مقالات مختارة

فلسطين وأمم متحدة بديلة

حسين مجدوبي
أرشيفية
أرشيفية
هل سيفكر باقي العالم غير الغربي في تأسيس منظمة بديلة للأمم المتحدة بعيدا عن هيمنة الغرب بزعامة الولايات المتحدة، بعدما أظهرت التجارب في حل النزاعات غلبة الكيل بمكيالين في قضايا متعددة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟ أمر وارد خلال العقدين المقبلين، إذا لم يتم تحقيق توازن واحترام للقانون الدولي في منهجية تعاطي العلاقات الدولية، لاسيما في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة.

إذ منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، وكلما سنحت له الفرصة، يحذّر وزير خارجية فرنسا الأسبق دومينيك دو فيلبان من الشرخ القائم بين الغرب وباقي العالم في القضايا الدولية. وينسب بداية الشرخ إلى ما وقع في حرب العراق حيث جرى قتل أكثر من مليون شخص وتشريد الملايين بخدعة وجود أسلحة كيماوية ونووية في حوزة العراق، إبان حقبة الرئيس صدام حسين. ويرفع صوته عاليا ومنبها من خطورة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، مبرزا أن هذه الحرب لخصوصيتها الثقافية والدينية والتاريخية تهدد استقرار العالم، وتزيد من الشرخ بين الغرب وباقي العالم وتهدد الأمم المتحدة.

وتاريخيا، كلما حدث شرخ تترتب عنه نتائج وخيمة للغاية، وفي حالة العلاقات الدولية الحالية، ستمس النتائج الوخيمة استقرار المؤسسات الدولية، التي تحاول لعب دور الوصاية الإيجابية، والحكومة الموجهة لشعوب العالم نحو السلام والاستقرار والتعاون، وعلى رأسها الأمم المتحدة. وخلال السنتين الأخيرتين، يتضح هذا الشرخ بين العالم الغربي الرسمي (نستثني جزءا مهما من الرأي العام الغربي الذي لا يتفق مع سياسة حكوماته) بقيادة الولايات المتحدة وباقي العالم من دون قيادة واضحة، وإن كانت مجموعة البريكس بزعامة الصين تبلور زعامة هادئة وتدريجية لهذا التكتل. فشل الغرب في حشد العالم ضد روسيا في حربها ضد أوكرانيا، ثم فشل الغرب في فرض تصور الإرهاب في وصفه للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الاستعمار الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول «عملية طوفان الأقصى». وقراءة قرارات مجلس الأمن الدولي حول النزاعات الدولية، يتضح من دون الحاجة إلى حل تشفير مدى الانحياز الأعمى، وبشكل سافر لكل ما يمس قضية تهم الغرب، وتدخل في صميم أمنه القومي مثل حالة إسرائيل.

وتهيمن القضية الفلسطينية على الأجندة العالمية، على الرغم من وجود ملفات أخرى، ربما أخطر، وهذا يعود للطابع التاريخي والروحي والثقافي لهذه القضية. وتقف غالبية العالم متعجبة سلبا من موقف الغرب الرسمي الذي يساند حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، ما دفع بدولة مثل جنوب افريقيا إلى رفع دعوى ضد إسرائيل بتهم حرب الإبادة. ويخلف موقف الغرب الرسمي مرارة لدى معظم دول العالم. ومن نتائجه، ترتفع أصوات الدول وأصوات الاتحادات القارية والتجمعات الإقليمية وأصوات الخبراء، بأنه حانت ساعة تطوير الأمم المتحدة على أسس جديدة، وذلك لسببين: الأول ويتجلى في الشيخوخة التي أصابت هندسة وقوانين الأمم المتحدة، التي جاء إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية، وفي سياق مختلف عن الفترات الزمنية اللاحقة ومنها الوقت الراهن. ويتمثل السبب الثاني في هيمنة تصورات ومصالح القوى الكبرى، خاصة الغربية منها على حساب استقرار العالم وعلى حساب باقي الشعوب، وكأن العالم مقسم بين شعوب الله المختارة، التي تتمتع بحقوقها وتدوس على حقوق الغير، وشعوب مطالبة بثقل الإهانة والمهانة التاريخية. الحديث عن هيئة أمم بديلة والتخلي عن الحالية، وارد خلال العقد المقبل، وقد تنتهي الأمم المتحدة مثل سابقتها عصبة الأمم التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، ولم تنجح في احتواء الصراعات، لأن هندستها القانونية وقتها كانت تشهد خللا من الصعب مواكبة التطورات التي كانت تحدث، وأدت إلى الحرب العالمية الثانية. وعند الحديث عن حدوث هذه الفرضية، يكون الحديث عن وجود عوامل رئيسية قد تؤدي لها وهي:

في المقام الأول، كانت الأمم المتحدة تاريخيا تحت هيمنة الغرب الرسمي، خاصة في ظل وجود ثلاثة أصوات فيتو مقابل صوتين في مجلس الأمن لصالح الغرب، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في مواجهة الصين وروسيا. غير أن هذه الهيمنة بدأت تتراجع بشكل كبير، بسبب اكتساب دول من حجم تركيا والبرازيل وجنوب افريقيا وإيران، حضورا دوليا في تشكيل قرارات المنتظم الدولي.

في المقام الثاني، هيمنة الغرب الرسمي دبلوماسيا على الأمم المتحدة، وتوظيفها لأغراضه نابع من القوة العسكرية والاقتصادية للغرب بزعامة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من استمرار الغرب الاحتفاظ بقوته، إلا أن ظهور قوى أخرى مثل روسيا والصين ومجموعة البريكس، جعل الغرب الرسمي يفقد الركيزة الاقتصادية والعسكرية لفرض أجندة في العالم. ومن ضمن الأمثلة، فشل الغرب في فرض حل لحرب روسيا – أوكرانيا، ويقف عاجزا أمام تطورات البحر الأحمر، بعدما قررت حركة الحوثيين في بلد منهك مثل اليمن فرض واقع جديد في الملاحة الدولية.

في المقام الثالث، وارتباطا بالسبب الثاني، لا يمكن في عالم يتشكل جيوسياسيا في قطاعات ومجالات حساسة مثل التجارة العالمية، والاستثمار، والقوة العسكرية بقيادة الصين مدعومة بروسيا وعشرات الدول، أن يبقى حبيس الأمم المتحدة الحالية.

يمر النقاش حول الأمم المتحدة بمراحل وهي: التشكيك في دور الأمم المتحدة بعدما فشلت في حل النزاعات وساهمت مؤسسات مرتبطة بها مثل، صندوق النقد الدولي في إفقار الشعوب، وانتقلت إلى مرحلة ضرورة إجراء تغيير جوهري على القوانين المنظمة لهذه المنظمة، لكي تتكيف مع الواقع الجيوسياسي العالمي الآخذ في التبلور، وأخيرا ستكون مرحلة البحث عن بديل إذا لم يتم حدوث الإصلاح.

إن توظيف الغرب للأمم المتحدة لعرقلة حل القضية الفلسطينية، على الرغم من عشرات القرارات المنصفة، خاصة في القضية ذات الجذور الدينية والثقافية التي تمس استقرار العلاقات الدولية، سيكون من العناصر الرئيسية نحو إصلاح جذري لهذه المنظمة أو إيجاد بديل لها مستقبلا.

القدس العربي
التعليقات (0)