سياسة عربية

بين الدم وكرة القدم.. ما الذي يحرك الشعوب العربية أكثر؟

أقيمت بطولات كرة القدم القارية في آسيا وأفريقيا بالتزامن مع العدوان على غزة- عربي21
أقيمت بطولات كرة القدم القارية في آسيا وأفريقيا بالتزامن مع العدوان على غزة- عربي21
بالتوازي مع صراخ الفلسطينيين على وقع المجازر المستمرة في قطاع غرة، كانت هتافات الجماهير العربية حاضرة لمؤازرة منتخباتها في كرة القدم.

بدا المشهد دراميا على نحو كبير، وكأنه مشهد من فيلم سينمائي يروي انهيار المبادئ واختلال المفاهيم، بين أجواء حماسة وفرح طغت على مختلف العواصم العربية، وبين شلال دم لا يتوقف على بعد كيلومترات فقط في القطاع المحاصر.

واتسع الجدال على مواقع التواصل الاجتماعي حول الأمر، خصوصا أن ما يربط العرب بالحرب على غزة، يفوق أولويات كرة القدم أو غيرها من الفعاليات الترفيهية.

وانتقد كثيرون إصرار الجماهير العربية ككل دون استثناء على إبراز مظاهر الفرح من دون أدنى مراعاة لأبشع مجزرة يتعرض لها الفلسطينيون منذ عقود، وإحدى أعنف حروب القرن وأكثرها دموية في فترة زمنية قصيرة.

وحضرت المقارنات بين موقف الشعوب العربية مما يجري في غزة، والتظاهرات التي بدأت تخفت، وبين الحضور الواسع في المناسبات الكروية، حتى ظهر السؤال الفخ، ما الذي يحرك الشعوب أكثر، دماء غزة أم كرة القدم؟


اظهار أخبار متعلقة



بطولات في حضرة الموت
شاركت عشرة منتخبات عربية في بطولة كأس آسيا 2023 التي استضافتها قطر خلال الفترة من 12 يناير/كانون الثاني إلى 10 فبراير/شباط 2024.

وشهدت البطولة حضورا جماهيريا واسعا لمشجعي منتخبات قطر والسعودية وعُمان والإمارات والبحرين ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق والأردن.

وفي أفريقيا، شاركت خمس دول عربية في كأس الأمم الأفريقية بكوت ديفوار 2023، التي تم تأجيلها لتلعب في مطلع 2024. 

وامتلأت المدرجات بالهاتفين لمنتخباتهم، كما امتدت إلى شوارع العواصم مظاهر الفرح عقب فوز الفرق العربية، هذا ناهيك عن الاهتمام الرسمي الذي جعل من صوت الموت في غزة ثانويا، في حضرة كرة القدم.

وعن تلك المفارقة يقول الباحث والكاتب السياسي نظير الكندوري، "إن من الضروري التفريق ما بين شعوبنا العربية، وما بين الأنظمة التي تحكمها، فالخلط بينهما لا يجعلنا ندرك حقيقة توجهات شعوبنا العربية تجاه قضايانا المصيرية، والأمر الثاني، أن غالبية الأنظمة العربية لا تعبر عن إرادة شعوبها، وهي تعيش في واد، والشعوب العربية بوادٍ آخر. وعلى هذا الأساس، فإن هذه المفارقة، غير موجودة إلا في الإعلام الرسمي الذي يتعمد إظهار مثل هذه المفارقة والتي لا تعكس حقيقة شعور شعوبنا العربية في دولنا العربية". 

وأضاف في حديث لـ "عربي21”, “في الوقت الذي يُقتل فيه أهلنا بغزة، نرى أن الكثير من الحكومات العربية تتعمد إقامة المهرجانات والاحتفالات وتُسخّر جميع وسائل الإعلام لتغطيتها على حساب التغطية للحرب القائمة في غزة".

وأكد، "أن هدفها من ذلك هو إلهاء الجماهير عما يجري في غزة وصرف أنظار شعوبها عن تلك الأحداث، ومحاولة تهميش الأحداث الجسام في غزة والتقليل من شأنها، وكذلك إعطاء فكرة لدول العالم الكبرى مثل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية الداعمة لإسرائيل، بأن الشعوب العربية وأنظمتها لا تُعير أي اهتمام لمصير الفلسطينيين والجرائم التي ترتكب بحقهم، بغية الحصول على الرضا من تلك الدول".


اظهار أخبار متعلقة



صراع المترفين
وفي خضم المنافسة، وإقصاء بعض المنتخبات اشتعل الصراع في مواقع التواصل الاجتماعي بين الجماهير العربية، حيث تراوحت بين الانتقاد والشماتة.

وأخيرا خرجت عن إطار كرة القدم لتأخذ أبعادا سياسية وديموغرافية واجتماعية، لكنها خلت جميعها من الإشارة للعدوان أو حتى الموقف منه.

وربما لو اتجهت تلك الأصوات لممارسة ضغط شعبي متواصل، لتغير شيء من الموقف الرسمي العربي، ولدفع الحكومات لاتخاذ إجراءات قد تحد من سيل الدماء في غزة.

وحول ذلك يقول الكندوري، "ما نراه من تفاعل من بعض المغيَّبين مع البطولات الرياضية والانغماس في الحماسة لهذا الفريق أو ذلك، فيعود السبب في ذلك إلى أن هذا المجال هو المجال الوحيد الذي تسمح به الأنظمة للشعوب بإبداء تفاعلها والتعبير عن رأيها، بل إن الموجهين في الإعلام والسوشيال ميديا المحسوبين على الأنظمة، يحاولون إذكاء العصبية القطرية، وشيوع البغضاء بين أنصار الفرق الوطنية بين الدول العربية حتى يلغوا مفهوم الأمة، وينسفوا حقيقة أن جميع هذه الأقطار ما هي إلا جزء من أمة كبيرة يجب أن تهتم بقضاياها المهمة".



رسالة اطمئنان لنتنياهو 
كان اتساع الحرب أكبر هواجس الاحتلال بداية العدوان على غزة، ومع تبدد هذه المخاوف بالتزام جميع الأطراف خارج غزة بقواعد الاشتباك، ظل هاجس الغضب الشعبي يطارد قادة الاحتلال.

وبالتزامن مع دخول الحرب شهرها الخامس، يمكن لنتنياهو الاطمئنان الآن، خصوصا أن مواقف الشعوب العربية لم ترق إلى مستوى المجازر بل حتى لم تجار مثيلاتها في العواصم الغربية التي تشهد تظاهرات مستمرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.



وتعيد هذه الأحداث إلى الأذهان، مقولة رئيسة وزراء الاحتلال السابقة غولدا مائير، عند حرق المسجد الأقصى في آب/أغسطس 1969, عندما قالت، "لم أنم ليلتها وأنا أتخيّل العرب سيدخلون إسرائيل أفواجاً من كُل صوب، لكن عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه أُمة نائمة".

وبالرغم من  التشكيك بصحة هذه المقولة، لكن واقعيتها تفوق بدرجة كبيرة أهميتها سواء كانت صحيحة أم لا، فإن لم تقلها مائير، فالأحداث ترويها بطريقة أوضح.

وأكد الكندوري، "أن حالة الهدوء التي تسود الأجواء في شعوبنا العربية هي من دواعي سرور (النتن ياهو)، هذا الرجل الذي قال في يوم من الأيام تعليقًا على التطبيع مع الدول العربية، (إن الزعماء العرب ليسوا عائقا أمام توسيع علاقات إسرائيل مع جيرانها من الدول العربية)".

وأضاف في كلمة له ألقاها أمام الكنيست، "أن الحاجز الذي تصطدم فيه إسرائيل وتخشاه دائما هو الشعوب العربية والرأي العام العربي". 

وبحسب الكندوري، فإن أكثر ما يخشاه نتنياهو وهو يرتكب المجازر في غزة، هو صحوة الشعوب العربية وتفجير غضبها ضد ما يحدث في غزة. لكنه مطمئن إلى أن الشعوب لن تثور ولن تتفجر غضبًا إلا إذا كان هناك قيادات شعبية تستطيع قيادة هذه الشعوب وتنظم صفوفها وتنظم عملها.

وتابع، "هذا الأمر جعلها تتعاون مع الأنظمة في اتخاذ أخبث الطرق البوليسية للسيطرة على الشعوب من خلال زج هؤلاء الناشطين والقياديين في غياهب السجون أو تصفيتهم جسديًا لتبقى الشعوب كالقطيع لا يجمعها أحد على هدف واحد ومشروع واحد".

اظهار أخبار متعلقة



بين الموقفين الرسمي والشعبي
حول مدى تشابه الموقفين الرسمي والشعبي أوضح الكندوري، "لا نستطيع القول إن الشعوب العربية تتوافق مواقفها مع مواقف الأنظمة العربية، وفي هذا الحكم إجحاف كبير بحق شعوبنا".

وأردف، "أن ما نراه في وسائل الإعلام أو السوشيال ميديا من مظاهر وكأن الشعوب متناغمة مع التخاذل الرسمي العربي، بالتأكيد لا يمت بصلة للموقف الحقيقي لشعوبنا وأننا على علم بأن الأنظمة تحاول تزييف إرادة الشعب وتعطي فكرة للآخرين على أن شعوبنا موافقة على ما تفعل أنظمتها، من خلال أجهزتها الإعلامية وجيوشها الإلكترونية".

ويرى الكندوري، "أن هذه الحالة التي تعيشها شعوبنا العربية من تكميم للأفواه وعدم السماح لها بالتعبير عن تضامنها مع ما يحدث لغزة وأهلها أو أية بقعة في أمتنا، سيُعجل الحالة التي تؤدي للانفجار المتهور وبدون قيادة، ومثل هذا الانفجار لا بد وأن يكون مدمرًا ليس فقط للأنظمة، إنما مدمرًا للأوطان، وهذا ما حدث في بعض الدول".

وأشار إلى "أن الأنظمة العربية تعيش حالة من السعادة لأنها ترى شعوبها ساكتة، ولا تدري أن هذا السكوت سيعقبه انفجار غير منظم تكون مآلاته وخيمة على الجميع، سواء الأنظمة أو الشعوب أو الأوطان، وهو أمر في غاية الخطورة لا تلتفت إليه الأنظمة العربية".

وختم، "أنا أعتقد أن هذه الأنظمة تلعب بالنار وهي تنتهج هذا الأسلوب من تزييف إرادة شعوبنا ولا بد أن يأتي اليوم الذي ستفلت هذه الشعوب من عقالها وتثور على أنظمتها".
التعليقات (0)