بدأ عدد من الشباب في قطاع
غزة، مؤخرًا، في
الهجرة غير الشرعية تجاه دول أوروبية، بعيدًا عما وصفوها بمدينة "الموت"، وبحثًا عن فرص عمل وحياة كريمة.
ودفع تردي الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في غزة، والتي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، والآثار التي خلّفتها الحرب
الإسرائيلية، العديد من الشباب لتحمل مخاطر ركوب البحر والتوجه نحو "مجهول"
أوروبا.
وأكد شباب هاجروا من قطاع غزة، أن هناك شبكة متصلة ببعضها البعض، بين غزة ومصر وإيطاليا، تنسق وتتواصل معهم بشأن طريق السفر وختم الجوازات، والأمور المالية، التي يدفعها كل شاب يرغب بالهجرة.
وقال شاب فلسطيني (رفض الكشف عن هويته)، هاجر إلى إيطاليا قبل عدة أيام، "العديد من أصدقائي سافروا سابقًا إلى السويد وإيطاليا ودول أخرى، ونحن لا نملك أي عمل في قطاع غزة، فلماذا نبقى هناك، فقررنا لحاقهم بنفس الطريقة".
وأوضح أن سفره تم "عبر إرسال جواز سفره لأشخاص معينين، وبدورهم أرسلوه لآخرين، ثم أعادوه له مختومًا بختم دخول دولة مصر، وتلك العملية مقابل دفع 100 دولار لهؤلاء".
ومضى قائلا، "ننتظر بعدها اتصالا من هؤلاء الأشخاص، لتحديد موعد الدخول إلى مصر، وذلك عبر نفق أسفل الحدود بين مصر وغزة".
وتابع الشاب، "عندما يأتي موعد السفر ندفع مبلغ (800 دولار أميركي)، لصاحب النفق لقاء سماحه لنا بالعبور، وبعد اجتيازنا النفق ووصولنا إلى سيناء نبيت في شقة سكنية، لدى أشخاص لهم اتصال مع المنسقين المتواجدين في غزة، وحسب الوضع الأمني بسيناء، تأتي إشارة التحرك نحو مدينة العريش ومن ثم للاسكندرية".
واستدرك "عند الوصول للاسكندرية، نبيت بشقق سكنية مدة تتراوح من خمسة لعشرة أيام، ننتظر وصول المركب التي ستحملنا، بعض المهاجرين يضطرون للسباحة لمسافة كي يصلوا المركب، والبعض تنقلهم مراكب صغيرة، حتى توصلهم للمركب الرئيسية التي ستحمل الجميع".
وتابع "بعد أن نصل للمركب التي ستُبحر، نتحرك نحو سواحل إيطاليا، وهذه المرحلة الأخطر في جميع مراحل الهجرة، تستغرق ما بين أسبوع حتى أسبوعين، وبالنسبة لي فقد مكثت أسبوعين بالبحر، وشربنا ماء البحر، وبدأ الطعام ينفد، بسبب التأخر في الوصول لإيطاليا، لظروف مناخية وأمنية".
وكما يقول الشاب المهاجر، فإنه "عند الاقتراب من سواحل إيطاليا، تأتي مراكب صغيرة تقلّنا على دفعات، حتى نصل إلى الشاطئ، وهناك يستقبلنا خفر السواحل الإيطالي، وتأتي لجنة طبية لفحصنا، والتأكد من سلامتنا، ويوفرون لنا الملابس والطعام، ويضعونا بشقق، ويسمحون لنا بالاتصال بعوائلنا، ويمنحونا ورقة تسمح لنا بالتجوال بحرية بالدولة".
"في هذه الفترة يجتمع معظم المهاجرين، وغالبيتهم من غزة وسورية، ويبدأ كل فرد منّا بتجهيز نفسه للسفر نحو الدولة التي يريد، وفي ذات الوقت نستكمل إجراءات دفع المبلغ المطلوب منا مقابل هجرتنا، وذلك من خلال الاتصال بعائلاتنا في غزة، ونرشدهم إلى المكان الذي سيدفعون فيه الأموال، وغالبًا ما يكونون أصحاب محلات صرافة الأموال"، وفقًا للشاب المهاجر.
وأضاف "بعد ذلك نسافر إلى الدولة التي نريد، ونحاول الحصول على الإقامة فيها، ومن ثم نبدأ رحلة البحث عن العمل، ففي بعض الدول نمنح إقامة لشهرين ومن ثم تزيد لتصبح دائمة، ودولة لستة أشهر، ودول لسنة، ودول أكثر من ذلك".
ويصف الشاب الرحلة بـ "الشاقة وقد تكلف المهاجرين حياتهم، لأنها هجرة غير شرعية، أو لجوء إن جاز تسميتها".
وتابع، "لم يجبرنا عليها سوى الوضع الصعب الذي نعيشه، من منا يرضى بالموت وترك أهله، وكل ما يملك، والسفر لمسافات طويلة عبر البر والبحر، للبحث عن لقمة العيش، فآلاف شاهدتهم من غزة، يتدفقون أسبوعيًا لإيطاليا، ويتفرقون بين الدول".
ومنذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني / يناير 2006، تفرض إسرائيل حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في حزيران / يونيو من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار، رغم تخلي "حماس″ عن حكم السلطة في غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية في الثاني من حزيران / يونيو الماضي.
قصة أخرى من شقيق شابين فلسطينيين لم يحالفهما الحظ في الهجرة من قطاع غزة، وفُقدت آثارهما منذ مدة، كما يقول شقيقهما الذي رفض الإفصاح عن هويته.
ويقول الشاب إن شقيقيه البالغين من العمر (18 عامًا- و21 عامًا)، "ألقي القبض عليهما من قبل السلطات المصرية عند مخرج النفق الذي تتواجد فوهته في مدينة رفح المصرية".
ويضيف الشاب، "علمنا من بعض أقربائنا في مدينة العريش أنهما أوقفا بأحد السجون هناك، وبعدها أخبرونا بأن أخي الأصغر بقي في سجن العريش، بينما الأكبر نقل إلى سجن مجهول داخل مصر، ومن ذلك الوقت انقطعت أخبارهما عنّا".
ووفقًا لشقيق الأخوين، فإن "مجموعة من الشباب كانت برفقتهما، تمكّنت من الهروب داخل مصر والسفر بأعجوبة لخارجها".
وأشار إلى أنه تواصل مع أحد المحامين لمعرفة مكان أخويه بالتحديد، وظروف اعتقالهما، إلا أنه طلب منه مبلغ (1300 دولار أميركي)، ليبدأ تحرياته، وهو لا يملك مبلغا كهذا.
وأضاف الشاب، "نحن لم نكن موافقين على سفرهم، لكنهما أصرا، واستدانا الأموال لأجل ذلك، وسافرا بشكل مفاجئ ليلا دون علمنا، إلا عندما تم الإخبار بإلقاء القبض عليهما، ونحن الآن نعيش معاناة لمعرفة مكانهما".
من جهته، قال "أبو عبد الله"، الذي رفض الكشف عن اسمه، وهو مقرب من أحد مالكي الأنفاق التي تستخدم لتهريب المهاجرين من غزة، إن عملية الهجرة متواصلة، وتقدر أعداد الشاب المهاجر بـ "الآلاف"، وفق قوله.
وأضاف: "لقد هاجرت عن طريقنا العشرات من النساء اللواتي لحقن بأزواجهنّ والأطفال، وآخر من سافر قبل يومين، هو رجل يبلغ من العمر 57 عامًا برفقة نجليه".
وأشار "أبو عبد الله" إلى أنهم يتسلمون مبلغ 800 دولار من كل شخص يرغب في الهجرة عن طريق النفق، سواء كان صغير السن أو كبيرًا.
وأكد أن الهجرة تتم بشكل يومي بأعداد كبيرة، لم يقدرها، ولكن منذ 10 أيام خفت بشكل تدريجي، بسبب التشديدات الأمنية المصرية في منطقة سيناء، وضبط عدد من المتسللين.
ووفقا لـ "أبو عبد الله"، فإن معظم الشباب المهاجر يقصد السويد أو بلجيكا أوالنرويج.
وقالت وسائل إعلامية محلية، "إن 15 فلسطينيًا على الأقل من قطاع غزة، لقوا مصرعهم، مساء السبت الماضي، فيما تم إنقاذ 72 آخرين، إثر غرق قارب كان يقلهم، قبالة شاطئ (العجمي) بمدينة الاسكندرية الساحلية في مصر، بينما كانوا في طريقهم إلى إيطاليا.
ونقلت صحيفة "القدس" المحلية عن عائلات في قطاع غزة، مساء السبت، قولها إنها تلقت اتصالات من جهات مصرية "حكومية"، أبلغتهم فيها بأن سفينة كانت تقلّ أقاربهم، قبالة سواحل الاسكندرية، في طريقها إلى إيطاليا، قد غرقت في البحر، فيما لم تعلق السلطات المصرية رسميا على الواقعة.
وأوضحت الصحيفة أن مصادر مطّلعة، قالت إن "160 فلسطينيًا كانوا على متن القارب الذي غرق قبالة سواحل الاسكندرية"، لافتة إلى أن خفر السواحل المصري أنقذ عددًا من المهاجرين ونقلهم إلى المدينة شمالي البلاد.
وقالت وسائل إعلامية إن القارب غرق نتيجة اصطدامه بحجر صخري ضخم في عرض بحر الاسكندرية، مشيرة إلى أن القارب كان يقلّ أشخاصًا من جنسيات سورية ومصرية أيضًا، كانت تحاول الهجرة "بطريقة غير شرعية" للوصول إلى إيطاليا، لكن لم يعرف عددهم أو مصيرهم.
وفي السياق، قال رامي عبدو، مدير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في غزة، إن "السبب الرئيس وراء هجرة العشرات من الشباب، هو الحصار الإسرائيلي المفروض على أكثر من 1.9 مليون مواطن يقطنون القطاع".
وأضاف عبدو: "يشعر الشباب بالخذلان من المجتمع الدولي الصامت على الحصار الإسرائيلي منذ سنوات، وفقدوا آمالهم التي علقوها عليه برفعه، خاصة بعد الحرب التي شنت على مدينتهم".
وتابع: "لدينا بعض الإفادات، بأن هناك تزايدا في معدلات الشباب المهاجر والراغب في ذلك، ولكن تبقى هذه الأرقام وفق معدلها الطبيعي والمعقول، وليست مخيفة".
وأضاف "ليس لدينا أرقاما محددة حول أعداد المهاجرين، فالعمليات غير الشرعية يصعب حصرها"، مشيرًا إلى أن العدد يصل إلى المئات، فتدمير الأنفاق شبه الكامل من قبل الجيش المصري، حدّ من استيعاب أعداد المهاجرين، التي قد لا تزيد يوميًا على 20 فردًا.
ومضى عبدو قائلا "لدينا معلومات تقول بأن العديد ممن يركبون البحر، يدعون بأنهم فلسطينيون قادمون من غزة، ظنّا منهم بأن إجراءاتهم ستكون أسهل، ولكنّهم في الحقيقة فلسطينيون من سورية، وبعضهم مصريون أيضًا".
وطالب بتدخل المجتمع الدولي وتحمل مسؤولياته تجاه أهالي قطاع غزة، والضغط على إسرائيل لرفع الحصار المستمر من ثماني سنوات.
ورغم المخاطر التي تحف رحلة الهجرة، كما يقول الشاب إسماعيل طلال، إلا أنه لا يعارض فكرة الخروج من قطاع غزة، والبحث عن "لقمة العيش"، في أي بلد أوروبي.
ويضيف طلال "21 عامًا"، "الوضع الاقتصادي في قطاع غزة يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، وهذا ما يدفعنا للتفكير بالهجرة بشكل جدّي، رغم ما للهجرة من سلبيات".
ويرى طلال بأن الحرب الإسرائيلية على غزة، وتدمير العديد من مصانع القطاع، مما زاد أعداد البطالة، وقلة فرص العمل، كانت سببا رئيسا في لجوء الشباب إلى الهجرة.
أما الشاب محمد كريّم، فيصف الحياة في قطاع غزة بأنها "متوقفة وميتة"، وأزماتها تزداد تعقيدًا، "فلم يبق الشباب هنا"، على حد وصفه.
ويقول كريّم:" هنا في غزة من ثماني سنوات نعاني من الحصار وأزمة الكهرباء والمياه، ومؤخرًا أزمة الرواتب، نحن نعيش في سجن كبير، لقد ضاقت بنا الحياة، تخيلوا أننا لا نستطيع السفر منذ سنوات، كل شيء ينقصنا".
ويضيف: "صحيح أننا عندما نهاجر بطرق غير قانونية ومخيفة، نحمل أروحنا على أكفنا وقد نخسر حياتنا، لكن ما من حل آخر، معظم من أعرفهم هنا لا يملك فرصة عمل، وأنا مع هجرة الشباب".
ويحمّل كريّم الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الأولى، فيما آلت إليه الأوضاع في غزة، مضيفًا "حركتا فتح وحماس أيضًا مسؤولتان عما يحدث لنا منذ سنوات، ونحن في تجاذبات سياسية، وعلقنا بعد الحرب آمالا كبيرة على رفع الحصار وتحسن أوضاعنا، لكن يبدو أننا دفعنا أرواحنا دون أي مقابل".
وتتساءل الشابة سارة أبو راس عن النتيجة التي سيحصدها الشباب من بقائه في قطاع غزة دون أن يجدوا أي عمل، وتقول "أصبحت نفسية الشاب مدمرة، يقضي سنوات من عمره وهو لا يملك أي مصدر دخل".
وتتابع: "نحن ندرس لسنوات على أمل أن نجد فرص عمل عندما نتخرج، ثم نتفاجأ بواقع مؤلم، وفقر مدقع، وننضم لركب أعداد البطالة التي تجاوزت الآلاف".
وأسفرت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، عن مقتل 2156 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 11 ألف آخرين، وذلك مقابل مقتل 68 عسكريا و4 مدنيين إسرائيليين، وعامل أجنبي، وإصابة 2522 إسرائيلياً، بينهم 740 عسكريا.
وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، يوم 26 آب / أغسطس الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع غزة، بشكل متزامن، مع مناقشة بقية المسائل الخلافية خلال شهر من الاتفاق.
ووفق إحصائية للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، فإن إسرائيل دمرت 195 منشأة صناعية في قطاع غزة، أثناء شنها حربًا منذ الـ 7 تموز/ يوليو الماضي، مشيرًا إلى أن حصر الأضرار ما يزال مستمرًا، وأن الأرقام مرشحة للزيادة.
وقال الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، في بيان صحافي أصدره مؤخرًا، إنه تم تسريح أكثر من 30 ألف عامل من وظائفهم، بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مما رفع نسب البطالة لأكثر من 55 %.
ووفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني، فقد ارتفع معدل البطالة في قطاع غزة إلى 40% في الربع الأول من عام 2014.
ووقعت حركتا فتح وحماس في 23 أبريل/ نيسان الماضي، على اتفاق، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
وأعلن عقب توقيع الاتفاق عن تشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية في 2/ حزيران / يونيو الماضي، وأدى أعضاؤها اليمين الدستورية أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة في مدينة رام الله بالضفة الغربية.
وتخرج مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، سنويا حوالي 30 ألف طالب وطالبة سنويا وتبلغ نسبة العاملين منهم 25%، والعاطلين عن العمل 75%، وفق إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني.