قضايا وآراء

أيّها المنكوب في المغرب وليبيا.. إنّه قضاء الله تعالى

محمد خير موسى
الإيمان بالقدر لا ينفي مسؤولية المقصّرين- جيتي
الإيمان بالقدر لا ينفي مسؤولية المقصّرين- جيتي
دعني أسألك أيّها المحزونُ الرّفيق؛ مَن صاحبُ الأمر كلّه في إيقاع الزّلزال في الأرض ومن صاحب الأمر كلّه في الأعاصير وحدوثها؟ سيجيبك قلبك؛ إنّه الله تعالى الذي يقول في سورة فاطر: "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً".

وما دام الله تعالى هو المتصرّف وحده في هذا الكون، وهو الحليم اللطيف؛ فإن الزلزال ما هو إلّا من خلق الله تعالى الذي قضاه بعلمه وقدّره بحكمته، وكذلك الإعصار فهو قدر الله تعالى. وهذا لا ينفي مطلقاً المسؤوليّة التي تسببّ بها المقصرون والمهملون في صيانة السدود والتعامل مع خللها، ولكنّ الزلزال ووقوعه، والإعصار وقدومه، هو قدر الله جلّ في علاه ولا يمكن لمخلوقٍ أن يقف في وجه قدر الله تعالى، ولا يملك المخلوق أمام تصرّف الخالق في مخلوقاته على هذا الشّكل إلّا أن يستشعر ضعفه وضآلته أمام قوّة الله تعالى وعبوديّته أمام تجليّات ألوهيّة القويّ الجبّار، فيفرّ من قدَر الله إلى قدَر الله، ويفرّ من الله إليه، ويوقن أنّه لا ملجأ ولا منجى منه إلّا إليه جلّ في علاه، فيرضى بقضاء الله تعالى وقدره.

الزلزال ما هو إلّا من خلق الله تعالى الذي قضاه بعلمه وقدّره بحكمته، وكذلك الإعصار فهو قدر الله تعالى. وهذا لا ينفي مطلقاً المسؤوليّة التي تسببّ بها المقصرون والمهملون في صيانة السدود والتعامل مع خللها، ولكنّ الزلزال ووقوعه، والإعصار وقدومه، هو قدر الله جلّ في علاه ولا يمكن لمخلوقٍ أن يقف في وجه قدر الله تعالى

فكلّ مأ أصابكَ في هذا الزلزال من فقدٍ أو هدمٍ أو جراحٍ أو موتٍ، وما أصابك في الإعصار من غرق وتهديم وتشريد، إنّما هو بقضاء الله وقدره، وكأنّي برسول الله صلى الله عليه وسلّم يخاطبُ قلبكَ وأنتَ في معاناتك هذه إذ يقول: "واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً".

وفي هذا الابتلاء الذي يوجعُ قلبك وروحك فإنّ الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره هو بلسمُ الجراحات وشفاء لوعة النفس بالأسئلة المتدفّقة.

واسمع إلى الوليد بن عبادة بن الصامت إذ يقول: "دخلتُ على عبادة وهو مريضٌ أتخايلُ فيه الموت، فقلت: يا أبتَاه أوصني واجتهد لي، فقال أجلسوني، قال: يا بنيّ إنّك لن تطعم طعم الإيمان ولن تبلغ حقّ حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتّى تؤمن بالقدر خيره وشرّه، قلت: يا أبتَاه فكيف لي أن أعلَم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبَك وما أصابك لم يكن ليخطئك".

فما دام أنّ القضاء هو قضاء الله؛ فهو يحبّ منك أن ترضى بقضائه وتستسلم لقدره، وإن من دعاء حبيبكَ محمّد صلى الله عليه وسلّم: "وَأَسْأَلُك الرِّضَا بَعْد القَضَاء".

وممّا يعينك على الرّضا بقضاء الله تعالى أن توقن أنّ قضاء الله تعالى خيرٌ كلّه، وأنّ ما يقضيه الله لك خيرٌ مما تقدّره أنتَ لنفسك بعلمك القاصر فهو الذي خلقك وهو العليم بحالك الخبير بك باطناً وظاهراً، وقد عبّر نبيّنا صلى الله عليه وسلّم عن هذا المعنى بجلاء في قوله: "عجِبْتُ لأمْرِ المؤمِنِ، إنَّ اللَّهَ لا يَقْضي له قَضاءً إلَّا كان خيراً له"، وفي صحيح مسلم: "عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْراً له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْراً له".

لن أطيل عليك أيها الحبيب؛ ولكن مهما اشتدّ وجعك؛ ابقَ موقناً بقضاء الله تعالى، مؤمناً بقدره، ففي ذلك هدأة قلبك، وبلسم جرحك، ورضى نفسك، فأسرع بالأوبة إليه وكثّف الضّراعة بين يديه، واعلم أنّه لن يتخلّى عنك فهو قريب يجيب دعوة الدّاعي إذا دعاه؛ فعلّق قلبكَ به وصِل حبلَك ببابه ولن تندم في الدّنيا والآخرة؛ فهو حسبك وهو نعم الوكيل.

twitter.com/muhammadkhm
التعليقات (2)
الواثق بالله
الخميس، 14-09-2023 10:26 ص
سلِمت يُمناك يا أستاذ محمد خير ، و هذه إضافةٌ متواضعةٌ : أنزل رب العالمين آية كريمة هي 51 من سورة التوبة فيها العلاج الشافي للمؤمنين حين يأتيهم مُقدَّرٌ مكتوبٌ من عنده سواءً كان خيراً أو شراً في نظر الناس (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). لاحِظ أنه سبحانهُ و تعالى لم يقل "إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ علَيْنَا" و إنما قال " إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا" أي أنه لِصالِحنا بغض النظر عن محبتنا أو كراهيتنا كردَ فعلٍ أوليَ على نزوله فإن كانت القلوب قد أوعزت لأصحابها الصبر عند الصدمة الأولى ، فعندها تبدأ عمليةُ جنْي المحصول . في حالة البلدين العزيزين علينا "المغرب و ليبيا" ، كان في الأول زلزال قويَ أسفر عن مقتل بشر كثيرين تحت الهدم و كان في الثاني إعصار قويَ نتج عنه غرق بشر كثيرين و هنا التركيز على الأغلى "أي البشر" و ليس على الماديات التي يمكن تعويضها و تجديدها . في تقديرات الناس العاديين ، سيكون تِعدادٌ لمن يعتبرونهم "خسائر" بشرية . أما في تقديرات المؤمنين الذين "ليست الدنيا أكبر همَهم و لا مبلغ علمهم" فسيغبطون من ذهبوا للقاء ((أرحم الراحمين)) لأنه سلفاً أخبرنا بوحيِهِ لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه أنهم شُهداء حيث في الحديث المُتفق عليه :عنْ أبي هُرَيْرةَ-رضي الله عنه- قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه صلَى الله عليه و سلَم (الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ ، وَالمبْطُون ، والغَرِيقُ ، وَصَاحبُ الهَدْم ، وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه). المُهمَ في هذا المقام أن الصنفين الثالث و الرابع ينطبقان على أهل ليبيا و على أهل المغرب على الترتيب . في طُرُقِ الله العجيبة ، أن الله قد يحبَ عباداً فيبتليهم لكي يرفع درجاتهم حتى يكرمهم فلا تكون عند هؤلاء العباد سوى الأعمال القليلة البسيطة التي لا ترفع كثيراً إلى جنَة مهرها غالي ، فيتغمدهم برحمته و يجعلهم يفارقون الدنيا بطاعون أو بمرض باطني شديد أو بغرق أو بزلزال ، أو يتيح لهم فُرصةً للانخراط في ذروة سنام الإسلام.
محمد أحمد
الخميس، 14-09-2023 06:01 ص
أين استعدادات الحكومات التي تكتنز المليارات من النفط والمعادن في البنوك