كتاب عربي 21

تزايد معدلات خروج الاستثمارات المصرية من البلاد

ممدوح الولي
عوائق أمام الاستثمار في مصر- جيتي
عوائق أمام الاستثمار في مصر- جيتي
تتعدد العوامل الطاردة للاستثمار في مصر، بداية من نقص الدولار، وصعوبة استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وصعوبات إخراج الأرباح إلى المقار الرئيسية للشركات الأجنبية، وارتفاع أسعار الفائدة بمعدلات تفوق مثيلتها في البلاد الأخرى، ما يزيد من تكلفة الإنتاج ويقلل من تنافسية منتجات الشركات المقترضة في الداخل والخارج.

كذلك ارتفاع معدلات التضخم لمعدلات غير مسبوقة منذ 37 عاما، ما قلل القوى الشرائية وأثر سلبيا على المبيعات، وانخفاض التصنيف الائتماني لمصر بما يزيد من تكلفة الاقتراض الخارجي، ويزيد من اشتراطات الموردين الخارجيين لمستلزمات الإنتاج، ووجود سوقين للصرف، ما يصعّب عملية التسعير لاستقدام مستلزمات الإنتاج من الموردين، ويعطل إمكانية إبرام عقود طويلة الأجل معهم لتوريد تلك المستلزمات، إلى جانب العديد من المشاكل المزمنة؛ مثل كثرة حوادث الطرق والبيروقراطية، وصعوبات الحصول على الأراضي، وطول فترات التقاضي إلى جانب ضعف استقلالية القضاء، وعدم استقرار التشريعات وتعدد صور الجباية المستمرة بما يصعّب إجراء دراسات جدوى دقيقة لتكلفة المشروعات، وتأخر سداد مستحقات الشركات لدى الحكومة سواء الشركات المحلية أو الأجنبية خاصة العاملة بمجال النفط والغاز الطبيعي.

14 مليار دولار لخروج الاستثمارات العام الماضي

الأمر المستجد هو زيادة معدلات خروج الاستثمارات المصرية من قبل المستثمرين المحليين إلى دول أخرى خاصة السعودية في الشهور الأخيرة

والنتيجة إعلان العديد من الشركات العربية والأجنبية توقف استثماراتها بمصر مؤقتا، حتى يتم حل مشكلة ازدواجية سعر الصرف ونقص الدولار، وقيام شركات أخرى أجنبية بإخراج استثماراتها من مصر، إلا أن الأمر المستجد هو زيادة معدلات خروج الاستثمارات المصرية من قبل المستثمرين المحليين إلى دول أخرى خاصة السعودية في الشهور الأخيرة.

فقد أعلنت شركة تبريد الإماراتية الشهر الماضي تعليق استثماراتها بمصر، بسبب حالة عدم اليقين بشأن سعر صرف الجنيه المصري. وكانت الشركة المتحدة للإلكترونيات (أكسترا) السعودية قد أعلنت في أيار/ مايو الماضي عن وقف خططها التوسعية بمصر، وفي نفس الشهر أعلت شركة الدار العقارية الإماراتية تأجيل توسعاتها بمصر لحين استقرار الأوضاع.

كذلك أعلن رجل الأعمال سميح ساويرس عدم قيام شركة أوراسكوم للتنمية القابضة، باستثمارات جديدة بمصر في ظل حالة عدم اليقين بشأن سعر الصرف، كما أعلنت شركة ألكترولكس السويدية المتخصصة في صناعة الأجهزة المنزلية الشهر الماضي، بيع علامتها التجارية ومصانعها بمصر والتي يعمل فيها 2100 عامل.

وكانت بيانات البنك المركزي المصري قد أشارت إلى خروج استثمارات أجنبية مباشرة من مصر في العام الماضي، بقيمة 13 مليارا و663 مليون دولار، وكان نصيب الدول العربية من تلك الاستثمارات الخارجة 1.723 مليار دولار إلى الإمارات، و214 مليون دولار للكويت، و184 مليون دولار إلى السعودية، و121 مليون دولار لقطر، و96 مليون دولار للبحرين، و32 مليون لتونس، و12 مليون دولار للأردن.

إلا أنه خلال شهور العام الحالي قد زاد نصيب السعودية من تلك الاستثمارات المصرية الخارجة، في مجالات الدواء والعقار والخدمات المالية والصناعة والاستشارات. ففي مجال الدواء تقوم شركة فاركو بشراكة مع العجلان السعودية لإقامة مدينة الأدوية في المدينة المنورة، وتتجه شركة إيفا فارما للأدوية لإنشاء مجمع صناعي للأبحاث وإنتاج الأدوية في منطقة سدير في المملكة، وأعلنت الشركة السعودية المصرية للمختبرات الطبية (سلك) عن شراكة مع شركة سعودية، لتأسيس شركة لإنشاء سلسلة معامل للتحاليل الطبية في المملكة.

خروج شركات أدوية وعقار وصناعة

وفي مجال الصناعة بدأت شركو بيراميدز للإطارات إنشاء مجمع صناعي لصناعة الإطارات في المملكة، وأعلنت شركة السويدي إلكتريك قيامها حاليا بإنشاء مصنع لإنتاج الكابلات والأدوات الكهربائية في المملكة.

كان رد فعل الحكومة المصرية إزاء تلك التطورات بخروج رؤوس الأموال المصرية، هو الإعلان عن تفعيل ما ورد بقانون الاستثمار الصادر عام 2017، بشأن إصدار موافقة واحدة للمشروعات تحت مسمى الرخصة الذهبية، لكنه لم يصدر منها سوى 18 موافقة خلال أكثر من عام، وتفعيل بعض الحوافز التي وردت بقانون الاستثمار والتي تعطل تفعيلها طوال السنوات الماضية

وفي مجال التشييد وقّعت شركة تكوير مصر العقارية عقد شراكة مع مجموعة نايف الراجحي الاستثمارية السعودية، لإنشاء شركة مشتركة في مجال التشييد والبناء والاستثمار العقاري في المملكة. وقال رجل الأعمال سميح ساويرس إنه يخطط لإنشاء منتجع على غرار منتجع الجونة الموجود في الغردقة؛ في السعودية مع مستثمرين من القطاع الخاص السعودي، وأشارت شركة ريدكون للتعمير إلى افتتاح فرع لها في المملكة لمباشرة نفس النشاط هناك.

وفي مجال الطاقة تعتزم شركة طاقة عربية التابعة لمجموعة القلعة العمل في السعودية، من خلال شراكة مع الشركة السعودية للغاز للعمل بقطاعي توزيع الغاز الطبيعي والمقاولات.

وفي مجال الخدمات المالية تنوى شركة فوري للمدفوعات الإلكترونية التوسع في السعودية، كما جهزت شركة إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية فرعا لها في السعودية، كما تجهز مجموعة راية القابضة للاستثمارات المالية لدخول مجال التمويل الاستهلاكي بالسعودية، إضافة لافتتاح راية لخدمات مراكز الاتصالات مقرها الثالث في المملكة، كما تعتزم مجموعة ثاندر القابضة والعاملة بمجال الوساطة بالأوراق المالية إنشاء شركة تابعة لها في السعودية.

وفي مجال الاستشارات تفتتح شركة معتوق بسيوني والحناوى للاستشارات القانونية مكتبا لها بالرياض، كما أعلنت شركات ناشئة بمجال الاتصالات والتكنولوجيا اتجاهها للعمل في المملكة.

العوائق أكبر من رئيس هيئة الاستثمار

ولم يقتصر الأمر على السعودية، فها هي شركة مصر المتحدة للاستزراع السمكي (إيفرجرين) تتجه لإنشاء مزرعة سمكية متكاملة في زنجبار بتنزانيا باستثمارات 90 مليون دولار، كما أعلنت شركة مباشر كابيتال هولدنج مصر عن اتجاهها للتوسع في البحرين، وذكرت شركة إيفال لصناعة الدواء ومستحضرات التجميل إنشاء مصنع جديد لها في نيجيريا، وإعلان شركة أوراسكوم للاستثمار القابضة اعتزامها العمل في قطاعي الطاقة المتجددة والضيافة في أوزبكستان.

العوائق الأساسية في مناخ الاستثمار المصري أكبر مما تقوم به هيئة الاستثمار، فحالة الغموض التي لفّت القبض على عدد من رجال الأعمال واحتجازهم دون محاكمة لشهور طويلة، تخيف أي رجل أعمال من تكرار ذلك معه، حيث لا توجد أية ضمانات ولا حتى مجرد مناشدة للإفراج من قبل جمعيات رجال الأعمال أو اتحاد الصناعات، خشية أن يتكرر ذلك مع قيادات تلك المنظمات للأعمال

وكان رد فعل الحكومة المصرية إزاء تلك التطورات بخروج رؤوس الأموال المصرية، هو الإعلان عن تفعيل ما ورد بقانون الاستثمار الصادر عام 2017، بشأن إصدار موافقة واحدة للمشروعات تحت مسمى الرخصة الذهبية، لكنه لم يصدر منها سوى 18 موافقة خلال أكثر من عام، وتفعيل بعض الحوافز التي وردت بقانون الاستثمار والتي تعطل تفعيلها طوال السنوات الماضية، وقرب صدور منصة إلكترونية لتأسيس الشركات، وتقليل بعض الأوراق المطلوبة لتأسيس الشركات.

لكن العوائق الأساسية في مناخ الاستثمار المصري أكبر مما تقوم به هيئة الاستثمار، فحالة الغموض التي لفّت القبض على عدد من رجال الأعمال واحتجازهم دون محاكمة لشهور طويلة، تخيف أي رجل أعمال من تكرار ذلك معه، حيث لا توجد أية ضمانات ولا حتى مجرد مناشدة للإفراج من قبل جمعيات رجال الأعمال أو اتحاد الصناعات، خشية أن يتكرر ذلك مع قيادات تلك المنظمات للأعمال. كذلك فإن تأخر الموافقات على تأسيس الشركات بسبب تأخر الموافقة الأمنية هو أمر أكبر من رئيس هيئة الاستثمار، كما أن المشاكل تزيد ولا تتجه للتناقص، وها هي مشكلة انقطاع الكهرباء تضيف معوقا رئيسيا يؤثر على الإنتاج وعلى جهات توزيع منتجات الشركات.

وكذلك مشكلة نقص الدولار، وحالة عدم اليقين بشأنها، وعدم معرفة توقيت حلها كمشكلة رئيسية، تقل الآمال بحلها في ضوء تراجع الصادرات والتحويلات والاستثمار، لتصبح أكبر من إمكانات رئيس الحكومة نفسه، بل ومن رئيس البلاد، في ضوء غموض الموقف من توقيت إجراء المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تم إبرامه مع صندوق النقد الدولي في العام الماضي، وبالتالي فإن المعوقات الأساسية للاستثمار ما زالت مهيمنة على المشهد ودافعة للاتجاه للاستثمار خارج البلاد.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (2)
الانهيار الاقتصادي المصري الشامل قادم على الأبواب
الإثنين، 14-08-2023 01:14 م
*** 2- المقدام: - رجال الأعمال المصريين أو العرب والأجانب المستثمرين في مصر كانوا من أكبر الداعمين للانقلاب على الحكم الشرعي، لمشاركته في الاستفادة من انفراده بحكم البلاد دون أي معارضة أو محاسبة، ولكن العصابة الانقلابية انفردت بكل المغانم، وتركت رجال أعماله لمصيرهم الحتمي، وتدهور أوضاع الصناعة والزراعة والخدمات وكل القطاعات الاقتصادية الخاصة في الداخل، وخسائر المستثمرين المحليين اخطر، بعد ركود أعمالهم وتكبدهم لخسائر مالية فادحة، ستدفعهم لتصفية غالبية أنشطتهم، مع موجة إفلاسات ستهدد البنوك المحلية المقرضة لهم، وعندها سينفضون من حول الانقلاب، وينقلبون على منظومة الحكم الفاسدة حتماً، مع انحسار المستفيدين من الانقلاب إلى قلة محصورة داخل دائرة صغيرة محيطة بكرسي حكم الجنرال الانقلابي، التي تحاول أن تمد في أمد بقائه على كرسي الحكم، لاستمرارهم لأطول فترة ممكنة في تجريف ما تبقى من ثروات البلاد، وسفهاء المصريين الذين صدقوا أن النظام الانقلابي الاستبدادي قد أتى ليحقق لهم الأمن والاستقرار المنشود، ستتدهور مستويات معيشتهم أكثر، مع تفشي البطالة، وضياع قيمة مدخراتهم في البنوك، ووقوعهم في دائرة الفقر المميتة، فهم في النهاية من سيدفع ثمن استشراء الفساد تحت ظل السلطة الانقلابية القمعية المستبدة، ما سيدفع لانفجار الموجة الثورية القادمة لا محالة، ولن يبدأ الإصلاح بعدها إلا بعد دفع الشعب لثمن فادح، والله أعلم.
المستقبل المظلم لاقتصاد السيسي في الأشهر القادمة
الإثنين، 14-08-2023 01:02 م
*** 1- المقدام: - انخفاض الاستثمارات العربية والأجنبية القادمة لمصر، وهروب الاستثمارات القائمة هي البداية، وستتزايد بسرعة، مع تفاقم مشكلات مصر الاقتصادية الحالية، ولن تفلح معها محاولات الترقيع البالية، فهي ليست مشكلات طارئة أو مؤقتة، وليست بتأثير ظروف خارجية عابرة، كما تحاول دعاية النظام الانقلابي إشاعته، لإخفاء حقيقة حجم إخفافاته المتتالية المتراكمة، التي تسبب فيها فساد واحتكار المجموعة الحاكمة ونهبها لموارد مصر، التي أدت إلى مشكلات هيكلية خطيرة، مع تجريف الاقتصاد المصري القائم، لصالح اقتصاد بديل موازي لجمهورية السيسي الجديدة، وآخر سرقاته استيلائه على إيرادات قناة السويس، أهم موارد العملة الصعبة لميزانية الدولة، وتجنيب إيراداتها لوضعها في صندوق خاص يديره السيسي لصالحه ويضارب بعملاته، لينضم إلى صناديقه الخاصة الأخرى، كصندوق مصر السيادي وصندوق تحيا مصر، ولا يوجد في الأفق بر أمان لمالية مصر واقتصادها، ولن تستطيع حكومة الانقلاب وقف الانحدار، وسيكون الانهيار الاقتصادي الشامل مؤذناً بفضح فساد وعمالة العصابة الانقلابية، وتفكك منظومتها ونهاية حكمها، فالمشروعات المظهرية التي أهدرت عليها أموال القروض، وأسندت بالأمر المباشر لصالح مجموعة صغيرة من المحاسيب والانتهازيين، وبقيمة تعاقدية تبلغ أضعاف تكلفتها الحقيقية، ولا تدر إيرادات تكفي لسداد أقساط قروضها وفوائدها الباهظة المتراكمة، يضاف إليها مشتريات ترفية، كأسطول طائرات السيسي الخاصة، وواردات سلاح متراكم بقروض بعشرات المليارات من الدولارات، مقابل العمولات الباهظة التي استأثر بها الانقلابيون، ستؤدي إلى عجز الخزانة المصرية وإفلاسها، وتوقفها عن سداد ديونها الخارجية والمحلية، بكل ما ستجره على اقتصاد مصر وشعبها من نتائج كارثية.