صحافة دولية

جدعون ليفي: إجلاء "عين سامية" جزء من مخطط "نكبة ثانية" في الضفة

الاحتلال هجر آخر من تبقى من الفلسطينيين في قرية عين سامية البدوية- الأناضول
الاحتلال هجر آخر من تبقى من الفلسطينيين في قرية عين سامية البدوية- الأناضول
أكد الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، أن الإجلاء الأخير للفلسطينيين البدو من قرية عين سامية جزء من خطة منظمة تخدم رؤية المستوطنين وغايتها النهائية إخراج جميع الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة.

وأوضح ليفي، في مقال على موقع "ميدل إيست آي"، أن قرية عين سامية كانت موطنا للفلسطينيين المهجرين مؤخرا، منذ ما يزيد على الأربعة عقود.

وفي اليوم الذي تم فيه إخلاء القرية، فإن موقعا إخباريا تابعا للمستوطنين اسمه "أخبار التلال" نشر ما يأتي: "أخبار سارة. تجمعان للبدو الذين استولوا على المناطق القريبة من كوشاف هاشهر خلال السنين الأخيرة يغادرون المكان. الحمد لله، بفضل التواجد اليهودي الضخم في المنطقة والرعيان اليهود الذين احتلوها، ها هم البدو يغادرون – صيحة! نحن في "أخبار التلال" نتمنى أن يغادر البلد جميع البدو. هناك مراع أفضل في المملكة السعودية، فاذهبوا إلى هناك".

وشدد ليفي على أن ما جرى من حملة عنيفة من اعتداءات ضد السكان الفلسطينيين، هو نموذج "الترانسفير الصامت" بكل ما فيه من قبح: وهو خطة منتظمة تخدم رؤية المستوطنين التي غايتها النهائية إخراج جميع الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة.

وتاليا المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":

في وقت متأخر من الشهر الماضي، حينما أسدل الليل ستاره على المقر المؤقت الذي يؤوي 37 عائلة بدوية من عشيرة الكعابنة، ممن شردوا وأصبحوا بلا مأوى بين عشية وضحاها، نام بعضهم مفترشاً الأرض ومتلحفاً السماء، بينما تزاحم آخرون داخل خيمتين أقاموهما على عجل على أرض وفرها لهم ملاذاً مؤقتاً الفلسطينيون الأجاويد في القرى المجاورة.

ترك هؤلاء جل ممتلكاتهم خلفهم في قريتهم، والتي باتوا يخشون العودة إليها، بينما سارع المستوطنون الإسرائيليون إلى الاستيلاء بالقوة على أراضي القرية، مستخدمين حقولها للرعي، ويحولون دون عودة سكانها إليها، بل وراحوا يصادرون بعضاً مما في بيوتها من أثاث.

اظهار أخبار متعلقة


كانت هذه العائلات في الليلة السابقة ينام أفرادها في عين ساميا، قريتهم، عل بعد بضعة كيلومترات من مقر إقامتهم المؤقت الجديد. كانت عين سامية موطنهم منذ ما يزيد على الأربعة عقود إلى أن تعرض سكانها الذين يقترب عددهم من المائتين للطرد بالقوة ليلاً في الحادي والعشرين من مايو/ أيار.

وهذا النزوح، الذي جاء على إثر تعرض السكان لحملة عنيفة من الاعتداءات من قبل المستوطنين، ليس حدثاً معزولاً، بل هو نموذج "الترانسفير الصامت" بكل ما فيه من قبح: وهو خطة منتظمة تخدم رؤية المستوطنين التي غايتها النهائية إخراج جميع الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة.

ما من شك في أن نجاح المستوطنين في عين سامية، وقبل ذلك في مجتمع رعوي آخر في الجوار، سوف يشجعهم على الاستمرار في ما اختاروا المضي فيه من نهج، وخاصة بعد أن تمكنوا من تنفيذ تطهير عرقي جزئي في مناطق من وادي الأردن وفي جنوبي جبل الخليل.

من وجهة نظر البدو ووجهة نظر الفلسطينيين، تثبت عين سامية بشكل لا لبس فيه أن النكبة، ذلك الحدث الكارثي الذي رافق تأسيس إسرائيل في عام 1948، لم تنته، ولم تزل مستمرة، ومنذ ذلك الوقت على الأغلب بدون انقطاع. أي إن النكبة لم تتوقف.

تستمر إسرائيل في استخدام نفس الأساليب لتحقيق نفس الأهداف الوطنية، والغاية النهائية لم تعد خفية، ألا وهي أن هذه الدولة هي لليهود جميعاً – ولليهود فقط دون سواهم، من نهر الأردن إلى البحر المتوسط. وما عين سامية سوى نموذج لما أطلق عليه البعض مصطلح النكبة الفلسطينية الثانية. ولا يملك أحد سوى المجتمع الدولي لمنع ذلك من الحدوث.

اظهار أخبار متعلقة


زيارة من أجبروا على النزوح
بعد بضعة أيام من إخلاء عين سامية من سكانها، زرت القرية المهجورة والملاذ المؤقت الذي لجأت إليه عائلات عشيرة الكعابنة. داخل القرية التي هجرها أهلها، سمعت صوتاً خافتاً يأتي من تحت لوح خشبي تالف.

ما إن رُفع لوح الخشب حتى كشف عن مشهد يتقطع له الفؤاد. ستة من الجراء الصغيرة في كومة واحدة يتعلق بعضها ببعض، وقد استبد بها الخوف واجتمع عليها الحزن والضعف والعطش. من الواضح أن أمها غادرت مع أهل القرية، تاركة الجراء لمصيرها في الصحراء. كان المشهد مفجعاً، وحرنا كيف يمكننا إنقاذهم.

لم يكن منظر الجراء البائسة المشهد الصعب الوحيد في عين سامية. فهذه كانت يوماً قرية بدوية حية، يعيش فيها الرعيان، وها هي الآن لم يبق منها سوى بعض أطلال متناثرة فوق أرض قفر. وكان واضحاً أن سكانها أخلوها على عجل وهم في حالة من الهلع.

في هذه الأثناء، توجه نحونا مستوطن بجدائله الطويلة، وكان يرعى حيوانات أخرى في الحقول المهجورة التابعة لقرية عين سامية، وراح يتلفظ بما بدا أنها تهديدات. لم تبرح رائحة الغنم. وفي أنحاء المنطقة رأينا طاولات وكراسي وزرابي ومقاعد، وكذلك خزانة سحبت منها جواريرها، وألواحا خشبية من ألعاب الأطفال، ومجسما صغيرا لسيارة من طراز بي أم دبليو.

وتوجد في المكان شجرة كافور مقطوعة، ومشمع ملفوف، ومرحاض مكسور، وبطارية وجهاز تلفاز محطم.

توشح أحد الحقول المجاورة بالسواد، فقد تفحم بعد أن أحرقه المستوطنون. ما زالت مدرسة القرية شامخة على رأس التلة، أبوابها مغلقة لكن نوافذها محطمة ومخلعة. وداخل الفصول الدراسية، انقطع التعليم وتوقفت الحياة.

لربما أفادت اليافطة التي كتبت عليها أسماء المتبرعين الذين ساعدوا على إقامة المدرسة – بما في ذلك وزارات الخارجية في بلدان الاتحاد الأوروبي ومنظمات الإغاثة – في تذكير الدول الأوروبية بما آلت إليه مصائر مساهماتهم من أموال دافعي الضرائب داخل الضفة الغربية المحتلة.

والآن، لا يجد أطفال القرية مكاناً يدرسون فيه بعد أن حُطمت مدرستهم وهُجرت. في مقطع فيديو تم تصويره في آخر يوم دراسي، تسأل معلمة أحد تلاميذها "لماذا ترحلون؟" فيجيب التلميذ: "بسبب اليهود".

اظهار أخبار متعلقة


نمضي ونرحل
هنا في عين سامية، شمال شرقي رام الله، على امتداد شارع آلون بالقرب من قرية كوشاف هاشهر، كان يعيش مجتمع من عشيرة الكعابنة مع أغنامهم على أرض ذات ملكية خاصة أجرها لهم سكان قرية مجاورة.

في اليوم الذي تم فيه إخلاء القرية، نشر موقع إخباري تابع للمستوطنين اسمه "أخبار التلال" ما يأتي: "أخبار سارة. تجمعان للبدو الذين استولوا على المناطق القريبة من كوشاف هاشهر خلال السنين الأخيرة يغادرون المكان. الحمد لله، بفضل التواجد اليهودي الضخم في المنطقة والرعيان اليهود الذين احتلوها، ها هم البدو يغادرون – صيحة! نحن في "أخبار التلال" نتمنى أن يغادر البلد جميع البدو. هناك مراع أفضل في المملكة السعودية، فاذهبوا إلى هناك".

على بعد عدة كيلومترات إلى الشمال من عين سامية، يوجد طريق ترابي يؤدي إلى الملاذ الجديد. في واحدة من الخيم يجلس شيخ العشيرة المسن محمد الكعابنة، وهو أب لثمانية من البنين وإحدى عشرة ابنة، هم ذريته من زوجتين اثنتين. يتضح من حوارنا معه أنه صافي الذهن وحاد التفكير. كان ابنه الكبير ينضم إلينا من حين لآخر في الحوار.

أعضاء هذه الجماعة هم من اللاجئين ومن أبناء اللاجئين من أراضي النقب التي أخرجوا منها في عام 1948. انتقلوا من هناك إلى مكان بالقرب من أريحا، إلا أنهم في عام 1967 أجبروا على الخروج ثانية باتجاه المعرجات. وبعد ثلاث سنين طردهم الجيش فانتقلوا للإقامة في قرية بالقرب من المكان الذي أقيمت فيه فيما بعد مستوطنة كوشاف هاشهر، فأجبروا تارة أخرى على الخروج إلى مكان بالقرب من عين سامية.

كانوا حتى أسبوعين مضيا يعيشون هناك، حيث نما عددهم من 15 عائلة في عام 1980 إلى ما يزيد على الضعف ذلك اليوم. إلا أن السلطات الإسرائيلية لاحقتهم بقرارات الهدم عند كل منعطف، فراحت تدمر كل ما أنشأوه من مبان لسكنهم أو حظائر لمواشيهم.

اظهار أخبار متعلقة


ثم جاء المستوطنون وجاءت معهم مشاكلهم. بدأ هؤلاء يرعون حيواناتهم في حقول القرويين – وهو أسلوب مجرب في ترهيب السكان والاستيلاء على أراضيهم. يقول السكان إنهم تعرضوا للاعتداء والضرب من قبل المستوطنين بينما كانت قوات الجيش الإسرائيلي وعناصر الأمن يقفون متفرجين ويرفضون التدخل.

ألقي القبض مؤخراً على أحد أعضاء الجماعة ووجهت له تهمة سرقة نعاج من المستوطنين. وفي وقت متأخر من نفس تلك الليلة، رشق المستوطنون الرعيان وهم نائمون بالحجارة، وأضرمت النيران بحقولهم. ويقدر السكان أنهم خسروا محصولاً من القمح يقدر بطنين من الحبوب.

قرر القرويون أنه لم يعد بإمكانهم تحمل المزيد. استغرقت عملية الطرد أربعة أيام. يقول المختار وقد تملكه الحزن والأسى: "انتهى كل شيء، انتهى كل شيء".

المستوطنون عازمون على منعهم من العودة إلى قريتهم لجمع أمتعتهم –تماماً كما منع الجيش الإسرائيلي المغادرين من العودة إلى منازلهم بعد عام 1948، حتى وإن كان ذلك لمجرد استنقاذ متاعهم.
التعليقات (0)