوقة في الدبلوماسية العراقية التي غرقت كشأن قطاعات الدولة العراقية في ظلام التخلف والجهل والعدمية، والردة نحو مواقع ومسارات ظلامية لا تليق أبدا بالعراق وحضارته، التهجم على العالم العربي وعلى دول مجلس التعاون الخليجي تحديدا، التي تدير الصراع وفق رؤية محددة هدفها الأساسي حماية الأمن الإقليمي والقومي من مخاطر انقسامات طائفية مريضة، ورؤى إرهابية مستهلكة وفاقدة للصلاحية، ما هو إلا إغراق في ضياع سياسي ومنهجي حقيقي يعيشه العراق اليوم، وهو يعاني من ملفات انفجارية عديدة، ويخوض حروبا متنقلة في مختلف الجبهات، وبأدوات ومليشيات طائفية عدوانية همجية رثة، حفرت أخاديد عميقة من الكراهية وزرعت بممارساتها الإرهابية قلاعا للأحقاد، وأسست لانشقاقات مجتمعية عميقة رسخت للأسف حالة التراجع الحضاري العراقية التي نشهدها اليوم بشكل مؤثر ومؤسف، كان على وزير خارجية العراق وهو يدافع عن قلاع الإرهاب، ويسمم العلاقات العربية، ويتطوع ليكون داعية للإرهاب بدلا من رسول للدبلوماسية أن يلتفت أولا لمعاناة شعبه، وأن يتطوع ويتكرم ويتفضل بمتابعة مآسي العراقيين ويطلب العون العربي لملاحقة قاتل مجرم، هو ذلك البرلماني الإيراني نادر قاضي بور الذي اعترف علنا وأمام الأشهاد بقيامه ومجموعته العسكرية عام 1983 بقتل المئات من الأسرى العراقيين وفي العمق العراقي!!

وهي جريمة بشعة وشنيعة ضد الجنس البشري لا يسقطها التقادم، وتتطلب متابعة قانونية دولية وليست عراقية فقط، كما تتطلب حشدا دبلوماسيا لأخذ حق المغدورين ومواساة العوائل المنكوبة! إلا أن قائد الدبلوماسية العراقية وهو الجعفري لم يتصرف وفقا لمقتضيات منصبه وأولويات الملفات الوطنية، بل فضل الصمت المميت عن تلك الجريمة، وجنح صوب الدفاع عن الإرهاب -ويا للسخرية- عن الأطراف نفسها التي اقترفت جريمة إبادة الأسرى العراقيين!

طبعا لم نتوقع ولو في عوالم الأحلام أن يحرك الجعفري المنتمي أصلا لحزب طائفي هو في الأساس يعتبر جزءا من الآلة العسكرية والدعائية والتبشيرية الإيرانية، فالإناء ينضح بما فيه، ولكننا في المقابل لم نعتقد بأن الصلافة والعدوانية يمكن أن تصل لدرجة اتهام الأشقاء العرب والخليجيين بكونهم إرهابيين لمجرد أنهم تحركوا لحماية أمنهم وأمن مجتمعاتهم، وسلامة دولهم الإقليمية وحفاظا على الأمن القومي العربي.

بعد ماحصل، يبدو أن على الحكومة العراقية مراجعة موقف وموقع وتوجهات وزير خارجيتها الذي بات يشكل عنصر أزمة دائمة ومستمرة، فسياسة الانفصام والابتعاد عن ملامسة الواقع ومعايشة المستجدات والاندماج مع المحيط المجاور ليست المناسبة أبدا لحكومة، تحاول الخروج من عنق الزجاجة وتصبو للانعتاق من ظلمة الواقع البائس.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)