هل يدفع الجيل الشاب من الإخوان المسلمين باتجاه المواجهة، نتيجة لتواصل الملاحقة والقمع من النظام
المصري؟
هذا السؤال طرحته إريكا سولومون وهبة صالح في صحيفة "فايننشال تايمز". وقالتا إن الجيل الشاب يرفض وبشكل متزايد الالتزام بخط الجماعة، الذي يؤكد على أساليب اللاعنف في مواجهة سياسات الدولة البوليسية، التي يقف على رأسها الجنرال السابق عبد الفتاح
السيسي.
وجاء في التقرير أن الخلافات بين التيار التقليدي داخل الجماعة ظهر للعلن في سلسلة من المقالات والبيانات والنقاشات الحادة على وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت التابعة للجماعة الإسلامية، التي حظرت الحكومة المصرية نشاطاتها، وصادرت أموالها ومؤسساتها كلها.
وتبين الصحيفة أن الناشطين الشباب من جماعة الإخوان المسلمين رفعوا شعار "أي شيء إلا الرصاص"، ما يعني أن أي شكل من أشكال التخريب مقبول، طالما لم يستخدم فيه السلاح.
وتشير الكاتبتان إلى أنه في الوقت الذي أعلن فيه المتحدث باسم الشباب، واسمه محمد منتصر، أن الجناح القيادي الشاب الذي تم انتخابه قبل فترة، قرر اتباع ما وصفه بـ"الخط الثوري" بـ"آلياته كلها"، ملمحا إلى أن بعض أشكال
العنف يتم التسامح معها، إلا أن منتصر قال إن الجماعة صادقت على وثيقة وقع عليها عدد من علماء الدين في أنحاء العالم كله، وقد وصفت النظام المصري بـ"القاتل"، ودعت الوثيقة "لكسره بالوسائل الشرعية".
ويوضح التقرير أن قادة الجماعة الكبار يرفضون التحول نحو المواجهة. وينقل عن الوزير السابق في حكومة محمد مرسي، الذي لم يحكم سوى عام واحد، عمرو دراج، قوله: "لا نقبل بتحول الثورة إلى العنف أو المواجهة المسلحة".
وتقول الصحيفة إن الشرخ داخل الجماعة يهدد بإضعاف التماسك الاجتماعي لها، وهو الذي حافظ على بقاء الجماعة لمدة 90 عاما في مناخ سياسي لا يمكن التكهن بتصرفاته.
وتعلق الكاتبتان بأن أي محاولة للتصعيد واستخدام العنف ستعطي النظام المصري ذخيرة جديدة في المعركة لكسب الرأي العام المصري والعالمي، وقد يقود إلى مستوى عال من العنف في مصر، التي تحاول التعافي من أربع سنوات من الاضطرابات بعد ثورة عام 2011، التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.
ويذكر التقرير أن الحكومة المصرية استهدفت الإخوان المسلمين منذ عام 2013، بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي. ومنذ تلك الفترة سجن الآلاف من عناصر الجماعة وقادتها، وبينهم محمد مرسي، وحكم عليهم بالإعدام في محاكمات هزلية انتقدتها منظمات حقوق الإنسان، وهو ما ترك الجماعة في حالة من التشتت والفوضى.
وتلفت الصحيفة إلى أن عملية القمع تزامنت مع تصاعد العمليات المسلحة، التي تقوم بها الجماعة الجهادية "أنصار بيت المقدس"، التي أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة. وقتلت عمليات الجماعة مئتين من رجال الأمن والجيش، وامتدت عمليات الجماعة إلى العاصمة القاهرة وبقية المدن المصرية.
وتنوه الكاتبتان إلى أن السلطات المصرية لا تفرق بين "أنصار بيت المقدس" والإخوان المسلمين. وتحفل الصحف المصرية بالتقارير التي تعلن عن اعتقال أشخاص تقول إنهم من الإخوان المسلمين، حيث تم القبض عليهم وبحيازتهم أسلحة، واتهموا بالتحريض على العنف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن المحللين يقولون إن الجيل الشاب من الإخوان المسلمين، الذي انتخب ممثلوه في قيادة الإخوان العام الماضي، يتهم الرموز الكبيرة بأنها لم تدر مرحلة السلطة، وما أعقبها من تطورات بعد الإطاحة بالرئيس مرسي، بطريقة جيدة.
وتذهب الصحيفة إلى أن الجيل الشاب من الإخوان المسلمين لا يشعرون بالغضب من عمليات الملاحقة التي تعرض لها زملاؤهم ورفاقهم فقط، بل من الجيل القديم في الجماعة، الذين يدعون إلى رد عقلاني من أجل الحفاظ على ما تبقى من الجماعة.
وتجد الكاتبتان أنه على خلاف الجيل القديم، الذي يعتقد أن الدولة ستجد نفسها مجبرة للتصالح مع الإخوان، فإن الجيل الشاب يرى أنه لا توجد إمكانية لتحقيق المصالحة.
وتشير الصحيفة إلى مقال نشره موقع "نافذة مصر" المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين الشهر الماضي، تحدث أحد أعضاء مجلس الإرشاد محمود غزلان، عن سياسة رفض العنف التي تتبعها الجماعة، وهو ما أدى إلى نقاش حاد وردود فعل غاضبة ضد غزلان، الذي اعتقل الشهر الماضي.
ويورد التقرير أنه في رده على غزلان، كتب حازم سعيد، الذي يشارك بشكل مستمر في الموقع، وقال إنه نشأ في كنف جماعة الإخوان المسلمين، مدافعا عن "العنف" واستهداف أفراد بعينهم ممن "قتلوا أو اغتصبوا". ويقول سعيد: "إن الجيش المصري الذي يقتلنا، والشرطة المجرمة، ليسوا أهلنا. ومن يجلسون على كنباتهم ينظرون ويقرأون بأمن وراحة يجب عليهم العودة إلى مصر لتجربة حياة الملاحقة والإعدام والتعامل مع الجيش والشرطة في الشوارع".
وتنقل الكاتبتان عن الزميل الباحث في معهد بروكينغز شادي حامد، قوله: "أعتقد أن ما تغير هو أن الدولة التي ينظر إليها على أنها عدو يجب أن تهزم، لا أن تصلح أو يعاد تشكيلها". وأضاف: "رأينا في الأشهر الأخيرة انفتاحا نحو ما يطلق عليه (العنف الدفاعي)، وهو ما يثير الخوف، فمتى يتحول العنف الدفاعي إلى عنف هجومي؟".
وتورد الصحيفة ما يقوله يحيى حامد، الذي عمل وزيرا للاستثمار في حكومة مرسي، ويقيم في تركيا: "أنا قلق من الاستقطاب لدى الشباب، ولا أعني فقط الإخوان المسلمين، ولكن الثورة كلها".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى تحذير المحللين من أن أي ميل تجاه العنف ستكون له آثاره السلبية، ويرى المحاضر في جامعة "جون هوبكنز" خليل العناني أنهم "لو ذهبوا باتجاه العنف فإنهم سيخسرون على المستويات كلها". مشيرا إلى أن "العنف في الماضي كان اللاصق الذي ربط الجماعة، ولكنها الآن تقف على مفترق طرق، ويبدو لي أن النظام نجح في دفعها باتجاه
الانقسام".