قال ناثان براون الباحث في شؤون السياسة العربية إن
الاستفتاء على
الدستور المقرر في 14-15 كانون الثاني/ يناير لن يحل مشاكل
مصر بل سيزيدها، ولن يكون خطوة نحو التحول الديمقراطي.
وتوقع في لقاء مع وقفية كارنيجي الأمريكية استمرار الانقسام السياسي، لأن "من النادر رفض دستور في استفتاء عام، وليس معروفا عن المصريين أنهم يخيبون آمال حكامهم فيهم، والاستفتاءات التي عقدت في دول أخرى دائما تم تمريرها. وفي حالة مصر هناك بعض اللاعبين السياسيين الذين سيعارضون الدستور، خاصة الإخوان المسلمين، وحزبهم السياسي الحرية والعدالة الذي أطيح به من السلطة.
ولكن من المتوقع مقاطعة هؤلاء اللاعبين للاستفتاء بدل القيام بحملة للتصويت بـ"لا"، لأنه لن يكون بمقدور الحزب تحشيد غالبية ضد الدستور. وبحسب المعلومات التي تم رصدها، فالشعور العام السائد بين أعضاء الحزب هو الغضب لا التخطيط الإستراتيجي ببرود. كما أن معظم الاعتقالات الواسعة والقمع العنيف المستخدم لتفريق المظاهرات والاحتجاجات يصيب مؤيدي الحزب، كما أن ملاحقة الجماعة مستمرة، وكل ذلك تركها في وضع فقير كي تكون قادرة على التخطيط للمشاركة في النظام السياسي في الوقت الحالي".
وعن سؤال حول نزاهة الإنتخابات أجاب براون إنها "لن تكون حرة، ولكن ذلك لن يؤثر على النتائج، فالاستفتاء على الدستور سيمرر حتى في ظل انتخابات حرة ونزيهة".
و أضاف براون "من المستحيل عقد انتخابات حرة في هذا المناخ السياسي، فحزب الحرية والعدالة الذي فاز بأعلى نسبة من المقاعد في انتخابات عام 2011 لا يزال يتمسك بوجود قانوني، لكنه غير قادر على العمل بحرية، وتم إغلاق كل القنوات الإسلامية، كما لم يعد ممكنا تنظيم مظاهرات للمعارضة أيا كان حجمها، ويتحدث الصحافيون عن ملاحقات وتحرش من قبل الأجهزة الأمنية، وهناك حالات اعتقال عديدة. وهناك تقارير متفرقة تتحدث عن أن أي حملة ضد الاستفتاء سيتم التعامل معها كتهديد للأمن العام".
ويؤكد براون أن "الاستفتاء لن يكون نزيها، لأن أجزاءً مختلفة من الدولة تحاول حرف الميزان لصالح المصادقة عليه. فأجهزة الإعلام المملوكة من الدولة تتعامل مع الدستور على أنه مرحلة حاسمة، ويوم الاستفتاء يوم احتفالات. وتقوم بتعزيز مناخ يجعل من أية حملة لمعارضته ضعيفة. وما قيام المسؤولين بالتشجيع على التصويت إلا نداءً للمصادقة عليه". ويبقى من الصعب الحديث وبيقين عن انتخابات حرة ونزيهة تؤدي لتمرير الدستور. فالرأي العام الذي يتعرض للتحشيد هو مؤيد للنظام السياسي الحالي على الرغم من وجود جيوب قوية للإخوان. ويرى براون أن مصر لا تطبق خارطة الطريق التي أعلنت عنها الحكومة الإنتقالية "لكن انحرافها عن الخريطة لا يهم أحدا".
ويتحدث براون عن الخريطة التي أعلنها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي التي حددت خطوات مرحلة ما بعد مرسي لكن يبدو أن "اللاعبين السياسيين نسوا عناصر أخرى منها، مثل ميثاق شرف للإعلام، لجنة المصالحة، ومراجعة سريعة لقانون الانتخابات البرلمانية الذي مرره البرلمان الذي كان يسيطر عليه الإخوان".
وفي سياق آخر "تم تغيير عناصر في خريطة الطريق دون أية شكوى أو احتجاج، فقد تم مد الفترة الإنتقالية أكثر من الوعد".
ويقول براون إن الدستور حال المصادقة عليه سيكون ناجزا وقانونيا، لكن هل سيكون شرعيا؟ يتساؤل، ثم يجيب "يعتمد ذلك على من توجه إليه السؤال، وهنا بالضبط المشكلة، لأن مصر ليست لديها أدوات مقبولة من اللاعبين الرئيسيين لحل الخلافات السياسية، فالخاسرون لا يعتبرون الانتخابات ملزمة ولا توجد هناك إجراءات في مكانها تسمح للأحزاب المشاركة بالتوصل لتفاهمات". والنتيجة أن " الدستور قد يستمر أطول من سابقه، لكن هناك أسئلة حول كونه وثيقة قابلة للحياة وتوفر الإستقرار السياسي للبلاد".
ويشير براون إلى الهجوم الذي تعرض له دستور 2012، لأن الذين صوتوا عليه ثلث الذين يسمح لهم بالتصويت، وفي حال لم يستطع المؤيدون لهذا الدستور الجديد تجاوز النسبة السابقة فسيعانون من الهزيمة المخجلة، لكن الخجل ليس عاملا قويا يدفع السياسة المصرية، ولهذا فلا داعي للقلق". ويرى الباحث أن الاستفتاء القادم يواجه مصاعب من ناحية نسبة الذين سيصوتون عليه.
وكلما حاول النظام الجديد " تشويه سمعة المعادين، كلما انعكس ذلك سلبا على نسبة الإقبال على صناديق التصويت. فالحكومة المؤقتة تحاول إقناع المصريين بأن المعارضة الإسلامية ما هي إلا مجموعة من الإرهابيين الذين لن يتوقفوا عن أي شيء لتعويق الاستفتاء".
ويرى براون أن أكبر جماعتي حشد انتخابي فقدتا الرغبة في جلب المقترعين، وهما الإخوان والسلفيين. ومع أن حزب النور مؤيد للتصويت إلا أن موقف قاعدته غير واضح.
ويشير الكاتب إلى وسائل سابقة استخدمتها الحكومات لدفع المشاركة في التصويت، مثل تغريم من يتخلف عن الإدلاء بصوته، لكن هذا النظام لم يطبق، وفي مرات تم تضخيم حجم المشاركة بطريقة مخجلة. وفي إطار ثالث كان الأغنياء يقومون بتحشيد أتباعهم في مناطقهم، لكنهم لن يكونوا مهتمين بالدستور قدر اهتمامهم بالانتخابات البرلمانية.