أثارت التفجيرات المفاجئة والمشبوهة التي شهدها قطاع
غزة فجر الأحد الكثير من التساؤلات لأنها لم تكن متوقعة، ولكونها تحمل رسائل أكثر منها استهدافا حقيقيا لأي من شخصيات القطاع الذين لم يصب أي منهم بأذى. أما الأمر الآخر اللافت في التفجيرات فهو أنها استهدفت حركتي
حماس والجهاد الإسلامي معا، وليس "حماس" وحدها التي تحكم القطاع، وهو ما زاد من التساؤلات حولها، وعزز من التكهنات أن تكون رسالة وليست استهدافا حقيقيا.
وكان قطاع غزة قد استيقظ الأحد، ثالث أيام عيد الفطر المبارك، على خمسة تفجيرات ضربت عدة أهداف سرعان ما تبين أنها تعود لحركتي حماس والجهاد الاسلامي، فيما أعلن
تنظيم الدولة على الفور تبنيه لهذه الهجمات المفاجئة، ليكون بذلك قد نفذ أول عمليات عسكرية له داخل القطاع، وذلك في حال تبين صحة تبنيه بالفعل لهذه التفجيرات.
لكن التفجيرات فتحت الباب واسعا أمام جملة من الأسئلة أهمها التوقيت، حيث إن هذه التفجيرات تأتي بعد أيام قليلة من زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الى
السعودية ولقائه مع الملك سلمان، وهي الزيارة التي أغضبت
إيران ودفعتها إلى شن هجوم واسع على مشعل وحركة حماس. كما أن التفجيرات تأتي بعد نحو أسبوعين فقط على قرار حركة حماس حظر حركة "الصابرون" الموالية لإيران والمنشقة عن حركة
الجهاد الإسلامي، إضافة إلى أن هذه الأخيرة دخلت في خلافات حادة مع طهران مؤخرا بسبب الموقف مما يجري في اليمن.
التفجيرات التي جاءت بعد زيارة مشعل للسعودية، وبعد حظر حركة "الصابرون"، دفعت محللا فلسطينيا للقول إن "إيران ربما تكون أرادت إيصال رسائلها التحذيرية للفلسطينيين في غزة"، مستدلا على ذلك بأن "تنظيم الدولة موجود في سيناء منذ مدة طويلة ولم يستهدف قطاع غزة، ومن باب أولى أنه غير قادر في الوقت الراهن على خوض معركة جديدة بسبب تصاعد معاركه مع الجيش المصري".
لكن المحلل الذي تحدث لــ"
عربي21" لا يستبعد وجود احتمالات أخرى، من بينها أن يكون تنظيم الدولة قد قرر بالفعل نقل معاركه إلى قطاع غزة بعد أن تبين أن قوته تتصاعد في سيناء، ولم يعد الجيش المصري نفسه قادرا على حسم المعارك معه، إضافة إلى احتمال ثالث –بحسب المحلل- يتعلق بعناصر حركة فتح الموالين للقيادي المقيم في الإمارات محمد دحلان، والذين أثير حولهم مؤخرا الكثير من اللغط بسبب الأموال التي تدفقت عليهم في الآونة الأخيرة من الإمارات وسط أحاديث بأنها تهدف لتمويل "انقلاب دحلاني" يطيح بحكم حركة حماس.
ورغم وجود الاحتمالات الثلاثة، فإن المحلل الفلسطيني الذي طلب من "
عربي21" عدم نشر اسمه يقول بأن الأمر الوحيد الذي استجد على غزة مؤخرا، هو التقارب السعودي الحمساوي مع حظر حركة "الصابرون" والخلافات بين إيران وحركة الجهاد. أما تنظيم الدولة فموجود في سيناء منذ سنوات ولم ينفذ أي عمليات في القطاع، ورجال دحلان يتلقون التمويل الإماراتي هم الآخرون منذ سنوات ولم يتمكنوا من تنفيذ أي عمليات داخل القطاع.
ولاحقا للتفجيرات التي حدثت، فقد نفذت حركة حماس وأجهزتها الأمنية في غزة حملة اعتقالات طالت مؤيدين لتنظيم الدولة وغيرهم، لكن اللافت أنها حتى صباح الاثنين لم توجه الاتهام إلى التنظيم ولم تشر أي من مصادر الحركة إلى أن الاعتقاد السائد هو أن تنظيم الدولة هو الذي نفذ الاعتداءات.
وأمام وجود الاحتمالات الثلاثة التي لا يبدو أن لها رابعا، فإن التحقيقات التي بدأتها حركة حماس بشأن التفجيرات ربما تتمكن من حسم الإجابة، في الوقت الذي تستحوذ فيه هذه التحقيقات على أهمية استثنائية، لأن معرفة من يقف وراء هذه التفجيرات يعني معرفة الرسالة منها، فهل تريد إيران تحذير حماس من التقارب مع السعودية؟ أم إن دحلان ورجاله قد بدأوا التحرك للإطاحة بحكم "حماس" في القطاع؟ أم إن تنظيم الدولة قد غير البوصلة فعلا وبدأ التسلل من مصر إلى غزة؟