أجمع عدد من المحللين والمراقبين والكتاب
المصريين على أن إعلان السلطات المصرية اصطفاف
قبائل سيناوية إلى جانب قوات الجيش والشرطة في حربها المعلنة على الإرهاب، وتسليح عناصرها من أجل الاستعانة بها، في مواجهة تنظيم "أنصار بيت المقدس".. إنما يعني إعلان وفاة للدولة المصرية، وبداية لحرب أهلية.
وحذروا من أن هذه الخطوة ستغذي العنف والإرهاب، وسترتد سلبا على الدولة، وستؤدي إلى مزيد من الخصام المجتمعي، والاحتراب الأهلي، وتفكيك الدولة نفسها، تمهيدا لانتقال هذا المشهد إلى أماكن أخرى من مصر، في الدلتا، والصعيد.
يُذكر أن الرئيس المصري بعد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي، كثيرا ما زعم أنه أنقذ البلاد من حرب أهلية، بعزل الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي من الرئاسة، متهما إياه بأنه كان يقود البلاد إليها.
وكانت تقارير صحفية زعمت أن قبيلة "الترابين" أعلنت الخروج إلى الشوارع، حاملة أسلحة ثقيلة، من أجل الحرب على تنظيم "أنصار بيت المقدس".
وتُعد "الترابين" واحدة من القبائل ذات الأصول العربية، وينتشر أفرادها في صحراء النقب وسيناء والعقبة وجنوب الخليل والقاهرة، ويصل تعدادها إلى قرابة 500 ألف نسمة.
الخطأ القاتل أم الخطايا
في البداية، حذر أشرف البربرى، في مقال بجريدة "الشروق"، تحت عنوان :"الخطأ القاتل"، الخميس، من أنه: "الآن وصلنا إلى أم الخطايا التي لا يمكن الصمت عليها، وهى السماح لقبائل
سيناء بحمل السلاح تحت سمع وبصر الدولة، بدعوى المشاركة في محاربة الإرهابيين".
وأضاف: "هذا السيناريو البائس هو إعلان وفاة الدولة في سيناء، لأن الدولة التي لم تهتم بتوفير متطلبات الحياة الكريمة لسكان منطقة، ولا تستطيع توفير الأمن لهم، لن يكون لها على هؤلاء السكان حق الطاعة، ولا الولاء، مهما امتلأت بيانات القبائل بعبارات الوطنية والانتماء".
وأشار البربري إلى أن "حكم الرئيس السوداني عمر البشير استعان بمسلحي القبائل العربية لقمع القبائل الإفريقية في دارفور فكانت النتيجة حربا أهلية أودت بحياة نحو 300 ألف قتيل بحسب بعض التقديرات. واستعان نظام الحكم العراقي بالقبائل السنية لمواجهة تنظيم القاعدة، فكانت النتيجة ظهور داعش. واستعانت باكستان بمسلحي القبائل ضد الجماعات المسلحة غير الموالية لها في أفغانستان، فكانت النتيجة ظهور حركة طالبان باكستان".
خصخصة مقاومة الإرهاب
في سياق متصل، قال الدكتور خالد منتصر، في مقال بالعنوان السابق، بجريدة "الوطن"، الخميس: "ليس معقولا أن نصل في مرحلة مكافحة الإرهاب لخصخصة الأمن، والحماية وتوزيع دمها على القبائل، بل الوصول إلى مرحلة الفرح الهستيري بدخول قبائل سيناء مجال الحرب ضد الإرهاب، واستعراض الأسلحة، والفوز بأي فوز في الشوارع، والكلام عن مشاركة فرد من القبيلة مع كل مدرعة، وتأجيج لعبة الثأر بين القبائل... إلخ".
وأضاف منتصر: "هذه العجلة الجهنمية ستعود فى النهاية لتحرقنا نحن، وتحرق كل آلياتنا الدفاعية والأمنية".
واستطرد: "هل الدولة شبح؟ هل الدولة أحيلت إلى الاستيداع؟ هل قبضة الدولة صارت مرتخية كالعجينة؟
هل دخلت سيناء مرحلة "الحرب الأهلية؟
تحت هذا العنوان، قال رئيس تحرير جريدة "المصريون"، محمود سلطان: "يبدو لي أن صناع السياسات في القاهرة، يعتقدون أنه يمكن استنساخ "الصحوات" في التجربة العراقية.. أو "شبيحة" بشار في سوريا.. وهو اعتقاد شيطاني.. سيلحق سيناء إلى النموذجين العراقي، والسوري: حرب أهلية لا نهاية لها".
حرب القبائل.. مرفوضة
وقال عباس الطرابيلي، بجريدة الوفد، الخميس، تحت عنوان: "حرب القبائل.. مرفوضة": "في الوقت الذي نطالب فيه بمشاركة شعبية، في مواجهة الإرهاب، نرفض سحب قبائل سيناء إلى حرب قبلية ضررها أكبر من نفعها".
وتابع: "إياكم وإشعال الحرب بين هذه القبائل، خصوصا في المناطق الحدودية الحساسة، لأن الخطر، كل الخطر، أن ترفع القبائل أسلحتها في وجه بعضها البعض.. لأن ذلك يعيد إلى الأذهان عصر غارات القبائل، وغزوات بعضها على بعضها، مهما كانت الأسباب.. ولأن ذلك -من وجهة أخرى- يسقط هيبة الدولة.. وينهى سيادتها.. فهمتم.. ولا مش فاهمين؟.
وتساءل الطرابيلي: لماذا نقع في هذا الفخ؟، وتابع: "إننا بذلك نشعل حربا أهلية في سيناء".
واستطرد: "الهدف هنا إشعال حرب القبائل لتزيد بحور الدماء، ويلتهب الصراع، ويصعب السيطرة عليه، بل وتشتعل حرب أهلية بين المصريين في الدلتا، والصعيد". مختتما: "إياكم وحرب القبائل.. فإنها إذا بدأت لا نعرف متى تتوقف".
عيسى: الدولة اتجننت
من جهته، أكد الإعلامي المؤيد للانقلاب إبراهيم عيسى أن "تطوع قبيلة الترابين للثأر من تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء"، هو إنهاء لوجود الدولة هناك، مضيفا: "الدولة كده اتجننت، وبتحول الأمور لحرب أهلية".
وأضاف عيسى -خلال برنامجه "30-25" على فضائية "أون تي في"-: "قيام القبائل بدور الجيش والدولة خطر رهيب بالمنطق السياسي، ويحول سيناء لمنطقة حرب أهلية"، متسائلا: "إزاي فيه قبائل تاخد دورك إنت في مواجهة الإرهاب".
واستطرد: "دي كارثة ومصيبة سوداء، ومسخرة".
وتابع: "إشراك القبائل في هذه المهمة سيؤدي إلى حرب أهلية، كما أنه ينتقص من سلطة الدولة، وسيتكرر هذا الأمر في معظم المحافظات، بحجة محاربة الإرهاب".
وأضاف عيسى: "نكلم بعد كده عائلتين في الشرقية، وكام عائلة في الصعيد، عشان نواجه الإرهاب.. هذا أمر يأخذنا إلى منعطف في منتهى الخطورة".
على الصعيد نفسه، حذر الإعلامي شريف عامر، من إشراك القبائل في محاربة الإرهاب.
وقال في برنامجه "يحدث في مصر"، على فضائية "إم بي سي مصر": إن إشراك القبائل في هذه المهمة يشكل خطرا حقيقيا على شكل الدولة.
واستطرد: "لابد أن تتحرك الدولة للتعامل مع هذا الموضوع؛ لأنها صاحبة الحق الوحيد في حمل السلاح".
خبراء يرفضون
ومتفقا مع الآراء السابقة، قال الخبير الاستراتيجي، اللواء طلعت مسلم، إن تشكيل قبيلة الترابين لجانا لمحاربة الإرهاب أمر مخالف لقوانين الدولة، لأن المعركة ستتحول في هذه الحالة إلى تصفية حسابات بين القبائل وبعضها، وهو أمر مرفوض لخطورته على أمن الدولة.
وحذر اللواء حمدي بخيت من أي دخول للقبائل على خط المواجهة؛ لأن ذلك سيؤثر على دور الدولة سلبا، وستتحول المنطقة إلى صراع قبلي، واقتتال أهلي، يصعب السيطرة عليه، كما قال.
وقال الخبير الاستراتيجي مجاهد الزيات إن الاستعانة بالقبائل مرفوض، لأن ذلك يمس هيبة الدولة، ويؤدي إلى نشوب حرب أهلية.
وقال مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد عبدربه، في مقال بعنوان "اغتيال وطن"، بجريدة "الشروق": "لابد للنظام السياسي من أن يتخلص من أوهام إمكان إبادة الخصوم أو تحقيق انتصارات نهائية عليهم".
وأضاف: "هناك أدوات قانونية وفكرية وثقافية واقتصادية وسياسية ثم في النهاية عسكرية للتعامل مع الخارجين عن القانون أو عن الدولة، أما سياسات عسكرة كل الصراعات وإنهائها بالضربات القاضية، فلن تأتي إلا بمزيد من الدم والعنف والإرهاب".