نشرت صحيفة هافنجتون بوست، الناطقة بالفرنسية، مقال رأي لعضو مجلس الشيوخ، ناتالي غولي، تحدثت فيه عن زيارتها التي قامت بها مؤخرا إلى
السعودية، بهدف الوقوف على حقيقة الأوضاع في المملكة والاتهامات الموجهة لها فيما يخص دعم
الإرهاب وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
وقالت ناتالي غولي، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن بعض الدول تماما مثل بعض الأشخاص، تلاحقهم الشائعات والسمعة السيئة، رغم كل ما يبذلونه من جهد لإثبات حسن نواياهم، وهذه الحال تنطبق على المملكة العربية السعودية التي تُتهم دائما بأنها تمول الإرهاب وتنشر الإسلام المتشدد. وهذا ما دفع بهذه البرلمانية لزيارة المملكة، ضمن لجنة فرنسية من أجل الوقوف على حقيقة الأوضاع في المملكة وطرح الأسئلة مباشرة على المعنيين بالأمر.
وقالت ناتالي، وهي عضو في لجنتي الشؤون الخارجية ومحاربة الجهاديين في مجلس الشيوخ الفرنسي، إنها قابلت وزير الحج لسماع رده على الاتهامات الموجهة للمملكة بالمتاجرة بالدين وتحقيق الأرباح من موسم الحج. وقد أوضح الوزير أن تأشيرات الدخول للحج تمنح بشكل مجاني، كما أن المملكة لا تحقق أرباحا من هذه الشعيرة المقدسة، بالنظر للمبالغ الطائلة التي يتم صرفها في وحدات الرعاية الطبية والمستشفيات الميدانية، وإجراءات الحماية من الأوبئة، وعمليات التدريب لأطقم الموارد البشرية المسخرة والمترجمين وموظفي الاستقبال، الذين توكل إليهم مهمة تنظيم هذه المناسبة التي تجمع ملايين الأشخاص من كافة أنحاء العالم.
وحول علاقة المملكة بالإرهاب، قالت غولي إن السعودية تقود تحالفا يضم 34 دولة يسعى للقضاء على تنظيم الدولة، وهذا الدور القيادي يعكس مدى وعي الرياض بموقعها، والمسؤولية الملقاة على عاتقها كلاعب رئيسي في المنطقة.
وبالإضافة إلى الإجراءات الأمنية التقليدية وعمليات التدريب المستمر التي تقوم بها بالتعاون مع عدة دول أخرى، اتخذت المملكة إجراءات جديدة لتجفيف المنابع المالية لتمويل الإرهاب، وقامت مؤخرا بإنشاء وحدة جديدة لمكافحة تبييض الأموال وقسم للتحقيقات المالية، وأجرت مراجعة للقواعد المنظمة لفتح الحسابات البنكية، ومراقبة المنظمات الخيرية، ما أدى إلى غلق 40 من هذه المنظمات.
وذكرت ناتالي غولي أن الأجهزة الأمنية في السعودية تمثل هدفا أساسيا للتنظيمات الإرهابية؛ حيث تعرضت المملكة في السنوات الماضية لأكثر من 152 هجوما إرهابيا، أدت لوقوع أكثر من 500 ضحية ضمن قوات الأمن، وهو ما يعني أن المملكة تخوض بشكل فعلي هذه الحرب ضد الإرهاب، ولكن وسائل الإعلام العالمية لا تغطي هذه المعركة بشكل كاف.
وفيما يخص مسألة مكافحة
التطرف ونشر الوعي بين صفوف الشباب المستهدف من قبل التنظيمات الإرهابية، بادرت المملكة منذ سنوات إلى إنشاء مركز محمد بن نايف لمكافحة التطرف في مدينة الرياض، وهو يوفر للمتطرفين بعد قضاء مدة سجنهم فرصة للاستفادة من برامج التأهيل، حيث يخضع كل شخص في هذا المركز لاختبارات نفسية معمقة للتأكد من رغبته الجادة في العودة إلى الطريق السوي وإعادة الاندماج في المجتمع، ثم يتم توفير العناية اللازمة لكل شخص وتقديم التدريب له، مع تقديم السكن وكل الاحتياجات المعيشية والتعليم والأنشطة الرياضية لهؤلاء لفترة معينة، حتى يسهل عليهم إعادة الاندماج في المجتمع.
ورأت غولي أن الاستراتيجية التي تعتمدها المملكة لإعادة تأهيل المتطرفين تستحق النظر فيها والنسج على منوالها؛ حيث إنها تقوم على مجموعة من الخطوات العملية والواضحة، التي تنطلق أولا بالتأكد من رغبة الشاب في العودة إلى حضن المجتمع، ثم توفير الوسائل اللازمة له للقيام بذلك، ثم مواصلة مراقبته بصفة دورية ومستمرة؛ للتأكد من انفصاله عن التنظيمات المتشددة، وتوفير التعليم والتدريب له، مع التأكيد على وضعه في محيطه العائلي السليم حتى يشعر بالراحة.
وذكرت البرلمانية الفرنسية أن هذا المركز، الذي يهتم أيضا برعاية عدد من النساء اللاتي تعرضن لغسيل الدماغ من قبل المجموعات المتشددة، بلغت نسبة نجاحه في إعادة تأهيل هؤلاء الضحايا حوالي 85 في المئة، من بين ستة آلاف شخص دخلوا إليه منذ افتتاحه.
واعتبرت غولي أن هذه السياسات البديلة التي تعتمدها المملكة تؤكد رغبتها الجادة في مكافحة الإرهاب بطرق غير تقليدية، بالإضافة إلى الطرق التقليدية التي تعتمد على المعالجة الأمنية، وهي بذلك تقدم نموذجا بديلا لنموذج التعامل الأمني الذي تقتصر عليه بعض الدول الغربية لمواجهة ظاهرة الإرهاب.
وقالت إن المملكة التي لا تتصدر عناوين الصحف العالمية إلا من خلال الحديث عن أحوال العائلة المالكة وأوضاع المرأة وتطبيق الشريعة، تستحق أن يتم التطرق إليها من جوانب أخرى أكثر إيجابية، تتمثل خاصة في عملية التطوير والتحديث التي يمر بها المجتمع السعودي، رغم أن هذه العملية تسير ببطء شديد حسب أغلب الملاحظين.
كما شددت هذه النائبة على أن المتابعين في
فرنسا وباقي أنحاء العالم، لا يحق لهم التنديد بعمليات الإعدام التي تجري في المملكة أو في إيران أو في الولايات المتحدة، بما أن كل دولة لديها خصائصها الثقافية والاجتماعية وواقعها الذي يملي عليها بعض القرارات.
وفي الختام، أكدت ناتالي غولي على أن كل دولة لديها برامجها ورؤيتها للمستقبل، وهي تتقدم حسب ما يناسبها من نسق ومن خطوات، والسعودية لا تشذ عن هذه القاعدة، فهي تطمح لأن تكون عصرية ومتقدمة، ولكن ليس على حساب تقاليدها وثقافتها التي تختلف عن الثقافة الغربية. أما فيما يخص محاربة الإرهاب، فهي بالتأكيد وبكل وضوح دخلت منذ زمن في معركة فعلية ضد تنظيم الدولة، وفق قول غولي.