كانت انطلاقة
الثورات العربية من
تونس، حينما أقدم الشاب محمد البوعزيزي، على إضرام النار في نفسه يوم الجمعة 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الحضار والفواكه لكسب رزقه.
تتابعت الأحداث بعد تونس لتمتد إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا منذ بداية العام 2011، ووفقا لدراسة صادرة عن دائرة المطبوعات والنشر الأردنية، بعنوان: "
الربيع العربي: المفهوم – الأسباب – التداعيات"، فإن ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، يعتبر "تحولا تاريخيا مهما شهدته المنطقة العربية، وستكون له انعكاسات كبيرة على الوضع الإقليمي، وإعادة تشكيل المنطقة".
بعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع الثورة التونسية وما تبعها من ثورات عربية، يتساءل معارضون لتلك الثورات: ما الذي جناه العرب من تلك الثورات؟ وهل حققت لهم ما يتطلعون إليه من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية؟ وهل جلبت لهم الأمن والأمان والاستقرار والازدهار الاقتصادي أم أنها أدخلت البلاد في أتون حروب أهلية مهلكة، ورسخت حالة الاستقطاب السياسي في المجتمع الواحد؟
لكن المؤيدين للربيع العربي وثوراته يجادلون بأن الثورات العربية بعثت في الشعوب العربية روحا جديدة، كسروا بها حواجز الخوف والهلع، وجعلتهم يستعذبون التضحيات وبذل المهج والأرواح، ويصرون على تحدي أنظمة الاستبداد والفساد، والمضي في مشوار المطالبة بما قامت الثورات العربية من أجل تحقيقه.
شتيوي: أهم انجازات الثورات اطلاق الحراك الشعبي
من جهته وفي سياق تقييمه لحصاد الثورات العربية، أبدى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور موسى شتيوي اعتراضه على مصطلح الربيع العربي، لأنه من وحهة نظره مبتدع وغير نابع من تجربتنا الذاتية، وتم إسقاطه على تجربتنا من بيئات أخرى، مفضلا استخدام تعبير الانتفاضات أو الثورات العربية.
وأوضح أن ما حدث في الدول العربية، يعبر عن طموحات الشعوب العربية، في بحثها عن الحرية والعدالة والكرامة والمساواة، وهي بالتأكيد مطالب مشروعه، لكن ما حدث بعد ذلك، في الدول التي وقعت فيها تلك الانتفاضات من أخذها مسارات أخرى قابل للنقاش والجدل.
ورأى الدكتور شتيوي في حديثه لـ"عربي 21" أن الثورات العربية أطلقت عملية تحول سياسي استراتيجية بعيدة المدى في المنطقة، ونتائجها الايجابية لن يتم قطفها بسرعة كما توقع الكثيرون.
وأشار إلى أن أهم انجازات الانتفاضات العربية هو إحداث الحراك الشعبي، حيث أثبتت الشعوب العربية أنها قادرة على الحراك والفعل، على عكس حالها الذي اتسمت به سابقا وكأنها مسلوبة الإرادة، وغير قادرة على الفعل، لافتا إلى أن مرحلة ما بعد الانتفاضات أفرزت حالة رفض الاستفراد بالسلطة، لصالح الحلول التوافقية والتشاركية من قبل جميع القوى والاتجاهات السياسية.
الشمري: الربيع العربي مقدمة للتحرر من الاستبداد
في سياق متصل رأى الناشط السياسي الكويتي هاني الشمري، أن الربيع العربي هو وثبة واسعة إلى الأمام، في طريق التغيير المنشود، وهومقدمة لتحرير الأمة من الأنظمة الاستبدادية، وبداية لتمهيد الطريق لمشروع وحدة الأمة في كيان سياسي يوحدها -الخلافة- وفق مبدأ تؤمن به الأمة وهو الاسلام.
وقال في حديثه لـ"عربي 21" :"كل التدابير الخارجية طارئة على الثورات للالتفاف عليها واحتوائها، وهو ما يظهر بوضوح في الثورة السورية، حيث يبدو القلق الدولي والإقليمي من قيام مشروع سياسي إسلامي يعيد صياغة الثورات ويعيد ترتيبها من جديد".
وأوضح أنه من السابق لأوانه الحديث عن نتائج الربيع العربي وثماره، لأن الحراك الشعبي "ما زال مستمرا، حتى في البلاد التي استطاع الشعب الإطاحة برأس النظام كمصر وتونس واليمن وليبيا"، لافتا إلى المشاريع السياسية البديلة "لم تحقق الطموح الشعبي في التغيير المنشود"، مستشرفا بالقول:"قد نكون في المستقبل أمام مشهد ثوري جديد يحمل معه مشروعا واعدا للأمة، وربما تكون ثورة الشام نقطة انطلاق لهذا المشروع، وإعادة صياغة للثورات في المنطقة".
السعيدي: الثورات خرجت بكفنها سائرة نحو مدفنها
من جانبه، وبرؤية مغايرة ومخالفة، أكدّ الأكاديمي السعودي، أستاذ الفقه وأصوله في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الدكتور محمد السعيدي أنه ما زال على رأيه الذي عبر عنه منذ بداية الثورة التونسية، وهو أن هذه الثورات خرجت على الناس بكفنها سائرة نحو مدفنها.
وأضاف في حديثه لـ"عربي 21" أن قناعته تلك تزداد في كل يوم لما يراه من واقع بلاد الربيع العربي المزري، الذي لم يكن مستغربا لديه، مبديا اعتراضه على من يقول بأن الثورات كانت تمثل الحرية والعدالة، لأنه لم يرَ فيها إلا المطالبة بإسقاط النظام، ولم تكن الحرية والعدالة تشكل سوى دافع تعبوي كي يخرج الناس للشارع، ولم تكن مطلبا.
ووفقا للدكتور السعيدي فقد تبين له من أحداث الثورات أن أكثر النخب لا تحسن التفريق بين الشعارات التعبوية وبين المطالب، المطلب كان إسقاط النظام، والحرية والعدالة كانت مجرد شعار تعبوي، موضحا من وجهة نظره أن الشعارات هي صراخ في الشوارع فقط، أما المطالب فهي مشاريع متكاملة، لم تكن هذه الثورات تحمل مشروعا، لذلك كانت أزمة البحث عن مشروع تلخص الصراع الحاصل بعد الثورات.
أبو زيد: الثورة المضادة وراء المفاسد والكوارث
بدوره رأى المحامي والناشط السياسي المصري، خالد أبو زيد أن الثورات العربية كانت عفوية، وأنها قامت لتحقق مطالب الشعوب وتلبي أشواقها للحرية، لافتا إلى أن الشعوب تخلت عن الخوف وكسرت حواجزه، واحتضنت الحرية بدمائها وتضحياتها، وأن الربيع العربي غرس شجرة الحرية، وهي آخذة بالنمو والازدهار ولا يستطيع أحد قطعها بعد اليوم.
ولفت إلى أن الغرب الذي بدا متعاطفا مع الثورة المصرية في بداياتها، غير وجهة نظره فيما بعد لعدة أسباب، أهمها: الرعب السعودي والكويتي والإماراتي من تلك الموجة الثورية التي قد تعصف بأنظمتهم، والتخوف الإسرائيلي من الحكام الجدد، كل ذلك أثر سلبا على القرار الغربي الذي رأى أن مصالحه ومصالح حلفائه أهم وأولى من ثورات الشعوب.
وفي رده على من يرون أن الثورات العربية جلبت للبلاد العربية الكوارث والمصائب، ككثرة القتل وذهاب الأمن والأمان، وانعدام الاستقرار أرجع أبو زيد في حديثه لـ"عربي 21" ذلك كله إلى ما تقوم به الثورة المضادة، التي تسعى لإفشال التجربة الديمقراطية الوليدة بعد الثورات، وإيصال رسالة للمواطنين مفادها أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في ظل الأنظمة السابقة كانت أحسن بكثير مما هي عليه الآن.