في ظل انشغال السياسيين ووسائل الإعلام بخطة
كيري في شقها السياسي، تجري تحركات في مسار آخر وتحديدا في الجانب
الاقتصادي من الخطة كان أبرزها المؤتمر الذي عقد في العاصمة التشيكية براغ، والذي ضم ما يزيد عن 100 شخصية بهدف مناقشة مبادرة كيري الاقتصادية.
وشارك فيه كل من ممثل الرباعية توني بلير، ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، بتنظيم من مكتب ممثل الرباعية، ومعهد آسين، وشركاء من أجل بدايات جديدة، وغرفة تجارة الولايات المتحدة لمركز تجارة الشرق الأوسط، ومركز تطوير الشرق الأوسط.
الخطة وضعها فريق مكون من مستشارين على مستوى السياسات، ومحللين اقتصاديين خارجيين وخبراء عالميين في كل المجالات المعنية، وذلك تحت قيادة ممثل اللجنة الرباعية توني بلير دعماللمفاوضات
الفلسطينية الإسرائيلية.
وجرى الترويج للخطة بأنها ستحقق تغييرا جذريا وتنمية جوهرية في الاقتصاد الفلسطيني.
واعتبر المحلل الاقتصادي عمر شعبان في حديث لـ"عربي21" أن هناك مبالغة كبيرة فيما يخص الجانب الإقتصادي لخطة كيري، فـ"خطته الاقتصادية جاءت تتويجا للمسار السياسي الذي بدأ في مؤتمر دافوس العام الماضي، وخطة كيري تنسجم تماما مع نظرية نتنياهو الاقتصادية التي تقول إن الاقتصاد أهم من السيادة، وهذا ما ثبت فشله، ولكن هناك كثير من جوانب الضعف أو الخطايا لهذه الخطة: فالخطة أعدت من قبل خبراء أجانب دون شراكة مع السلطة الفلسطينية أو المجتمع المدني الفلسطيني. والخطة تفترض وجود 4 مليارات دولار سنويا، ولغاية الآن لم يتم جمع جزء بسيط من هذا المبلغ".
وعبر عن خوفه من أن هذه الخطة ستخدم مصالح رجال أعمال فلسطينيين، ولا يستفيد منها الشعب الفلسطيني في محافظات الضفة الغربية، وطبعا الخطة تتجاهل قطاع غزة، بحسب شعبان.
خطة كيري الإقتصادية تقوم على جلب استثمارات خاصة بنحو أربعة مليارات دولار، وتهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 50 بالمئة على مدى ثلاث سنوات، ورفع معدل الأجور والرواتب بنسبة 40 بالمئة، وخفض البطالة من نحو 24% حاليا إلى 8%، بالإضافة إلى السماح للسلطة باستغلال الفوسفات من البحر الميت وتطوير حقول الغاز أمام شواطئ غزة.
تبعية اقتصادية
بدوره ربط رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، صقر جبالي بين الجوانب السياسية لخطة كيري وتأثيرها على الاقتصاد الفلسطيني.
وقال لـ"عربي12": "حسب المصادر الرسمية الأمريكية والفلسطينية لم يصدر حتى هذه اللحظة خطة مكتوبة مقدمة بشكل رسمي من كيري للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كل ما تسرب حول هذا الموضوع ما هو إلا معلومات من الصحافة الأمريكية والإسرائيلية والفلسطينية.
ولفت إلى أن أبرز الخطوط العريضة للخطة هي: عدم الإقرار بأن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى، مع طرح إمكانية احتفاظ أو تأجير الجانب الفلسطيني لجزء من المستوطنات للجانب الإسرائيلي، وكذلك ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين والمطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة، وكذلك ما يتعلق بمنطقة الأغوار، بالإضافة إلى إبقاء السيطرة الإسرائيلية على شريط يصل لمسافة 80 كلم، بمساحة تصل تقريبا لـ29% من مساحة الضفة الغربية.
وأشار إلى أن المعلومات الصحفية حول خطة كيري تفيد بإبقاء القوات الإسرائيلية في مناطق إستراتيجية في الضفة الغربية. ومعنى ذلك كله باختصار، أننا إزاء أوسلو جديد، يقضي باستمرار بقاء إسرائيل وسيطرتها على الحدود والأمور الخارجية للدولة الفلسطينية المقترحة، وإبقاء الاقتصاد الفلسطيني مكبلا بيد إسرائيل ومحكوما من قبلها".
وأوضح أن "ذلك يشير إلى عدة مؤشرات أبرزها إبقاء التبعية الفلسطينية من ناحية اقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي، وإبقاء الكتل الاستيطانية وسيطرة المستوطنات على أراض زراعية، وبالأخص في منطقة الاغوار" معتقدا أن مستوطنات الغور تحقق للجانب الإسرائيلي أرباحا لا تقل عن 760 مليون دولار سنويا، بمعنى أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية ليس مكلفا، بل إنه مربح، وهذا مؤشر على استحالة انسحاب إسرائيل من الاراضي الفلسطينية المحتلة، لأن الاحتلال مربح وغير مكلف".
واضاف، "للأسف فإن السوق الفلسطيني يستهلك كثيرا من منتجات مستوطنات الأغوار، وبالأخص التمر، والعنب الذي ينزل للسوق قبل أوانه، والمواطن الفلسطيني يستهلك الكثير من هذه المنتجات، بل والغالبية العظمى من هذه المنتجات تجد مقاطعة اقتصادية أوروبية، فيجب علينا كفلسطينيين أن نعتبر من هذه المقاطعة، وأن نبادر إلى تعميم مقاطعة منتجات المستوطنات، والمنتجات الإسرائيلية الأخرى".
وعلى الصعيد الخارجي قال الجبالي: "إبقاء سيطرة إسرائيل الأمنية على الحدود الخارجية يعني تحكمها الكامل بكل ما يتعلق بصادرات وواردات المنتج الفلسطيني، وهذا يعزز إمكانيات تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، والحيلولة دون استقلالية هذا الكيان الفلسطيني، وهذا ينعكس أيضا على الجانب الفلسطيني، بمعنى من يصبح تابعا اقتصاديا فإنه بدرجة كبيرة جدا سيكون تابعا سياسيا".
وأشار إلى أن هناك ضغوطا اقتصادية تمارس من قبل أطراف عدة لإجبار الطرف الفلسطيني على القبول بما طرحه كيري. وقال "إن كيري أوضح أمام لجنة أمريكية يهودية في الولايات المتحدة أن كل ما طرح في الخطة هو لصالح إسرائيل؛ فأعتقد أنه من الصعب على الرئيس الفلسطيني القبول بما جاء في خطة كيري، وبالأخص يهودية الدولة".
الاحتلال يعيق التنمية
الجانب الاقتصادي من سعي إدارة اوباما لإيجاد تسوية في المنطقة تم الحديث عنه عام 2009، ووصف حينها الكاتب الاسرائيلي ألون كوهين ليفشتس ذلك بـ"السلام الاقتصادي غريب عجيب".
وأضاف "يرتكز هذا التصور على افتراضات أساسية خاطئة في كل ما يتعلق باحتمالات التنمية في الضفة الغربية. 1.6 مليون دونم من أراضي الضفة تعتبر أراضي دولة لا تسمح إسرائيل بالتنمية والتطور الفلسطيني عليها. وإلى جانبها، مئات آلاف الدونمات التي أعلنت كمناطق مغلقة للأغراض العسكرية أو كمناطق وضعت اليد عليها، والتي يمنع الفلسطينيون من استخدامها. معطيات البنك العالمي تشير إلى أن 68% من مجموع التجمعات في الضفة الغربية تمتلك أراض زراعية غير مستغلة أو لا يمكن الوصول إليها، بما في ذلك النقص في المياه وقيام السلطات الإسرائيلية بوضع اليد على الأراضي".
إغراء للحل النهائي
أما المحلل السياسي والكاتب خالد معالي، فعبر عن تشاؤمه من الخطة وقال لـ"عربي12": هي تماما كغيرها من الخطط السابقة التي وعدنا بها، أتذكر أننا وعدنا قبل 20 عاما بسنغافورة العرب، وإذا بالبطالة تزداد والهجرة تزداد واكتشفنا بعد 20 عاما أن خطة ووعود سنغافورة كانت وصفة للتهجير والطرد والمزيد من الاستيطان وإرجاع القضية الفلسطينية عشرات السنين إلى الخلف؛ فالخطة والحلول الاقتصادية يعيبها هي وعد وإغراء للفلسطينيين للحل النهائي، فهي كغيرها من الوعود التي جربها الشعب الفلسطيني من قبل أمريكا، ولو طبقت ونجحت ستكون من حظ رؤوس الأموال، ولن تستفيد منها بشكل ملحوظ شريحة الفقراء الذين يمثلون 60 بالمئة من المجتمع".
وأضاف، "لا أظن أن الشعب الفلسطيني يقبل التنازل عن ثوابته لأجل حفنة من الدولارات هي أصلا ملك له، فخطة كيري فيها جوانب اقتصادية يسيطر عليها الاحتلال غصبا وكرها، ولو أتيح لنا تفعيلها كونها ملكنا لانتعش الوضع بدون خطة كيري وبدون وعوده".