في الوقت الذي فشل فيه مجلس النواب
العراقي الجديد باختيار رئيس ونائبين له في أول جلسة تعقد برئاسة النائب مهدي الحافظ، أصدرت حكومة بغداد تقريرا تضمن
إحصائية "خطيرة" بأعداد الضحايا للشهر الماضي، الذي اعتبر الأكثر دموية منذ أعمال العنف في أيار/ مايو 2007.
وكان البرلمان الجديد عقد أولى جلسة له برئاسة أكبر النواب سنا، الحافظ وأدى 255 نائبا اليمين الدستوري من أصل 328 نائبا، لكن خلافات الثلاثاء عصفت بأجواء البرلمان، فاضطر الرئيس لتأجيل الجلسة الثلاثاء المقبل.
واعتبر المراقبون هذه الخلافات إشارة أولى على مستوى الخلافات القائمة بين الكتل النيابية التي تجعلها تتخلف عن أداء مهامها التشريعية والرقابية.
ووسط استمرار هذه الأزمة السياسية، أظهرت حصيلة حكومية عراقية أن أعداد القتلى العراقيين في شهر حزيران/ يونيو الماضي بلغت 1922 شخصا، وهي الأكثر في البلاد منذ أيار 2007.
وأعلنت إحصائية لوزارتي الصحة والداخلية العراقية أن 1393 مدنيا قتلوا في حزيران/ يونيو الماضي، فيما قتل في الشهر ذاته 380 جنديا و149 من عناصر الشرطة.
وذكرت المصادر الحكومية العراقية أن عدد المصابين خلال الشهر ذاته بلغ 2610 أشخاص نتيجة أعمال العنف.
وخلال الساعات الماضية، شهدت مدن العراق الشمالية والغربية اشتباكات بين الأجهزة العسكرية والأمنية، والجماعات المسلحة، تسببت بمقتل العشرات من عناصر الأمن والمسلحين، فضلا عن إصابة العديد من المدنيين.
وتحاول قوات الجيش العراقي أن تبسط سيطرتها على محافظة صلاح الدين منذ أربعة أيام، لكنها تتعرض لمواجهة عنيفة من قبل المسلحين الذين امتلكوا السلاح والمال عقب أزمة الموصل، الأمر الذي استدعى تدخل المروحيات سبيلا لحسم الموقف العسكري لصالح الجيش، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة.
وتمكنت قوات تابعة للجيش من التمركز بكثافة عددية ونوعية في الكلية الجوية الجوية (قاعدة سبايكر)، قرب تكريت 180 كلم شمال العاصمة بغداد، في محاولة لبدء هجوم شرس وإعادة السيطرة على تكريت من ثلاثة محاور، لكن المجابهة العنيفة من المسلحين الذين يتهمون بأنهم ينتمون لـ"داعش" حالت دون تحقيق الهدف الحكومي، وهو أمر يحرج الحكومة كثيرا.
ويتمترس المسلحون في مدينة تكريت التي تطالها عمليات قصف جوي، حيث يتحصنون للمجابهة في وقت تشهد المدينة حركة نزوح كبيرة للسكان المدنيين، فيما أصبح أكبر مصفا نفطي بالعراق (بيجي) بيد المسلحين، منذ أكثر من أسبوع.
وبينما تحاول الحكومة العراقية مجابهة عناصر "داعش" والمسلحين معهم في نينوى وتكريت وسامراء شمال العاصمة بغداد بغية بسط السيطرة عليها، وإعادتها للحاضنة الرسمية لها، فإن الجماعات المسلحة تناور في أكثر من جبهة قتالية لتشتيت الجهد العسكري الحكومي ضمن خطط عسكرية مدروسة من خلال الضغط على جبهة الأنبار في الفلوجة والرمادي والمدن الغربية من القائم والرطبة وراوة وعانه، وهيت التي أصبحت بيد المسلحين منذ أكثر من أسبوع الأمر الذي أربك حركة التجارة مع بلدان الجوار العربي، واقتصرت على منافذ التجارة الجمركية مع إيران على وجه التحديد.
ومن جهته، قال المحلل السياسي أحمد الشمري إن تركيز الحكومة العراقية على الجهد العسكري لحسم النزاع مع المسلحين أمر مفروغ منه، والمطلوب أن تركز على الحوار السياسي مع الزعماء السنة الذين شعروا بالغبن من سياسة حكومة نوري
المالكي، وتعاونوا مع كل الجماعات المسلحة بما فيها "داعش" .
وأضاف الشمري: "أعتقد أن التسريع بتشكيل الحكومة العراقية واستبدال رئيس الحكومة المالكي الذي يرى السنة والكرد وحتى جزء من الشيعة بأنهم أصل المشكلة وليس جزءا من الحل سيساعد في التخفيف من الاحتقان الأمني الذي تعاني منه البلاد".
ويبقى التوتر الأمني ذات سمة سياسية ما يستدعي الجميع الركون للحوار الوطني ومعالجة الأخطاء التي حصلت سبيلا للتهدئة المطلوبة، وفق الشمري.
وبينما أكدت شخصيات سياسية مقربة من كواليس العملية السياسية بأن السنة قدموا ثلاث شخصيات هي رئيس البرلمان المنتهية ولايته أسامة النجيفي، وصالح المطلق، وسليم الجبوري، وقد يكون الأخير أكثر قبولية لدى الشيعة، فإن الكرد حسموا أمرهم بتقديم برهم صالح أبرز مساعدي الرئيس المنتهية ولايته جلال طالباني في الحزب، وروز نوري شاويس، ووزير الخارجية هوشيار زيباري، وقد يكون الأول الأوفر حظا من غيره.
وفي ساحة
التحالف الشيعي، ما تزال نقطة الخلاف قائمة بين مكوناته بسبب إصرار رئيس الحكومة المنتهية ولايته المالكي على تولي الحكم لدورة ثالثة، رغم معارضة مكوناته من التيار الصدري والمجلس الأعلى على تجديد الحكم للمالكي، باعتبار أن ما آلت إليه الأحداث الأمنية في البلاد هو سبب رئيس فيها.
وقال النائب عن التيار الصدري أمير الكناني، إن أبرز المرشحين لتولي منصب رئيس الحكومة هما عادل عبد المهدي وأحمد الجلبي وطارق نجم، لكن الأخير مرفوض من قبل السنة والكرد، وربما يكون عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبه نائبا لرئيس الجمهورية في الدورة المنتهية ولايتها هو الأوفر حظا من غيره، لكونه يتمتع بمقبولية كبيرة بين السنة والكرد فضلا عن الشيعة.
وتتواصل الاجتماعات في منزل رئيس التحالف الوطني ابراهيم الجعفري الذي استبعد من قائمة المنافسين لمنصب رئيس الحكومة مؤخرا، للوصول إلى صيغة تحقق المناخ المناسب لبقاء التحالف على هيكليته السياسية.
وقال عضو التيار الصدري أمير الكناني: "في حالة إصرار المالكي على التمسك بكرسي الحكم فإن التحالف سيضطر بالأخير إلى إيجاد تحالف آخر مع كتل أخرى لاختيار شخصية تحظى بالإجماع الوطني العراقي".
ويجمع المراقبون بأنه رغم النقاشات التي تحصل في البيئة السياسية العراقية للاتفاق على شخصية جديدة تقود البلاد إلى "بر الأمان" في المرحلة المقبلة ، فإن أزمة الموصل وما تلاها من تداعيات أمنية خطيرة هي التي أدت إلى تغيير مسيرة العملية السياسية كونها شكلت عامل ضغط على الدول الأجنبية والإقليمية، للبحث عن شخصيات بديلة يعتقد بأنها قادرة على استيعاب متطلبات المرحلة الجديدة.