سياسة عربية

لماذا تراجعت أحزاب الإسلام السياسي العربية لصالح الأنظمة التقليدية؟

مثلت حركة النهضة آخر تجربة حكم لتيار الإسلام السياسي في منطقة شمال أفريقيا - جيتي
مثلت حركة النهضة آخر تجربة حكم لتيار الإسلام السياسي في منطقة شمال أفريقيا - جيتي
جاء القرار القضائي الصادر في تونس بسجن رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان السابق، راشد الغنوشي، بمثابة إعلان نهاية حقبة حكم أحزاب الإسلام السياسي خصوصا في منطقة شمال أفريقيا. 

ورغم أن موجة الاعتقالات التي تشنها السلطات التونسية منذ نهاية العام الماضي، شملت كل التيارات السياسية المعارضة للرئيس قيس سعيّد بما في ذلك اليساريون والعلمانيون، إلا أنه ينظر للغنوشي على أنه زعيم الإسلام السياسي في تونس.

ووضع الرئيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 حدا لفترة حكم النهضة الذي استمر لحوالي عشر سنوات، منهيا بذلك تجربة الإسلام السياسي في السلطة بمنطقة شمال أفريقيا، بعد تراجعه عبر الصناديق في المغرب، وقبله عبر انقلاب عسكري في مصر.

الفترة الأطول في الحكم 
حظيت حركة النهضة بأطول فترة حكم مقارنة ببقية أحزاب الإسلام السياسي في منطقة شمال أفريقيا، حيث سجلت حضورها في كل الحكومات السياسية التي عرفتها تونس منذ أول انتخابات عُقدت في البلاد بعد ثورة 2011، التي أطاحت بحكم الديكتاتور الراحل زين العابدين بن علي.

وتولت النهضة مقاليد الحكم في تونس بعد فوزها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (برلمان مهمته صياغة دستور والمصادقة عليه) في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2011، وشكلت تحالفا حكوميا ثلاثيا ضم حزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي كان يقوده الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي، و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" اليساري.

واستمر حكم النهضة في تونس إلى مطلع عام 2014، حيث تنازلت عن الحكم لصالح حكومة مستقلة تولت الإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية، ضمن مخرجات حوار وطني أعقب أزمة سياسية شلت البلاد في صيف 2013 بعد اغتيال المعارض السياسي محمد البراهمي.

ورغم الهزيمة في انتخابات 2014 ضد حزب "نداء تونس" الذي شكله الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، إلا أن النهضة كانت رقما صعبا في البرلمان، ما فرض مشاركتها في حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد.

وفي عام 2018، حققت حركة النهضة فوزا جديدا من خلال حسم الانتخابات المحلية، قبل تصدر نتائج الانتخابات التشريعية في العام الموالي، مقابل خسارة الانتخابات الرئاسية، حيث حلّ مرشحها عبد الفتاح مورو ثالثا، خلف الرئيس الحالي قيس سعيّد ورجل الأعمال نبيل القروي.

ورغم فشلها في تشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية، إلا أن النهضة واصلت التواجد في الحكومات التي شكلها مرشحا الرئيس في مناسبتين، عبر إلياس الفخفاخ، وهشام المشيشي، الذي أقاله سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 ضمن إجراءاته الاستثنائية، منهيا بذلك تجربة النهضة في الحكم التي استمرت لما يقارب العقد من الزمن.

اظهار أخبار متعلقة


خروج عبر الصندوق
وفي المغرب، ترأس حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي الحكومة منذ عام 2012 على إثر ثورات الربيع العربي الذي جاء بالإسلاميين إلى الحكم في بعض الدول العربية.

بعد التحاق العديد من أعضاء الحركة الإسلامية، خصوصاً "حركة التوحيد والإصلاح"، بحزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية عام 1996، جرى تغيير الاسم إلى حزب العدالة والتنمية عام 1998، وشارك الحزب في الانتخابات التشريعية منذ عام 1997 وحصل خلالها على تسعة مقاعد في مجلس النواب، وظل في المعارضة حتى ترؤسه الحكومة عام 2012.

وصل الحزب إلى السلطة بعد فوزه بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية التي أجريت قبل موعدها عام 2011 (التي كان من المفترض أن تجري عام 2012)، وذلك بعد "حراك 20 فبراير"، وعرف بعدها المغرب إصلاحات قانونية وتعديلاً دستورياً.

وكان حزب العدالة والتنمية المغربي أحد أكثر الرابحين من التعديلات الدستورية الملكية، إذ تمكن للمرة الأولى من الفوز بالانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة ائتلافية يقودها الحزب.

وترأس الأمين العام السابق للحزب، عبد الإله بن كيران، رئاسة الحكومة. وتميز بن كيران بإمكانيات خطابية وقدرة على حشد الناخبين، الذين وعدهم  بإصلاحات اقتصادية واجتماعية.

وفي انتخابات 2016، أعاد المغاربة تأييد الحزب، إذ حصل "العدالة والتنمية" على نحو 31.65 بالمئة من مجموع المقاعد، بزيادة نحو 4 في المئة عن مجموع مقاعده في انتخابات 2011.

وحاول الأمين العام للحزب حينها، عبد الإله بن كيران، تشكيل حكومة على مدار نحو خمسة أشهر، لكنه لم يتمكن. واتهم بن كيران أحزابا سياسية بالتعنت ومحاولة فرض شروط لا تتناسب مع نتائجها الانتخابية.

في المقابل، كلّف الملك محمد السادس قياديا آخر في الحزب، وهو سعد الدين العثماني، الذي نجح في تشكيل ائتلاف حكومي عن طريق تقديم تنازلات كان بن كيران قد رفضها لعدد من الأحزاب لإقناعها بالموافقة على الدخول في الائتلاف.

وظهر العثماني بمظهر الضعف أمام قواعده الحزبية عندما غير موقفه تجاه التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، قائلا في ذلك الوقت إن "قرار التطبيع مع إسرائيل مؤلم وصعب، لكن المصلحة الوطنية أعلى بكثير".

وتلقى حزب العدالة والتنمية المغربي ذو المرجعية الإسلامية، هزيمة قاسية، في الانتخابات التالية التي جرت في أيلول/ سبتمبر 2021، على أيدي خصومه السياسيين وفي مقدمتهم حزب التجمع الوطني للأحرار، فيما ربط محللون الهزيمة بملف التطبيع مع الاحتلال.

انقلاب عسكري
أما في مصر، فلم تدم تجربة الإسلام السياسي في الحكم طويلا بالنظر للانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي ضد أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ البلاد محمد مرسي صيف 2013.

وبعد الثورة التي أطاحت بحكم حسني مبارك، فاز حزب الحرية والعدالة الإسلامي في انتخابات مجلس الشعب المصري 2011-2012 بأغلبية كاسحة في "الفردي" وأغلبية نسبية في "القوائم" وحصل على إجمالي 213 مقعدا في مجلس الشعب.

وشكل الحزب مع حلفائه الإسلاميين أغلبية برلمانية مكنته من تشكيل حكومة ترأسها في ذلك الوقت هشام قنديل إلى حدود وقوع الانقلاب في 3 تموز/ يوليو 2013.

صدر في 9 آب/ أغسطس 2014 حكم قضائي بحل الحزب، وهو ما اعتبره الحزب حكما مسيسا بعد إقصاء القوى المناهضة للانقلاب الذي نفذه السيسي ضد مرسي.

اظهار أخبار متعلقة


"الجماعة والحزب"
وفي قراءة، أكد الأكاديمي والباحث في الجامعة التونسية سامي براهم أنه "من ناحية تنظيمات الإسلام السياسي وتعبيراته الحزبية، نعم هناك تراجع ملحوظ"، مستدركا بالقول إن "المطلب الاجتماعي الذي قامت عليه هذه الأحزاب لا يزال قائما".

وقال في تصريح لـ"عربي21" إن "هذه الأحزاب جاءت استجابة لمطلب اجتماعي قائم على المحافظة، حيث لا تزال الهوية من القضايا التي تحتاج لمن يمثلها، بالتالي هذه الأحزاب لا يمكن أن تنتهي طالما هذه الحاجة الاجتماعية بالمعنى السوسيولوجي لا تزال قائمة"، معتبرا أن "انتهاء الإسلام السياسي فكرة دعائية أكثر منه تشخيص علمي لتيار عريض لا يزال قائما في المجتمع".

وعن أسباب تراجع أحزاب الإسلام لصالح الأنظمة التقليدية، شدد الباحث في مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية بتونس على أنه يوجد سببان لذلك، أولهما موضوعي وثانيهما ذاتي.

وقال براهم إن "السبب الموضوعي يتمثل في أن هذه التيارات تلاقي صدا على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، حيث تواجه الأحزاب الإسلامية مقاومة شديدة من خصمها التقليدي وهو التيار العلماني وخاصة اليسار"، مضيفا أنه "يوجد كذلك قرار إقليمي ودولي يقضي بالحيلولة دون أن يكون الإسلام السياسي متواجدا في السلطة".

أما السبب الذاتي فيتمثل في غياب النقد الذاتي والمراجعات داخل الإسلام السياسي الكفيلة بتأهيله ليكون في موقع متقدم من الحكم، بحسب الأكاديمي الذي اعتبر أن أحزاب الإسلام السياسي فشلت في إدارة الشأن العام لأسباب تتعلق بالرؤية والتصور خصوصا في علاقة بالملف الاقتصادي والاجتماعي.

وتابع: "هذا التيار الذي كان ملاحقا بين السجون والمنافي لم يحصل على فرصة من أجل بلورة رؤية اقتصادية واجتماعية"، مشددا على أن "هذه الأحزاب دخلت إلى السلطة وهي تحمل عوائق ذاتية".
وأشار إلى أنه "من بين هذه العوائق، قضية الدعوي والسياسي، أي مسألة الجماعة والحزب"، متسائلا ما إذا كانت قرارات الحكومات التي شكلتها أحزاب الإسلام السياسي تتعلق بالتشكيلة الحكومية أو بإرادة الحزب.

وتابع: "هل إرادة الحزب في ذاتها تتعلق بقيادته السياسية داخله أو بالجماعة الموسعة؟". وشدد على أن قضية العلاقة بين الدعوي والسياسي طُرحت في تونس والمغرب ومصر والجزائر، موضحا أنه "في تونس حُلت المسألة بنوع من الجذرية لكنه لم يتم حسم الأمر لأن الجماعة الدعوية بقيت في تقاطع مع الحزب السياسي، وكذلك الأمر تقريبا في المغرب".

وأضاف: "أما في مصر، فالوضعية أعقد من ذلك حيث بقي الحزب مجرد تعبيرة سياسية داخل الجماعة، لذلك رُفع شعار لاستهداف المرشد العام للإخوان المسلمين باعتبار أن الحكومة ورئاسة الدولة تقع كلها تحت سلطة المرشد العام للجماعة".

وختم بالقول إن "هناك قضايا تتعلق بالإسلام السياسي بقيت تلاحق هذا التيار حتى وهو داخل السلطة"، مضيفا أن "هناك فشلا في إدارة الحوار والتحالفات والتوافقات التي كانت ظرفية وبراغماتية أكثر من كونها تعبر عن خيار استراتيجي مؤسس ومدني".
التعليقات (1)
أبو فهمي
الثلاثاء، 23-05-2023 07:02 ص
ما يسمى بالأحزاب الاسلامية لايسمح لها بالتواجد بالحكم على الاطلاق من قبل الصليبيين وكلابهم من جهة وليس لهم ولديهم """" قوة عسكرية """" لتثبيت حكمهم - اذا استلموا الحكم - وبالتالي فلا قوة اقتصادية لهم. ففي الجزائر ربح الاسلاميون فقاما فرنسا بانقلاب فوري عليهم """ أنقذهم """ وفي تونس حكموا بعد الربيع العربي ووجدوا أن لا مصلحة ولا قوة لهم بالاستمرار في الحكم فدخلوا الانتخابات وخسروا وكان "" الشعب التونسي "" مسرورا وهم أيضا فقد حاربهم العالم أجمع. كذلك مصر وأول انتخاب "" شرعي لمرسي "" لم ينتظر الصليبيون عليه كثيرا فأرسلوا الـ C C بانقلاب عليه أوصل مصر الى الدرك الأسفل - كما هو مطلوب - . الوحيدة التي شاء القدر لها أن """" ترتفع """" هي تركيا حيث أبقى """" المسلمون """" على """" العلمانية """" وطوروا """" لتركيا المستقبل """ ونجحوا الى الآن بانتظار نتائج الانتخاب التي ستعيد تركيا الى """" الحضن الصليبي """" اذا فازت المعارضة وسيحدث لها ما يحدث بمصر الآن.