عاد الشيخ فوزي السعيد، إلى منبر مسجده "التوحيد" بشارع رمسيس، فكان هذا علامة علي انتصار الثورة، ومُنع مرة أخرى من الخطابة، فكان هذا قرارا كاشفا علي انتصار الثورة المضادة، التي أعادت الأمور إلى ما كانت عليه في عهد مبارك، وعبد الفتاح
السيسي هو أحد سدنة "دولة المخلوع".
اللافت أن الأمور لم تعد إلى طبيعتها فقط، فلم يكن الشيخ فوزي السعيد معتقلاً عندما قامت ثورة يناير، ولكنه كان محاصراً وممنوعاً من الخطابة والكلام، لكن بعد
الانقلاب العسكري تم اعتقال الشيخ، وبشكل بدا فيه الانتقام هو سيد الموقف، لاسيما وأن الرجل كان مريضاً في لحظة اعتقاله، وأنه الآن في غيبوبة كاملة، فلا خوف منه إذا أطلق سراحه. وخطباء المساجد إذا منعوا من الخطابة فقدوا دائرة تأثيرهم، ولهذا منع مبارك الشيخ عبد الحميد كشك من العودة لمنبره، وظل ممنوعاً إلي وفاته، لكنه لم يعتقله.
الانتقام إذن هو الدافع لاعتقال الشيخ فوزي السعيد، رغم أنه لم يعد يمثل خطراً علي انقلاب عبد الفتاح السيسي، وهو الممنوع من الخطابة والمحاصر في بيته، بعد مذبحة رمسيس الشهيرة، التي تلت مذبحتي "رابعة" و"النهضة".
ليطرح هذا سؤالا عن الدوافع وراء اعتقال الفتاح السيسي لشيخ مريض، لا يمثل خطراً علي انقلابه، حيث تعد أزمة الانقلاب الوحيدة هي في شخص عبد الفتاح السيسي نفسه، فهو بفشله، وبعجزه عن حل المشكلات التي تعاني منها البلاد، فضلاً عن صحيفة سوابقه، التي بدأت بخيانة الرئيس المنتخب، ولم تنته بالمذابح والمعتقلات، صار هو الخطر الداهم على الانقلاب، وقد سبق لي أن وضعت يدي علي قلبي قبيل انتخاباتهم الرئاسية، مخافة أن تقوم دوائر الانقلاب خارجياً وخليجياً بتدويره علي قاعدة تدوير القمامة، فيتم الدفع بالفريق احمد شفيق، أو سامي عنان للترشح.
لقد تم اعتقال الشيخ فوزي السعيد رغم مرضه، لعدة أسباب، ليروي عبد الفتاح السيسي شهوة الانتقام لديه، وهي لا ترتوي أبداً.
السبب الأول: أن الشيخ فوزي، كان هو والشيخ محمد عبد المقصود يمثلان رمزين سلفيين شاركا في ثورة يناير، وهو ما رصدته مبكراً في مقال حمل عنوان "الشيخان"، وأشرت إليه في
مقالاتي عن الثورة. والسيسي ينتقم من كل مكونات ثورة يناير. ألم تر كيف أنه اعتقل عدداً من شباب الحركات غير الدينية، ولم يشفع لهم أنهم كانوا معه في انقلابه؟، كما لم يشفع لهم عنده أنهم قاموا بتأييده في كل قراراته غير الإنسانية من أول اعتقال خصومه من الإسلاميين، إلى مذابحه، إلى تدشينه لحكم عسكري عضوض، علماً بأنهم كانوا في السابق يهتفون بسقوط حكم العسكر.
لقد صدر حكم بإعدام الشيخ محمد عبد المقصود، باتهامه بقطع طريق قليوب، وهو الاتهام "النكتة"، الذي سيدخل موسوعة غرائب السياسية التي لا تبدأ بقرار تحريم أكل الملوخية في زمن الحاكم بأمر الله، ولا تنته بالقول أن مبارك يتحمل من أمره رهقاً لأنه بقبوله لحكمنا قد حرم نفسه من "طشة الملوخية". وقول عكاشة ابن أبيه أن الدكتور محمد البرادعي يفتقد لشرط من شروط تولي منصب الرئيس وهو عدم قدرته الإجابة علي السؤال الاستراتيجي: كم عود في حزمة الجرجير؟.
السبب الثاني: أن الشيخ فوزي السعيد يمثل "السلفية المبصرة"، وعبد الفتاح السيسي وباعتباره يحتكر الفهم الديني، يرى في هذه السلفية خطراً عليه، وهو يقبل سلفية "برهامي"، وعامله علي حزب "النور"، "الفتي بكار" على مضض، إذ يجد نفسه أكثر راحة مع الدراويش، إذ تسمح نظريات مثل "الحلول والاتحاد" من صياغة تلمودية، يجري فيها الحديث مع الله تعالى بالخطاب " حضرتك". والطرق الصوفية في بلاد المغرب العربي كان لها دورها في مواجهة الاستعمار، أما غاية الحب عندنا أن ينالوا رضا الحاكم، ويأكلون "الفتة" بالهناء والشفاء. وقد لا تمانع الطرق في تدشين طريقة جديدة تحمل اسم "الطريقة السيساوية" لمولانا العارف بالله سيدي عبد الفتاح السيسي، ويقيمون له ضريحاً يذهب إليه "المربوط في ليلة دخلته" فيؤدي أداء حسناً. ويتمسح به التلميذ الفاشل فينجح في الثانوية العامة ويلتحق بكلية الطب. وتطوف حول مقامه العانس طواف الإفاضة فتُرزق بابن الحلال!.
"السلفية المبصرة" حددت موقفها منذ البداية بالانحياز للثورة، وكانت دعماً للرئيس محمد
مرسي، و"لم تبعه بالرخيص"، وكانت الأمور واضحة عندها. ومنذ البداية كان الشيخ فوزي السعيد مع فضح السلفيين، الذين يتآمرون سراً علي حكم مرسي، أو الذين يستغلون سماحة الرئيس بعدم فضحهم علي قاعدة أن أي إساءة لإسلامي إنما تمثل تجريساً لعموم الإسلاميين، ولم يكن مرتاحاً لذلك، وعندما قيل لا يجوز لنا أن ننشر غسيلنا القذر. قال فلننشره لتطهره الشمس.
السبب الثالث: رغم علمي أن السيسي لا قيمة لأحد عنده وهو يدور حول ذاته، إلا أنه لا يمنع هذا من أن يكون من ضمن أسباب اعتقال الشيخ السعيد أنه أراد أن يجامل باعتقاله تابعيه من السلفيين في حزب "النور"، لما سبق ذكره.
السبب الرابع: أن السيسي عنده أزمة نفسية، مع كل من رآه "منكسراً" في حضرة الرئيس مرسي، وقد كان يبالغ في إظهار الحب العذري للرئيس، وكان يخضع بالقول في حضرة ضيوفه من الشيوخ الثقاة عند مرسي، حتى يذكروه عنده. ولهذا وجدنا كثيرين تم اعتقالهم رغم أنهم لا يمثلون خطراً عليه.
لا أطلب من عبد الفتاح السيسي الإفراج عن الشيخ فوزي السعيد إمام مسجد التوحيد، إنما أحمله أمام القراء ذنبه إذا مات أو قتل، وهو الذي يعيش في غيبوبة كاملة، وربما يأتي يوم يحاسبه فيه الشعب علي كل جرائمه. وهو يوم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
سلام علي الشيخ الثائر فوزي السعيد وهو في قبضة الطغاة. مع اعتذارنا للطغاة والمستبدين، الذين هان حالهم لينتمي إليهم عبد الفتاح السيسي.