يتعرض المستشار
هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في
مصر، لحملة انتقادات شرسة في وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب بعد تصريحاته عن وجود فساد هائل في مصر.
وكان جنينة قد أدلى بتصريحات صحفية الأسبوع الماضي أوضح فيها أن التقارير الرقابية التي أعدها جهاز المحاسبات كشفت وقائع فساد بمؤسسات الدولة كبدت الخزانة العامة خسائر بلغت نحو 600 مليار جنيه خلال عام 2015 فقط.
وأثارت هذه التصريحات جدلا واسعا، حيث أكد كثير من مؤيدي الانقلاب أن هذه التقديرات مبالغ فيها، خاصة وأن حجم الموازنة العامة لمصر يقدر بنحو 750 مليار جنيه، وتساءلوا كيف يصل حجم
الفساد إلى ما يقارب 75% من حجم الموازنة العامة للدولة؟
لكن مراقبين ونشطاء أوضحوا أن التقديرات التي ذكرها جنينة لحجم الفساد في مصر تتناول الفساد بشكل إجمالي وليس الفساد الحكومي وبنود الموازمة العامة فقط، كما أنه يشمل تقديرات لتكلفة الفرص البديلة والأرباح الضائعة على الدولة جراء الفساد وإهدار المال العام.
اتهامات بضرب اقتصاد مصر
وكان النائب العام المستشار نبيل صادق، قد أحال، السبت، لنيابة أمن الدولة العليا بلاغا مقدما من المحامي المقرب من الأجهزة الأمنية سمير صبري، ضد المستشار هشام جنينة للتحقيق فيه.
واتهم صبري، في البلاغ، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بضرب الاقتصاد القومي عن طريق نشر أخبار كاذبة عن مؤسسات الدولة تشوه سمعتها وتشكك في نزاهتها ونزاهة الأجهزة السيادية والرقابية بالبلاد.
وأضاف المحامي في بلاغه: "لو صحت تصريحات جنينة فإن عليه الإفصاح عن أسماء المتورطين في قضايا الفساد لمعاقبتهم بدلا من التحدث عن تقديرات وهمية تصيب المواطنين بيأس من الإصلاح، وتتسبب في إحجام المستثمرين الأجانب عن القدوم إلى مصر".
وقال الفقيه الدستوري "نور فرحات" إن المستشار هشام جنينة أبلغ النائب العام ورئيس الدولة بالعديد من المخالفات، ورغم ذلك لم يتحرك أحد للتحقيق فيما يزعمه من فساد، وبدلا من ذلك يطالب البعض بالتحقيق معه على الرغم من أنه المسؤول الأول في الدولة عن حماية المال العام.
لجنة تقصي حقائق
وفي أول رد رسمي، أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا، السبت، أكدت فيه أن عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، قرر تشكيل لجنة لتقصي الحقائق ودراسة ما جاء في تصريحات جنينة.
وأكدت الرئاسة في بيان، أن اللجنة ستكون برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وعضوية ممثلين عن وزارات التخطيط والمالية والداخلية والعدل، والمستشار هشام بدوي، نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.
وتم تكليف اللجنة، بإعداد تقرير عاجل لعرضه على السيسي وإطلاع الرأي العام على نتائج أعمالها في إطار من الشفافية الكاملة، بحسب البيان.
وتشهد العلاقة بين النظام الحاكم والمستشار هشام جنينة توترا شديدا، حيث يعد الرجل المسؤول الوحيد الذي تم تعيينه في عهد الرئيس محمد مرسي ولا زال باقيا في منصبه على غير رغبة النظام، كما يقول مراقبون.
وكان السيسي قد أصدر قرارا قبل أسبوعين بتعيين نائبين جديدين لجنينة، بدون استشارته، أحدهما على علاقة سيئة به وهو المستشار هشام بدوي، المساعد السابق لوزير العدل أحمد الزند، في إطار الضغط عليه لإجباره على الاستقالة حيث يحظر الدستور إقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات باعتباره جهة رقابية مستقلة ولا تخضع لسيطرة رئاسة الجمهورية أو الحكومة.
"مش دورك"!
وشن إعلاميون حملة شرسة على "جنينة" وصلت إلى حد المطالبة بإقالته من منصبه ومحاكمته، وسط اتهامات له بتعمد الإدلاء بهذه التصريحات قبل ذكرى ثورة يناير 2011، لإثارة الرأي العام.
وقال الإعلامي أحمد موسى، إن هشام جنينة أصبح في موقف صعب، فإذا ثبتت صحة تصريحاته عن الفساد، فسوف يتم تكريمه، وإذا تبين عكس ذلك فستتم إقالته من منصبه فورا ومحاكمته قضائيا بتهمة تشويه سمعة الشعب والدولة.
أما تامر أمين فهاجم جنينة قائلا: "مش دورك إنك تقول تصريحات، لو فيه فساد في أجهزة الدولة قدم تقريرا بالأدلة لرئاسة الجمهورية والنائب العام للتحقيق فيه بدلا من تلك التصريحات التي تسبب جدلا كبيرا في الشارع".
بينما ذهب الصحفي علي السيد أبعد من ذلك واتهم هشام جنينة، في حوار مع قناة "القاهرة والناس"، السبت، بتنفيذ خطة دولية لنشر الفساد داخل الأجهزة الحكومية في مصر.
وانتقد الإعلامي "أسامة كمال" رئيس الوزراء شريف إسماعيل بسبب صمته على تصريحات جنينة التي لا دليل عليها، وتساءل لماذا لم يتقدم رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ببلاغ للنيابة العامة للتحقيق في هذا الحجم الضخم من الفساد؟
وهدد النائب البرلماني مصطفى بكري باستدعاء رئيس جهاز المحاسبات في مجلس النواب لمحاسبته على تصريحاته الأخيرة.
وتساءل بكري خلال برنامجه على قناة "صدى البلد" قائلا: "ما سر اختيار جنينة لهذه الأيام التي تسبق ذكرى 25 يناير ليتحدث عن الفساد في العام الذي تولى فيه السيسي رئاسة الجمهورية؟". لافتا إلى أن تقارير سابقة أصدرها جنينة واتهم فيها قضاة وقيادات في الداخلية بالفساد ثبت عدم صحتها، وكان الهدف منها هو التشكيك في نزاهة هذه الأجهزة.