يذهب العديد من الحقوقيين والسياسيين إلى القول بأن نظام عبد الفتاح السيسي "القمعي" بدأ من حيث انتهى نظام حسني مبارك "الأمني"، الذي مثل مقتل الشابين خالد سعيد وسيد بلال في مراكز
الشرطة في الإسكندرية المسمارين الأخيرين في فترة حكمه الذي امتد نحو ثلاثة عقود.
وبالرغم من أن حالات
التعذيب الممنهجة والقتل خارج إطار القانون عادت بقوة وأشد عنفا منذ الانقلاب العسكري في الثالث من تموز/ يوليو عام 2013، إلا أنها خرجت من عباءة الصمت والكتمان من مكان واحد: قسم المطرية في القاهرة.
الشرطة والجيش فوق القانون
يرى مدير البرنامج العربي لنشطاء
حقوق الإنسان حجاج نايل أن الشرطة والجيش في
مصر يتصرفان من منطلق أنهما فوق القانون. وقال لـ"عربي 21": "الشرطة لم تتعلم الدرس في 28 كانون الثاني/ يناير، وما تقوم به هو انتقام لما حدث لها في ذلك اليوم، ولا تفرق بين معارض وآخر".
وحذر نايل من استمرار الشرطة على هذا النحو "الذي سيؤدي إلى تفجر الغضب، وستكون الشرطة أول من يدفع الثمن".
وعزا استمرار تصرفات جهاز الشرطة "العدوانية" إلى "طبيعة المناخ السياسي العام الذي يحجم من دور المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، التي تتعرض هي الأخرى للمضايقات والتضييق والتحريض من خلال الإعلام الموالي للدولة"، وفق قوله.
التعذيب والقتل لم يتوقفا حتى يعودا
أما الأستاذة الجامعية والناشطة السياسية ليلى سويف فرأت أن التعذيب في مراكز الشرطة والسجون المصرية لم يتوقف حتى يعود.
وقالت لـ"عربي21": "لم تتوقف الشرطة عن سياسة العنف والتعذيب إلا لشهرين بعد أحداث (ثورة 25) يناير، وأناب الجيش عنها خلال فترة غيابها".
وتابعت: "أغلب حالات التعذيب لا نسمع عنها إلا بعد أن تصل للقتل، ويتواتر حدوثها، وتفوح رائحتها. هذا الجهاز مرفوع عنه أية مساءلة، و لا يزال يمارس دوره الأزلي في حماية نظام الحاكم"، حسب تعبيرها.
سياسة المقايضة بين الحرية والاعتقال
من جانبه، استنكر المدير التنفيذي لمركز هشام مبارك الحقوقي مصطفى أبو الحسن مقايضة الشرطة للمصريين بين الحرية أو الاعتقال.
وقال أبو الحسن لـ"عربي 21": "محاولة الشرطة مقايضة المصريين لن تنجح، وإن اختار البعض الركون فلن يستسلم الجميع، ولن يقبلوا المقايضة، وسوف يستمرون حتى نيل حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم التي سلبت منهم". وحذر من استمرار انتهاج قوات الأمن المصرية لسياسات البطش والتعذيب والقتل، قائلا: "إن 28 يناير ليس ببعيد".
وانتقد مركز هشام مبارك سياسة "الإفلات من العقاب" التي شجعت على استمرار ممارسات جهاز الشرطة القمعية.
واكد أبو الحسن أن "عقيدة الشرطة لم تتغير في يوم من الأيام، فهي تمارس القتل خارج نطاق القانون بشكل ممنهج، سواء في أماكن الاحتجاز أو مراكز الشرطة أو السجون، في مأمن من أي عقاب أو محاسبة".
القيادة السياسة تتحمل مسؤولية ما يحدث
وبشأن تعرض المنظمات الحقوقية لضغوط ومضايقات تكبل صوتها وتحجم عملها، قال مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ناصر أمين، إن "هذه المنظمات هي التي تفضح جرائم الشرطة بحق المعتقلين، وتتدخل قضائيا من أجل محاسبتهم عليها".
ووصف أمين عمليات التعذيب والقتل على يد عناصر الشرطة بـ"الأفعال الإجرامية" وغير المقبولة. وقال لـ"عربي 21": "أتصور أنه مع تزايد
الانتهاكات بحق المعارضة في الفترة الأخيرة فإنها لن تتوقف ما لم تتخذ إجراءات لإعادة هيكلة وتنظيم جهاز الشرطة". وأضاف: "القيادة السياسية هي المسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لإعادة هيكلة هذا الجهاز وتحمل تبعيات تصرفاته".
ترويع المواطنين سياسة التركيع
محاولات النظام ترويع الناس بواسطة جهاز الشرطة جزء من سياسة "التركيع" للشعب، وتأتي في إطار السياسة القمعية البوليسية، بحسب أستاذ العلوم السياسية سيف عبد الفتاح.
وقال عبد الفتاح لـ"عربي 21" إن سلخانات الشرطة صارت أمرا مقررا بعد أن بدا لهم أنهم حين لا يعاقبون يفعلون ما يشاؤون؛ فمؤسسات الانقلاب، سواء الشرطية أو العسكرية، تقوم على البطش، ولا تزال تروع الناس بوجودها في الشوارع".
وعزا تفاقم حالات التعذيب والقتل إلى رغبة الانتقام من شعب أراد الحرية وسعى لها مسعاها. وأكد أن "ثورة يناير شكلت عقدة لجهاز الشرطة، وأعطته درسا يحاول أن يتناساه من خلال تعذيب كل من يأتي تحت يده".
وحذر عبد الفتاح من عواقب سياسة التخويف التي تأتي في إطار "التطويع والتركيع" التي ستؤدي إلى درجات متفاوتة من الغضب الدفين وزيادة مساحته. وقال: "نحن أمام ظاهرة خطيرة قد تؤدي إلى حلقات من العنف المضاد، ولكني أدعو الشباب إلى التزام السلمية، وأن هذا الجهاز سينال عقابه، ويحاسب قريبا على جميع جرائمه".
سادية جهاز الشرطة تجاه المواطن
من جانبه، أكد حزب الأصالة السلفي أن تصرفات الشرطة تجاوزت الحدود، وأنها تنطوي على طبيعة سادية لديها من خلال عمليات التعذيب المفضية للموت، ليس لنزع الاعترافات الملفقة، وإنما لإرضاء شهوتها الانتقامية، حسب تقديره.
وقال المتحدث باسم الحزب حاتم أبو زيد لـ"عربي 21": "هذا الجهاز يتعامل مع ضحيته كما يتعامل الوحش مع فريسته التي لن يحاسبه أحد على التهامها".
ورأى أبو زيد أن تكرار حوادث القتل نتيجة التعذيب تكمن في طبيعة جهاز الشرطة وثقافته وأدواته التي أقرتها له السلطة. وأضاف: "الشعور بالاطمئنان في التعامل مع الضحية، يضاف إليه أنها ضحية بلا ثمن وبلا قيمة".
وعبر أبو زيد عن اعتقاده بأن "الإعلام شريك في التستر على تلك الجرائم لحفظ النظام من السقوط آخذين في الاعتبار ما حدث في السابق"، محذرا في الوقت ذاته من "عواقب وخيمة لا يتوقع أحد ماهيتها".