كتاب عربي 21

أنا شاركت في ثورة 25 يناير

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
هناك أحداث قليلة في حياة كل منا تصنع تغييرا جذريا لا تعود بعده الحياة كما كانت قبلها، هكذا كانت ثورة 25 يناير الحدث الأهم في حياتي وحياة جيلي الذي أنتمي إليه، كل من شارك في الثورة من بدايتها لم يكن يتخيل أنها ستصبح أعظم حدث إنساني في حياة المصريين في العصر الحديث، بعد مرور خمسة سنوات على اندلاع ثورة يناير وتمكن الثورة المضادة وبطشها بكل ما له علاقة بالثورة ننشغل بلا إرادة منا في الدفاع عن الثورة وتبريرها وكأنها خطأ علينا الاعتذار عنه، هذا نتاج الحرب النفسية التي لم تتوقف على مدار السنوات الماضية لتشويه الثورة والثوار، لكن الحقيقة أننا تحت وطأة الضربات المستمرة نغفل عن التغير الإنساني والاجتماعي الهائل الذي خلقته الثورة في نفوسنا جميعا. 

لم يشعر المصريون بقيمتهم كبشر مثلما أحسوا أيام الثورة، عاد الإحساس بالآدمية وبقيمة الإنسان وقدرته على فعل ما يريد، شعر المصريون أن هذا وطنهم، عاد إحساس الملكية والانتماء يمازج قلوبهم بقوة بعد أن حرمهم الاستبداد من هذا الشعور وجعلهم يتعاملون مع وطنهم كغرباء لا يعنيهم أمره لأن الفاسدين والمستبدين هم الذين يقررون للوطن كل شيء وأي شيء!

نزل الناس للشوارع ينظفونها بمنتهى السعادة والحب، لم يكن هذا مشهدا عابرا بل دلالة على إحساسهم بعودة البيت لأهله، وقف الشباب ينظمون المرور، تدفقت المبادرات والحديث عن دستور الأخلاق الذى يجب أن يحكم حياة المصريين ،تحول كل شارع وحى وقرية الى خلية نحل، يجتمع الناس ويفكرون ويتناقشون كيف يطورون حياتهم للأفضل، تعالى الاحساس الجمعى بالانتماء، ارتفع صوت الابداع فى كل مناحى الحياة فهكذا تحت ظلال الحرية تتفجر المواهب وتبزغ للنور القدرات والملكات. 

شعر الناس أن كل أحلامهم ممكنة التحقيق ، شعر الناس أن كلمة المستحيل هى وهم لا معنى له بعد أن أسقطوا الاستبداد وسطروا صفحة جديدة من التاريخ يكتبها الشعب وليس حكامه، كل الاختلافات الفكرية والسياسية والدينية  توارت خلف حلم مشترك بأن تتحرر مصر من الظلام وعبودية الاستبداد، تواضع المتكبرون وانخفض المتعالون وصاروا يبحثون  عن رضا الشعب وقبوله، أعظم إنجازت ثورة يناير أنها جعلت الشعب هو السيد ووضعت من يحكمونه فى موضعهم الحقيقى كخادمين لهذا الشعب وأُجَراءُ عنده. 

أصبح الرأى العام قوة لا يستهان بها يخشاها الجميع ، تلفق المصريون بدايات التجربة الديموقراطية بشغف ورقى وحماس أذهل العالم، فالطوابير الطويلة الممتدة لعدة كيلو مترات من أجل التصويت فى الانتخابات كانت دليلا أن هذا الشعب يتمتع بوعى سياسى كبير لكنه يحتاج للشعور بالمصداقية والثقة فى نزاهة العملية السياسية والانتخابية حتى يشارك فيها بهذا الزخم المذهل. 

زال الخوف من قلوب الناس لأن كل مصرى شعر أن حقه سيعود إليه وأن هناك جمهورية جديدة تتشكل يتساوى فيها الناس تحت ضوابط القانون ولا يحدث تمييز بين غنى وفقير ولا قوى وضعيف، شُفى كثير من المصريين من أمراضهم النفسية وأوجاعهم المزمنة، بدت مصر كعجوز عادت لريعان شبابها وقمة جمالها وتأنقها. 

كل من عايش هذه اللحظات لن ينساها، لذلك كما يقولون من ذاق عرف ومن عرف لن يرضى أبدا أن يضيع ما تحقق له يوما ما، تغير كل شىء واصطبغ بالدماء والمرارة التى كست كل شبر فى مصر وبدا أن كل شىء تحول لما هو أسوأ من ذى قبل، رغم كل ما يحيط بنا من يأس وحرب لتكسير العظام وتركيع الهمم وتثبيط العزائم، نؤمن أن الثورات لا تستنسخ وأن الثورة لا تقوم إلا إذا كان عدم قيامها مستحيلا، نتعلم مما مضى ونستوعب الدروس القاسية ونعتذر عن الأخطاء الساذجة ونستعد للمستقبل الذى قد  لا يتراءى فى الأفق القريب  لكنه قادم لا ريب فيه، قادم بالحلم الجميل الذى سيتحقق ولو بعد حين..
التعليقات (1)
نبيل زيدان
الإثنين، 18-01-2016 01:35 م
وبعد أن شاركت فى 25 يناير ماذا فعلت؟ انقلبت عليها؟