أثارت الأنباء المتداولة عن توزيع إدارة
السجون المصرية على المعتقلين السياسيين من مناهضي الانقلاب العسكري ما أسمته "إقرارات
توبة"، تقر بتصالحهم مع النظام الحاكم لغطا كبيرا، قبل أن يعلن معتقلو
الإخوان رفضهم لإجراء أي مساومات على مبادئهم.
وتتضمن هذه الإقرارات تبرؤ المعتقل من جماعة الإخوان المسلمين وفكرها، ونبذ العنف، والتعهد بعدم المشاركة في المظاهرات بعد الخروج من المعتقل.
وقال مصدر مطلع في جماعة الإخوان المسلمين من داخل مصر: "إن الجماعة لم تتخذ موقفا رسميا حتى الآن من هذه الإقرارات، وتوقع ألا تصدر الجماعة أي تعليق بشأنها حتى لا تعطى الأمر حجما أكبر مما يستحق".
لن تحل الأزمة
وأوضح المصدر الذي تحدث لـ "عربي21" شريطة عدم ذكر اسمه أنه "حتى لو وقع جميع المعتقلين من الإخوان وغيرهم على تلك الإقرارات، فإن الأزمة في مصر لن تحل"، مؤكدا أن "الوضع في البلاد أصبح بالغ التعقيد ولن يحل إلا بعودة الحقوق لأصحابها".
وأضاف: "من سيفرج عنه من المعتقلين لن يغير مبادئه، بل إن كثيرا منهم سيعود للمشاركة في المسيرات الرافضة للانقلاب فور خروجه من المعتقل كما فعل مئات المفرج عنهم خلال الأشهر الماضية، فيما سينتظر الباقون اللحظة الحاسمة ليشاركوا في الحراك مجددا بكل قوة لكسر الانقلاب".
وتابع المصدر: "النظام ينفذ توصيات الكاتب محمد حسنين هيكل، لمحاولة إحداث فتنة في صفوف الإخوان بهذه الإقرارات، في تكرار لما حدث في معتقلات عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي"، مشددا على أن "قادة الحراك الثوري يتجهون للتصعيد وليس المهادنة مع النظام، وقيادات الجماعة تعرف أن الشباب هم من يقودون العمل على الأرض ولن يتصالحوا على حساب دماء آلاف الشهداء".
وكانت حركة "محامون ضد الانقلاب" قد نشرت على صفحتها على فيس بوك بيانا بأن "الحرية متروكة للمعتقلين في التوقيع على إقرارات للتصالح مع النظام، التي يتم توزيعها على المحبوسين في السجون المختلفة".
وأكد مصدر آخر في جماعة الإخوان المسلمين أن "هذا البيان ليس صادرا عن الجماعة، وإنما عن "محامون ضد الانقلاب" الذي يتولى الدفاع عن جميع المعتقلين المناهضين للانقلاب من الإخوان وغيرهم، لإخلاء مسئوليته أمام أهالي المعتقلين ويوضح أن الأمر متروك لهم".
وأوضح في تصريحات لـ "عربي21"، أن "أكثرية المعتقلين من مناهضي الإنقلاب هم في الحقيقية من غير المنتمين تنظيميا لجماعة الإخوان، وبالتالي فليس للجماعة كلمة عليهم"، مشيرا إلى "أن هذه الإقرارات لم يتم توزيعها على جميع المعتقلين الذين يقدر عددهم بنحو 50 ألف سجين، ولكن تم عرض الأمر على عدد محدود منهم لمعرفة قدر التجاوب مع العرض".
المعتقلون يرفضون
وبحسب تسريبات من داخل عدة سجون، أعلن الغالبية الساحقة من معتقلي الإخوان رفضهم التوقيع على إقرارات التصالح مع النظام، مؤكدين تمسكهم بمواقفهم أيا كان الثمن.
فمن جانبه، قال المعتقل سامحي مصطفى مدير شبكة رصد الإخبارية، تعليقا على هذا العرض عبر "فيس بوك"، "نفس الأسلوب الرخيص بتاع الستينيات، أكتب تأييدا للنظام ومصالحة لتخرج، مع اختيار نوعيات معينة من المعتقلين لعرض الأمر عليهم، لكننا لن نساوم ولن نتصالح".
أما المعتقل مسعد البربري، المدير السابق لقناة "أحرار 25" التابعة للإخوان المسلمين، فقال: "الفاشلون يجمعون توقيعات داخل السجن للتصالح مع النظام، وينشرون الأمر في أوساط البسطاء من مؤيدي الشرعية وخصوصا غير المنتمين للجماعة، لكن رد فعل الأغلبية الساحقة من المعتقلين مشرف بفضل الله، ولم ينجحوا في استقطاب سوى نسبة لا تذكر وسط هذه الجموع، فقد بلغ عدد الموقعين عندنا في السجن 34 فقط".
وكتب الدكتور إبراهيم الزعفراني، القيادي بجماعة الإخوان ووالد المعتقل جعفر يقول: "طلبوا أيام الهالك عبد الناصر من الإخوان المحبوسين كتابة تأييد لعبد الناصر، وبدأت الفتنة بين المسجونين خاصة من كانت أسرهم تعيش ظروفا صعبة ومارسوا ضغوطا شديدة على المسجونين لكتابة التأييد ظنا منهم أنهم سيخرجون فور كتابتها، وللأسف بعد كتابة البعض للتأييد تم تجنيدهم كمخبرين، فطُلب منهم التجسس على إخوانهم حتى يطلق سراحهم، وظلوا يقدمون التنازل تلو التنازل حتى تركوا عباداتهم طمعا فى أن يفي الظلمة بوعدهم، وانتهى بهم الأمر إلى التحطم دينيا ومعنويا".
وزارة الداخلية تنفي
من جانبها، نفت وزارة الداخلية، وجود هذا العرض، وأكدت أن الوزارة لم ترصد توزيع أي إقرارات داخل السجون".
وأكد المتحدث باسم الداخلية اللواء هاني عبد اللطيف في تصريحات صحفية أن "دور الوزارة ليس طرح المبادرات السياسية، ولكن تنفيذ القانون، ولا تمتلك سلطة الإفراج عن أحد أو حبسه"، موضحا أن "النيابة العامة والقضاء هما الجهتان المنوط بهما هذا الأمر".
وقال خبراء قانونيون: "إن هذه الإقرارات تخلق مشكلة جديدة للمعتقلين، حيث تحوي اعترافا ضمنيا بارتكابهم جرائم جنائية يعاقب عليها القانون، في حين أنها لا تشمل أي تعهدات من جهة النظام في المقابل".
وأكد الخبراء أن "الإقرارات هي إجراء سياسي فقط، ولا يترتب عليها أي أثر قانوني، ولن تؤثر على نظر القضايا أمام المحاكم التي يفترض ألا تأخذ إلا بالأدلة المادية فقط لإدانة أو تبرئة أي متهم".